يوميات الأخبار

نعيب زماننا.. والعيب فيهم !

إمانى ضرغام
إمانى ضرغام

قبل أن أسأل كل شخص فيكم السؤال الكوميدى لهانى رمزى فى أحد أفلامه: أنت مين يا عم إسماعين؟ خلينى أسأل سؤال سعاد حسنى فى فيلم خللى بالك من زوزو لكل قارئ لهذه اليوميات: من أنت؟

الثلاثاء

هناك جمل خالدة فى السينما المصرية، نرددها من وقت لآخر ونحفظها عن ظهر قلب منها جمل فى أفلام مشهورة ومنها جمل مرتبطة بنجوم كبار، الجمل أو هذه الكلمات أصبح بعضها من ثوابت أيامنا منها الماكينة طلعت قماش، منها أربعة يا ماما، منها حياتها كلها كده وكده من فيلم خللى بالك من زيزى، ومنها ده مش راجل يا بابا ده لوسى، ومنها طبعا أتحزم وأجيلك، ده غير أفيهات الراحل توفيق الدقن التى ما زالت موجودة رغم الرحيل لأكثر من نصف قرن، لكن يبقى أخطر أفيه هو (من النهاردة مفيش حكومة أنا الحكومة) الأفيه الذى كان مؤشرا لبعض الناس إن البلد تعيش أسوأ حالتها، فلتخرج الثعابين من الجحور، لكن الأفيه الذى أفكر فيه وأتوقف وأشعر أنه معبر عن الإنسان المصرى حاليا هو (أنت مين يا عم سماعين)  لهانى رمزى فى فيلم غبى منه فيه، وأربطه هنا بأفيه (من أنت ؟) لسعاد حسنى فى خللى بالك من زوزو.

الثلاثاء 2

من أنت سؤال استفهامى عن شخصية من هو أمامك وتوجه له السؤال، وأنت مين يا عم إسماعيل سؤال مثله النجم هانى رمزى باستهبال يتطلبه حسن أداء الدور، وأنا هنا أتمنى إن حضرتك تسأل نفسك السؤالين من أنت وأنت مين يا عم ..، لأن ما نراه من مظاهر أصبحت هى الشغل الشاغل للناس فى مصر يدل ببساطة على أنك ليس لديك إجابة على السؤالين سواء الجاد أو الهزلى، فحضرتك وحضرتى وحضرات الأفاضل من المصريين يقيمون أفراحهم على الأغانى الحزينة ويرقصون عليها، وننتقد كل شخص وكل عمل وكل تصرف دون أن ننظر إلى أنفسنا فى المرايه، نستسهل الغلط والغش ونسمى الرشوة إكرامية! والنصاب فهلوى، والكذاب شاطر وناصح، والحرامى فهلوى، والبخيل ناصح، والألعبان متعدد العلاقات النسائية مقطع السمكة وديلها. مع ذكر هذه الصفة بالذات بكل فخر وكأنها نيشان أو قلادة الفوز ببطولة! تتجوز ٤ مرات وتنصح ولادك وأصدقاءك بلاش جواز، تشتغل شغلانة وربنا يسهلها معاك فتنصح الناس أوعوا تشتغلوها وتذكر المساوئ وتحول المميزات الى نكبات، وطبعا بتدخن وتنصح الناس بعدم التدخين، وغير ذلك كثير من التصرفات المتناقضة والآراء المختلفة التى يتحدث بها الشخص بكل بجاحة وتكبر ولا كأنه كذاب من رحم كذاب، هل هذه الظواهر أو التصرفات فردية؟ حرد على حضرتك إنها فى كل العالم فردية ولكنها فى مصر وبعد ٢٠١١ أصبحت جماعية وهما مكمن الخطر، أتمنى إن كل واحد منا يسأل نفسه هذا السؤال: من أنت؟ فإذا علمت من أنت حلت نصف مشاكلك على الأقل. 

