صباح الفن

إنتصار دردير تكتب: «وداعًا جوليا»

إنتصار دردير
إنتصار دردير

كعادتهم يمنح المبدعون دروساً مهمة للساسة، ومثلما نجحت سيدة الغناء العربي أم كلثوم فى توحيد العرب حول صوتها، هاهى السينما السودانية تعطى درساً بليغاً للذين يتقاتلون على أرضها، فبينما تشق أفلامها طريقها بثقة، وتنجح فى أن توجد لها مكاناً على خريطة أكبر مهرجانات العالم، وتخوض إحدى مسابقاته، وتتنافس على جوائزه لأول مرة فى إنجاز تاريخى يحسب لها، يتواصل القتال ويستمر النزوح، ويزداد الخوف بين من بقوا متمسكين أو مضطرين.

لم يكن أبطال فيلم «وداعا جوليا» بمنأى عما يجرى فى بلادهم، بل كانوا ضمن ضحاياه، فقد اضطروا لمغادرة بيوتهم على عجل على غرار آلاف السودانيين النازحين ليخوضوا رحلة شاقة حتى وصولهم للقاهرة، بينما كان منتج الفيلم المخرج أمجد أبو العلا يقاوم كل مشاعر القلق عليهم، ولم يشأ أن يصرح سوى بشكل عارض خلال أحد لقاءاته بالقاهرة عن كونه يعيش مشاعر «ملخبطة»، فبينما يستعد لتسليم نسخة الفيلم الذى عملوا عليه لخمس سنوات، كان مشغولاً بمتابعة مصير أهله وزملائه ووطنه الذين يحاصرهم القصف.

لم يتصور البعض خلال العرض الأول للفيلم بمهرجان كان أن الممثلات اللاتي يقفن فى كامل أناقتهن أمام الكاميرات، عشن تحت القصف قبل أن يغادرون السودان وقضين ليلة ثقيلة فى الصحراء، بل أن أسرة الفيلم تلقت نبأ اختيار المهرجان للفيلم أول اختيار رسمى للسينما السودانية قبل أيام من اندلاع الحرب فى السودان، ولم يسع فريق الفيلم لاستغلال هذا الحدث السياسى أو لكسب عطف آلاف السينمائيين الذين يعج بهم المهرجان، بل أرادوا أن يشاهدوا فيلمهم وأن يقوموا بتقييمه كعمل فنى بعيداً عن أى مؤثرات أخرى.
أما الفيلم نفسه فهو يعطى درساً آخر للساسة حول التسامح وعدم التعصب ونبذ العنصرية، عبر أحداثه التى تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين شمال الخرطوم وجنوبه قبل فترة قصيرة من انفصالهما عام 2011.

لقد حظى الفيلم بتصفيق متواصل لعدة دقائق، وأشاع الفرحة بين السينمائيين السودانيين والعرب بمخرجه الشاب محمد كردفاني فى أول أفلامه، والمخرج أمجد أبو العلا، صاحب ضربة البداية بفيلمه «ستموت فى العشرين» الذى فتح الباب أمام جيل جديد من الموهوبين السودانيين يعملون على رفع راية بلادهم رغم كل الإحباطات.