يوميات الأخبار

جحود الأبناء

 د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى

الأولاد اللى بينشأوا فى أسرة احترام وتقدير للنعم هيطلعوا بنفس الصفات.. الأولاد اللى اتعلموا من أهلهم الرضا و الإيمان بالقضاء والقدر هيكبروا على نفس النهج

«ربيت ولادى أحسن تربية و علمتهم أحسن تعليم ومشوفتش منهم إلا الجحود و العند و الكِبر !» 

«ولادى مش بيعجبهم أى حاجة مهما عملت و مهما تعبت عشانهم.. دائما بحس بإحباط رهيب و بحزن على عمرى اللى ضاع أنا و أمهم عشان نسعدهم و نقدملهم حياة أفضل مليون مرة من اللى عشناها» 

«ولادى لما كبروا نسيوا كل التضحيات اللى قدمتهالهم أنا وأمهم و محدش فيهم بيفكر فى مرضنا ولا حد بيطُل علينا؟ احنا غلطنا فى ايه فى تربيتهم عشان يطلعوا عاقين وقاسيين كده؟» 

«ابنى بيقولى كلام جارح و قاسى! طول عمره كده، أنا هموت من قهرتى» !

رسائل متكررة تحمل نفس القدر من الوجع والقهر وكسرة النِفس.. رسائل مكتوبة بدموع آباء وأمهات وكل سطر فيها ممزوج بالخذلان والحسرة واليأس..

زى ما اتكلمنا فى يوميات سابقة عن عقوق الآباء رغم انه مصطلح غير متداول مقارنة بعقوق الأبناء، انهارده هنتكلم عن «جحود الأبناء» 

لما نتناول الجحود بنظرة عامة أحيانًا بيكون توصيف الأهل خاطئ وفيه قدر كبير من المبالغة والتحامل على الأبناء وأحيانًا كثيرة بيكون حكمهم صادق و فعلًا أولادهم جاحدين..

توصيف الأهل الخاطئ سببه الرئيسى هو مقارنة جيل أولادهم بجيلهم.. مقارنة تصرفات أولادهم معاهم بتصرفاتهم مع أجدادهم..

وكل مناهج التربية أثبتت أنه من الظلم مقارنة جيلين مختلفين تمامًا ببعض، بسبب التطور التكنولوجى والانفتاح والتسارع فى كل الأحداث بقى زمن كل جيل مختلف عن اللى سبقه بشكل ملحوظ..

والمشكلة أن معظم الأهالى مش عارفة أن الشاب اللى عنده ١٨ سنة لسه عقله «تشريحيًا» غير مكتمل، فا بتلاقى عنده انفعالات شبيهة بانفعالات الأطفال أحيانًا وتسرّع فى ردود الأفعال وكتير من الأهالى بيستغربوا التصرفات الصبيانية دى على اعتبار ان ابنهم خلاص كبر وبقى زيه زيهم والحقيقة مش كده..

المفاجأة ان دراسة لجامعة كامبريدج كشفت ان سن البلوغ الحقيقى ودماغ الانسان لا تصل للنضج الحقيقى إلا فى العقد الثالث من عمره.. متخيلين؟!

هل كل تصرف لا يُرضينا من أولادنا يتقال عليه جحود والا الجحود له سمات معينة؟ 

تعالوا ناخد الجحود من بداية نشأة الطفل.. فى أطفال كتير بتعترض و بتقول لأ ولكن معندهمش مشكلة عدم الامتنان أو الجحود، فلابد أن الأهالى يتقبلوا ان طبيعة الطفل مقترنة بكلمة لأ و ده ليس خلل فى تربيته…

اذن ايه هى أعراض الجحود؟

أولًا: عدم التقدير المستمر: لا يُرضيه أى مجهود مبذول لإسعاده بشكل دائم.. ودائمًا يقارن ما يُقدم له بما يُقدم لغيره بطريقة فيها تقليل واستهزاء.

ثانيًا: عدم الاحترام : الإنسان الجاحد منذ طفولته مش هتسمع منه كلمة «شكرًا / آسف/ تعبتك» عنده مشكلة كبيرة فى الأخلاق فهو غير ممتن لأى شيء و كإن كل النعم اللى عنده حق مكتسب! 

ثالثًا: يواجه نوبات غضب متكررة و ده بيكون طبيعى أثناء الطفولة و لكن الإنسان الجاحد بتمتد معه هذه الصفة فى الكبر وتتحول لغضب جارف و تمرد مستمر.

رابعًا: من صفات الشخص الجاحد رفضه لاتباع القواعد. 

خامسًا: لا يتقبل أبدًا رفض طلبه أيًا كان من أى شخص ولا يتقبل سماع كلمة «لأ» ! ودائم الجدال والنقاش. عايز طلباته تتنفذ فى التو واللحظة!

ولذلك فالأهل لازم ينتبهوا للسمات دى فى شخصية الأطفال قبل ما تتمّلك منهم لما يكبروا ومن أهم التمارين اللى المفروض الأهل يطبّقوها فى تربية أطفالهم «ممارسة الامتنان» وتحويله لعادة فى حياة أولادهم، بإنهم يشجعوا الأطفال فى نهاية كل يوم انهم يعدّوا عدد من النعم هما فرحانين بوجودها فى حياتهم ..

يعدوا مواقف أسعدتهم فى يومهم ويحمدوا ربنا على وجود أشخاص بيحبوهم فى حياتهم.. التمرين ده هيساعد الأطفال انهم لا يتعاملوا مع أى نعمة أو أى شخص انه حق مكتسب فى حياتهم ..

