فى الصميم

أمريكا تنجو.. وديونها تزداد!!

جلال عارف
جلال عارف

أخيرا.. هدأت أسواق المال العالمية واستراح خبراء الاقتصاد الذين كانوا يخشون من أن تتعثر مفاوضات رفع سقف الديون الأمريكية، وتتعثر بعد ذلك الإدارة الأمريكية فى سداد ديونها، وما يتبع ذلك من آثار يمكن أن تكون كارثية فى ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء تمر بها كل دول العالم. بالأمس تم الإعلان عن التوصل لاتفاق بين الرئيس الأمريكى والحزب الجمهورى ممثلاً فى رئيس مجلس النواب "مكارثى" على تسوية الخلافات وتمرير زيادة فى سقف الديون مع تنازلات من الجانبين. تفاصيل الاتفاق لم تعلن بعد، لكن التصويت فى مجلس النواب سيتم يوم الأربعاء، وبعدها يتم تمرير الاتفاق فى مجلس الشيوخ حيث لا مشاكل مع امتلاك الديموقراطيين للأغلبية.


رغم التعثر فى التفاوض لأيام عديدة، فلم يكن الاتفاق يمثل مفاجأة كبيرة. ففى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تواجهها الدولة الأقوى اقتصاديا فى العالم، لا يمكن لأحد الحزبين أن يتحمل نتائج تحول الأمر إلى كارثة إذا تخلفت أمريكا عن سداد ديونها، خاصة مع بدء سباق انتخابات الرئاسة التى ستكون الهموم الاقتصادية عاملاً أساسيا فى نتائجها وفى نتائج الانتخابات التشريعية التى ستجرى فى نفس التوقيت.
الرئيس الأمريكى كان يدرك ذلك وهو يقود التفاوض مع الديموقراطيين، ويحملهم مسئولية التأخير فى الاتفاق، أو الإصرار على تخفيض النفقات فى دعم الصحة والمصروفات الجامعية حيث يستفيد عشرات الملايين من زيادة الإنفاق الحكومى. وكان ذلك - بالطبع - يمثل ضغطاً على الديموقراطيين الذين يريدون أن يثبتوا أهمية حصولهم على الأغلبية فى مجلس النواب وقدرتهم على تعطيل عمل الحكومة.. لكن ليس إلى حد تدمير سمعة الاقتصاد الأمريكى لو توقف عن سداد الديون، وليس إلى حد الوقوف ضد مصالح الملايين من طلاب الجامعات ومن المستفيدين من برامج الصحة الحكومية، وليس إلى حد أن يضيفوا فوراً ثمانية ملايين أمريكى إلى قوائم العاطلين.


خبرة "بايدن" الطويلة فى العمل البرلمانى ساعدته فى التفاوض والتوصل لاتفاق ستكون فيه تنازلات من الجانبين. حالة الطوارئ ستنتهى فى الكثير من المؤسسات المالية الأمريكية والعالمية.. لكن مشكلة الديون لن تنتهى. تأجلت فى أمريكا لعامين فقط، وستظل تؤرق العالم كله وتطرح الأسئلة حول نظام دولى غير عادل وغير منصف تبلغ فيه تكلفة الديون فى الدول الفقيرة أضعاف تكلفتها فى أمريكا، وتتسابق فيه الأموال للاستثمار فى ديون الاقتصاد الأقوى عالمياً بدلاً من الذهاب إلى الدول الأفقر والأشد حاجة للاستثمارات الأجنبية. بعض العدل قد ينقذ اقتصاد العالم!