تشتاق النفوس وتهفو كل عام لرحلة الحج المباركة، التى تصل حاضر الأمة بماضيها العتيق حيث السيدة هاجر وابنها إسماعيل إذ هما فى واد غير ذى زرع عند بيت الله المحرم، ويا لها من رحلة مباركة تطهر الإنسان من وهدة الطين وترنو به إلى آفاق الإنسانية العليا حيث يعود بشرا سويا كما خلقه الله أول مرة قال تعالى: «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم»، فهى رحلة مليئة بالحكم والأسرار الربانية وحول هذه الفيوضات.
يقول د. بيومي إسماعيل من علماء الأزهر: رحلة الحج رحلة تتنزل فيها أولا الرحمات وتسكب فيها العبرات قال الفضيل بن عياض: لقد وقفت على عرفات فوجدت الناس يبكون ويتضرعون فقلت لصاحبي لو أن هؤلاء اجتمعوا على باب ملك من ملوك الدنيا يسألونه دانقا يعنى سدس درهم أتراه يردهم قال لا قال فإن الرحمة عند الله أهون من الدانق.
ويضيف: رحلة الحج مليئة بالحكم والأسرار منها امتزاج العبادة بالأخلاق قال صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يجهل رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، ذلك لأن العبادة المجردة من الأخلاق لا ثمرة لها، فما فائدة أن تكثر من العبادة وتؤذى الناس بأفعالك وأقوالك؟ وما فائدة أن تكثر من الصيام وتأكل حقوق الناس؟ كما أن أيضا من أسرار الرحلة المباركة توسيع أفق المسلم الثقافى ووصله بالعالم الكبير المحيط به؛ لأن تقوقع المسلم حول نفسه ترفضه الشريعة بل تأمره بأن يختلط بالناس اختلاطا إيجابيا، فيؤثر فيهم بأعماله وأخلاقه وقديما قالوا عمل واحد فى ألف خير من قول ألف فى واحد، وانظر إلى الصحابة الذين فتحوا الفتوحات ونشروا الدين حتى وصل إلينا غضا طريا.
◄ اقرأ أيضًا | ضيوف الرحمن يتوافدون على المدينة المنورة قبل أداء مناسك الحج
أيضا من الأسرار تحقيق التوحيد الخالص من الشرك فأول شعائر الحج لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، فما أطيع الله بمثل التوحيد وما عصى بمثل الشرك، كذلك تحقيق العبودية بامتثال أوامر الله حتى لو خفيت علينا حكمته فأنت تقبل حجر وترجم بحجر امتثالا واذعانا لله عز جل فهو له علينا حق العبودية.
ويؤكد أن تحقيق المساواة من مقاصد الحج وحكمه بين الناس فالكل يخلع ملابسه الفاخرة ويرتدي رداء أبيض غير مخيط حتى يعلم الناس أن كلهم أمام الله سواء كلكم لآدم وآدم من تراب وهذا يحقق الوحدة المنشودة، التى يسعى اليها كل مسلم غيور على أمته ويسعى أعداؤنا إلى تقويضها حتى لا تقوم للأمة قائمة هذه الأسرار تذكر بموقف يوم القيامة حيث يحشر الناس حفاة عراة قال سبحانه وتعالى: «يوم يقوم الناس لرب العالمين»، وتدرب النفس على الجهاد حيث يجتمع فى الحج أمهات العبادة من صلاة وذكر وإنفاق وهجرة بالنفس والمال قال سبحانه: «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات».
ويؤكد أن الحج شهادة ميلاد جديدة للمسلم حيث يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضى الله عنه أن الإسلام يجب ما قبله والهجرة تجب ما قبلها والحجة تجب ما قبلها .