و الصادم ان أحيانًا جحود الأبناء بيكون نابع من أهلهم، ان الطفل اتربى وعمره ما شاف أهله بيحمدوا ربنا على نعم أو شاف أمه أو أبوه مش بيقدّروا تضحيات بعض.. اتربى فى بيت مسمعش فيه كلمة شكرًا، نشأ فى بيت كله ضغوطات وأهالى دائما غضبانين وساخطين على كل أقدارهم! 

سبحان الله ذكر النعم بيقضى على الجحود وقسوة القلب لإن الامتنان بيزود إفراز هرمون فى الدماغ اسمها «أوكسايتوسين» و بيسمى بهرمون الحب، هرمون بيفرز وقت الأحضان والتقارب ولذلك هو علاج للجحود والقسوة..

محتاجين نعرف دلوقتى مسببات جحود الأبناء..

وأهمها الاغداق المادي: ان الأهالى تُفرط فى التدليل والعطاء والشراء بدون داعى كمحاولة منهم لتعويض أبنائهم عن ساعات عملهم الطويلة وغيابهم عن البيت أو لتعويض تقصيرهم فى الجانب العاطفى أو تعويضهم عن اضطرابات عائلية بيعانى منها أولادهم و ده بيخلق شخص مُدلل غير مقدّر و جاحد..

مينفعش يبقى العطاء عمّال على بطّال والمكافآت مستمرة لا تنقطع، التعود على النمط ده غالبًا ما يولد جحود من الطفل لإن سقف طموحاته بيعلى كل يوم ومبقاش فى حاجة ممكن ترضيه.

فى قدر من الحرمان الصحى لازم يتعرض له الأطفال لتتحقق الموازنة بين التدليل و التقدير..

أحيانًا حرمان الطفل من استقلاليته والسيطرة عليه من الأهالى بشكل كلى بيولّد بداخله عِند وجحود أول لما يكبر ويقدر ينفصل عنهم..

محتاجين دلوقتى نعرف كيفية التعامل مع جحود الأبناء..

و أهم مهارة لازم الأهالى يتعاملوا بيها مع ولادهم انهم يعلموهم الاحساس بالغير و انه يحط نفسه مكان الآخرين و دى محتاجة وقت و استمرارية و تكرار.. مثال على كده تفتكر والدتك حست بإيه لما الهدية معجبتكش رغم انها حاولت ترضيك بس رد فعلك كان محبط جدًا ليها؟ ، «تفتكر أخوك حس بإيه لما اتعصبت عليه و جرحته بكلامك؟»

و اطلب منه يتعوّد يعبّر عن مشاعره واحترمها عشان يتعلم هو كمان يحترم مشاعر الآخرين بالتبعية و يحترمها..

علّمه يختار كلماته و يفكر فيها قبل ما يقولها حتى لو مقدرش فى الأول و كان كلامه جارح فالاستمرارية هتحسن من طريقة تعبيره وهتخليه يراجع نفسه..

من أهم المهارات لترويض الجحود عدم تلبية رغبات الأبناء مباشرة، متقولش على كل طلب حاضر حتى لو عندك المقدرة المادية.. و وضحله سبب منعك ليه سواء «معندناش فلوس زيادة فى الفترة دي/ اللى انت محتاجه مش مفيد بالنسبالك «و يكون فعلًا مش مفيد» / ممكن تحوش من فلوسك و تشترى الحاجة دي..
وحتى لو هتكافئ ابنك لإنه يستحق مش لازم السرعة الرهيبة فى تلبية طلبه.. علمه يصبر و لو يومين، عشان ميتعودش ان كل حاجة سهلة..

فى أهالى كتير بتحتاج عوامل مساعدة عشان الطفل يقدر يحس بالامتنان لنعم ربنا فلو أخدت ولادك وزرتم ملجأ، دار أيتام أو مستشفى للحالات الحرجة الزيارات دى هتخلى قلبهم يلين و يشكروا ربنا على نعمه وهيقدروا فعلًا يحسوا بغيرهم..

وقبل ده كله لازم الأهالى يكونوا قدوة لأولادهم.. الأولاد اللى بينشأوا فى أسرة احترام وتقدير للنعم هيطلعوا بنفس الصفات.. الأولاد اللى اتعلموا من أهلهم الرضا و الإيمان بالقضاء والقدر هيكبروا على نفس النهج..

الطفل اللى نشأ فى بيت كله صريخ وأهل بيذموا فى بعض و بيقللوا من شأن بعض هيكبر و يكون شاب جاحد مش بيشوف غير الجانب السلبى فى الأشخاص اللى حوليه و عينه بتتعمى عن كل حلو..

فى أهالى كتير بتنعزل عن أولادها سنين طويلة و بتلهيهم الدنيا عن متابعة سلوكياتهم و عصبيتهم و كِبرهم و عنادهم ظنًا منهم انها مرحلة و هتعدّي…
هى فعلًا هتكون مرحلة و تعدّى لو فى احتواء من الأهل وتعديل للسلوكيات والمفاهيم الغلط و ان الأهالى تقرب من ولادها وتفهم طبيعة شخصياتهم، لكن تجاهل كل ده مش هيوصّل الا لأبناء قاطعين للرحم.. أبناء جاحدين.. مسيئين لأهلهم و ممكن يجيبولهم المرض من كتر الجحود..

جحود الأبناء له أسباب وله علاج.. مش بيطلع شيطانى فى يوم وليلة.. بياخد سنين وسنين.