الأربعاء

أنا من عشاق السينما وعشقى لها يفوق كثيرا عشقى للدراما، السينما جرعة مركزة لحكاية مليئة بالتفاصيل تنقلك فى ساعة ونصف إلى عالم آخر بشخوص وأحداث مختلفة، زمان كان الأسبوع السينمائى يبدأ من كل يوم إثنين ثم تغير إلى الأربعاء، لقول بعض الآباء إن نزول الأفلام الجديدة يوم الإثنين يجعل غياب التلاميذ عن المدارس يزداد لكن يوم الأربعاء سيكون أفضل لأن الطالب حيقول كلها يوم وتأتى أجازة نهاية الأسبوع وأروح السينما، وهناك من يقول فعلها موزعو الأفلام لنفس السبب حتى يحقق الأسبوع الأول عائدا كبيرا، ولو نظرنا للتعليلين اللذين من أجلهما تغير موعد بدء عرض الأفلام سنجد أنهما شيء أو سبب واحد، إن الناس بتحرص على الذهاب للسينما نهاية كل أسبوع، أنا الآن بعد أن ندرت الأفلام الجيدة وظهرت أفلام تصنع خصيصا لجمهور اليوتيوب والمقاطع المجزئة من الأفلام، والعناوين الإسبايسى مع كل مقطع، ضاعت صناعة مهمة وكبيرة، ولم يبق منها حتى ما يسد الرمق.

الخميس :

فيلم خللى بالك من زوزو هو الفيلم الأطول عرضا على شاشات السينما بعد أبى فوق الشجرة، وعندما يعرض حتى الآن يشاهده الناس، الملايين الذين يعجبهم الفيلم ليسوا من المشجعين لامتهان طالبة جامعية مهنة الرقص، ولكننا جميعا مع ضرورة تغير عاداتنا الاجتماعية التى تضع كل شخص فى قالب ربما لم يصنعه ولم يتدخل فيهم وربما ورثه أو وجد عليه آباءه، فالإنسان ابن تفكيره وشخصيته وقراراته وأيضا اختياراته، وهذا ما كتبه صلاح جاهين ببراعة وجسده أبطال الفيلم فى إتقان، المهم أن زوزو غيرت الصورة النمطية للفتاة المنكسرة المفروض عليها أشياء كثيرة فى مجتمع يبدو مغلقا رغم أنه مفتوح من كل الجهات، قبل خللى بالك من زوزو كانت الفتاة فى السيما تقترب من البلاهة وغالبا مغتصبة وزوجة أبوها خائنة، صورة نمطية للمرأة رسختها أفلام الزمن الجميل لامؤاخذة! بعد زوزو شفنا سيدة الشاشة فاتن حمامة فى أريد حلا، وبدأ منحنى صناعة السينما يتغير.

الجمعة :

مثل المقولة الشهيرة رمضان فى مصر حاجة تانية، أيضا يوم الجمعة فى مصر حاجة تانية، حتى فى الدول العربية والإسلامية يوم الجمعة فى مصر حاجة تانية خالص، فى عام ٢٠٠٥ كنت فى تونس فى زيارة عمل وجاء يوم الجمعة واستغربت جدا عندما علمت أن صلاة الجمعة ليست وقت صلاة الظهر ولكنها بعد انتهاء دوام الموظفين! لكن عندما عدت إلى مصر وسألت شيخا جليلا قال لى يجوز، لماذا أتذكر هذا رغم أننى أتحدث عن الأفلام، لأن أفلامنا حتى فى البلاد العربية التى تنتج أو كانت تنتج أفلاما، لا تتطرق إلى تفاصيل تبدو بسيطة عن حياتنا لكنها مهمة لأجيال قادمة، وأنا هنا لا أقصد صلاة الجمعة تحديدا ولكن أتحدث عن رصد حركة المجتمع من خلال السينما، فأنت وأنا وكثير من الناس لو سألتهم عن شكل الحياة والتقاليد والعادات المصرية من الأربعينات حتى التسعينات سيستطيع من خلال السينما أن يحدد الملابس والشكل وشكل البيوت وكثير من العادات والتقاليد، لكن لو سألته عن نفس الشيء من ٢٠١٠ حتى الآن سيصعب عليه الإجابة أو حتى تكوين الصورة الذهنية المطلوبة وليس كتابة تقرير مثلا.

