نعمة محمد مصطفى الشنشوري تكتب: لو سترته بثوبك كان خيرًا لك

نعمة محمد مصطفى الشنشوري
نعمة محمد مصطفى الشنشوري

■ بقلم: نعمة محمد مصطفى الشنشوري

نعمة الستر نعمة عظيمة حثنا عليها رسولنا الرحيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بلغه عن أحدٍ شىء، لم يقل: ما بال فلان يفعل كذا أو يقول كذا؟ ولكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا أو يقولون كذا وكذا؟

فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «كُلُّ أُمَّتى مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه» رواه البخاري.

والمجَاهِرون هم الذين يجاهرون بالفواحش، ويتحدَّثون بما قد فعلوا منها سرًّا، وكلنا ننعم بنعمة الستر إلا هؤلاء مُفْتَضحين بأنفسهم. ومن هنا نقول إنَّ ستْر الله متوقف على ستْر المرء لنفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجَاهرة بها، فقد أغضب الله تعالى فلم يَسْتُره، ومن قصد التَّسَتُّر بها حياءً من ربِّه ومن النَّاس، مَنَّ الله عليه بِنعمة الستر.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه فى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.....» ، والستر هنا قد يكون بعف اللسان عن الغيبة والنميمة، والتغافل عن عيوب الآخرين فكلنا عيوب مستورة والحمد لله، وخاصة إذا لم يكن صاحب الذنب معروفا عنه الفساد. وإن كان غير ذلك ومعروفا عنه الفساد فليس من الحياء تركه حتى يزحف أذاه عن الناس.

ونرى هذا فى قصَّة ماعز الذى جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعترف على نفسه بالزِّنا والعياذ بالله، وسأل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقيم عليه الحدَّ ليطهِّره، فأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمه بعد أن راجعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مرات ولم يسأله مع من زنيت وذلك سترًا للطرف الثاني.

وإن كان السَّتْر أولى بالمسلم على نفسه فإذا وقَّع أحدهم فى ذنب من الذنوب وأراد الاعتراف به عند من له السلطة ليقيم عليه العقوبة، وذلك مع عقد النية على التَّوبة والنَّدم على هذا الذَّنب، والاقلاع عنه فى الحال، والعزم على ألَّا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى فستر نفسه أولى من الاعتراف بالذنب، فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده، ويحبُّ التَّــوَّابين.

وهذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهزال الذى أتى بماعز ليقر على نفسه: «لَو ستَرتُهُ بثَوبِكَ كان خيرًا لكَ» فكان الستر أولى حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهة إشاعتها وترغيبًا فى التوبة.