أبو الهول (1).. العرب يصفونه بطلسم السحر.. و«جلبي» زعم أنه كان يتكلم!

أبو الهول
أبو الهول

هناك أشياء يتم التعامل معها كالماء والهواء، أشياء مُسلَّم بها من دون النظر إلى فيما هو أبعد من كونها حقيقة مرئية وملموسة. «أبو الهول» هو أحد تلك المُسلَّمات التي يتعامل معها المصريون منذ نحو قرن من الزمان بعد أن تم اكتشاف جسده كاملاً، وربما يتعامل معه عدد كبير من السائحين الذين يأتون من شتى بقاع الأرض ليشاهدوا هذا الأثر الفرعوني الشهير بنفس المنطق.


ليبقى السؤال ببساطة من هو أبو الهول؟، وهنا إما ينعقد اللسان، وإما تتعدد الآراء، بعضها يميل إلى الشكل العلمي، وبعضها يجنح إلى الأسطورة التي صدقها الكثيرون، بل وسار وراءها بعض العلماء المحدثين.

هل أبو الهول هو الملك «خفرع» مثلما تعلمنا وعرفنا في المناهج الدراسية السائدة بهذه السهولة، أم هو غير ذلك؟.

 

عرفنا اللغة العربية بعد الفتح الإسلامي لمصر عندما زحفت جيوش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر، ولفظ «الهول» في اللغة العربية يعني «الفزع»، و«هوّل» الشيء أي كبّره وعظمه وأفاض فيه، أما «أبو» فتشرح نفسها بنفسها، وهي كنية عربية شهيرة مثل «أبو بكر»، وبالتالي فإن كلمة «أبو الهول» عربية بحتة، أي أن من أطلق عليه لفظ «أبو الهول» هم العرب، فكيف عرف العرب «أبو الهول» في الأساس؟.

كان «أبو الهول» أحد أهم الآثار المصرية التي لفتت أنظار المؤرخين العرب الذين جاءوا إلى مصر، فعند الفتح العربي كانت الجيوش الإسلامية لا ترى من جسم «أبو الهول» سوى رأسه فقط بعد أن زحفت عليه الرمال فغمرته شيئاً فشيئاً، حتى صارت رأسه فقط هي التي فوق سطح الأرض.


فكيف تعامل العرب مع هذه الرأس الضخمة؟، لا سيما أن المسلمين لديهم تاريخ محرم للأصنام التي تشبه «أبو الهول»، فلماذا لم يهدوه مثلاً؟.


القاسم بن يوسف التجيبي السبتي في كتابه «مستفاد الرحلة والاغتراب» قال عن «أبو الهول» من دون أن يسميه طبعاً: «إن بمقربة الأهرام الثلاثة رأس صورة من حجر صلد هائل المنظر، على صورة رأس الإنسان، غير أنه غاية في الكبر»، وبحسب ما ذكره بن يوسف فهو عند المصريين حينها «طلسم» أي شيء مرتبط بالسحر، وأن وجوده هو الذي يمنع الريح العاتية عن مصر، أي أنه لو ذهب لأنهت الرياح على وجود مصر تماماً.


أما زكريا بن محمد بن محمود القزويني فقال في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد» إن التمثال هو «طلسم» للرمل لئلا يغلب على منطقة الجيزة، فالرمال هناك كثيفة شمالية متكاثفة، فإذا انتهت إليه لا تتعداه، وقال القزويني أيضاً في وصف التمثال إنه: «هو تمثال عظيم جداً وصورته مليحة كأن الصانع فرغ منه، وهو مصبوغ بالحمرة».


المقريزي في خططه والتي كتبها في 780 هجرية ذكر إن العرب كانوا يعرفوه بالصنم «بلهيب» أو «بلهوبة» في البداية، ولكنهم أطلقوا عليه اسم «أبو الهول» بينما قلة من العرب كانت تسميه «أبو الفزع»!.


المقريزي لم يخرج عن كون «أبو الهول» طلسماً مرتبطاً بالسحر أيضاً، ولكن مثلما ربطه السبتي بالرياح والقزويني بالرمال فإن المقريزي ربطه بالنيل ووفرته في أرض مصر، أما الرحالة أوليا جلبي في كتابه «سياحتنامة مصر» فقال إن أبو الهول كان يتكلم في الماضي، ويحذر المصريين بقدوم أعداء على مصر أو ظهور غلاء وقحط أو قلة هطول أمطار.


أوليا في كتابه يورد قصة عجيبة وهي أن النبي موسى (عليه السلام) ذهب إلى أبو الهول وقال له «إنك قادر على التحدث، فيجب عليك أن تؤمن بي أنا رسول الله الحق، فقال له أبو الهول إني أؤمن بإدريس ولا أؤمن بغيره، فغضب موسى وكان عاتياً، وضرب أبا الهول بعصاه وأحدث به شقوق، وخدش فمه وأنفه وقال: «اسكت يا ملعون»، وانصرف، ومن ذلك اليوم صمت أبو الهول، ولم يعد يتكلم!.
ويدلل أوليا جلبي على كلماته الغريبة تلك أن آثار عمل موسى باقية على رأسه، ولم تزل عيناه مخدوشتين في زمن كتابته للكتاب المهم.


وبمناسبة الخدوش فلا أعتقد أن أثرا مصريا نال من الخدوش ومحاولات الهدم مثلما حدث مع أبو الهول ومنها مسألة محمد صائم الدهر، فما هي حكاية هذا الرجل؟