السبت :

يوم السبت من الأيام الرايقه معظم الناس عندها أجازة إلا ما ندر، لا أعرف هل تتذكرون أن أجازة يوم السبت الآن عندما بدأت كانت يوم الخميس، ثم تم تغييرها بعد ذلك الى يوم السبت، أعرف دكتورا فى الإدارة كان رأيه فى دراسة علمية معلنة منذ ١٨ سنة أن موظفى الحكومة يجب ألا يذهبوا لأعمالهم إلا من يومين إلى ثلاثة أيام فى الأسبوع، وكانت دراسته تقول لو أغلقت المصالح الحكومية ٤ أيام فى الأسبوع فسوف نوفر كهرباء ومياه وازدحام وبالتالى بنزين أكثر من حجم إنتاجية الموظفين خلال أيام العمل الكاملة طوال الأسبوع، بعدها ظهرت دراسة أخرى تقول إن حجم عمل الموظف فى اليوم لا يزيد على ٢٧ دقيقة! أين ذهبت هذه الدراسات؟، ولماذا لم نستمر فى عمل دراسات تقيس جدية العمل وضرورته، وإذا كان هذا ينطبق على القطاعات العامة والحكومية فهو بلا شك له تأثير على القطاع الخاص، الموضوع مثله مثل موضوعات كثيرة نبدأ فى دراستها ثم فجأة نتوقف وننسى وتعود ريما لعادتها القديمة. 

الأحد :

فخورة بحضور الرئيس السيسى لاختبار المعلمين بوزارة التربية والتعليم، فمصر بها معلمون أفاضل خرج من تحت أيديهم مبتكرون ومبدعون وعلماء وأدباء، لكن الصورة الذهنية عن المعلم فى ذهن معظم المواطنين أو كما تروج لها السوشيال ميديا والدراما ونجوم جروبات المامز، هو المدرس الذى يجوب البيوت للدروس الخصوصية أو الذى يعمل فى سنتر، لا شيء سواهم! رغم أن هناك آلاف المعلمين الذين يعملون بجد واجتهاد ويساندون تلاميذهم، ولكن لا أحد يذكرهم أو يتحدث عنهم، لدرجة أن مجموعة من أولياء الأمور وجدتهم يشكرون فى معلم فاضل لأبنائهم، وعندما قلت لهم مبتقلوش للراجل ده ليه شكرا على الملأ فما كان من بعضهم إلا أن رد بردود غريبة منها مثلا : لو قلنا كده حيفتكروا أننا بننافقه، أو أحسن حد يفكر أنه بيقول لنا معلومات خاصة مفيش حد يعرفها! مجموعة ردود أغرب من بعض كنت أمامها مذهولة ولسان حالى يقول: أنت مين يا عم سماعيييين!

الإثنين

زمان غنت أم كلثوم العيب فيكم يا فى حبايبكم أما الحب يا روحى عليه، نافية أن العيب فى الحب ومؤكدة أن العيوب كلها من صنع الإنسان، لكن الآن أفتح الفيس بوك أو بص على تويتر أو حتى أسأل شات جى بى تى العيب فى مين حيقولك العيب فى الناس، دائما أنت متهم ناس آخرين أنهم وراء كل ما يحدث لك، العيب فيهم هم مش أنت، أنت دائما الشخص البريء المسالم والباقى خونة ورعاع على رأى أحمد مظهر فى فيلمه الرائع الأيدى الناعمة وما بين الخونة والرعاع وبين من أنت تشابه كبير لأناس لا يعرفون ماذا يريدون وأحيانا لا يعرفون كيف تمر الحياة بشكل جيد على الأقل، ولديهم اقتناع تام بأن سبب كل المشاكل آخرون يكيدون لنا، تتوه الحقيقة ويصبح الإنسان مشوشا وغير مبالٍ بأعظم نعمة وهبها الله سبحانه وتعالى له وهى أنه إنسان سوى يحيا فى حياة جيدة ولكنها تحتاج إلى كفاح وصبر وعمل يردون على سؤال مهم : من أنت.