«المتجر» قصة قصيرة للكاتبة منال عساف

الكاتبة منال عساف
الكاتبة منال عساف

 جـلس محـمود في حـجرة نـومه، أمام اللابتوب الخاص به، يتحدث إلى أصدقـائه وصديقاته على الشاشة الزرقاء، البعض  زمـلاء عمـل، وأخـريات تعـرف عـليهن عـن طريق الفيسبوك، كـان منهمكاً في الحـوار فلـم يشعـر بدخـول ريهـام زوجـته عـليه الحجـرة، اقـتربت مـنه ووقـفت خـلفـه تقـرأ الرسائل المتبادلة بين زوجها وصديقاته، فـلمحـت بعـض الكـلمات مثـل حـبيبي، قـريبا وقـلوب صغـيرة تملأ الشات، وتجـاوز في الحـوار مما يـوحي بأن المحـادثات لـم تكـن بـريئة أو طـارئة، شـعـر محـمود بلهيب أنفاسها وهـي  تقـترب، فالتـفـت فـزعـاً وأغـلق اللابتوب مسرعاً وقـال بعـصبية شـديـدة:

_ مـنذ مـتى وأنتِ تقـفين هـنا ؟

_ أجـابت بمـرارة: يبـدو أن وجـودي أزعجـك وأنت غـارقا في سمـائك الزرقـاء، فتـحـت بـاب الشقـة ودخـلت المطـبخ أضـع مـا أحضـرت معـي ودخـلت عـليك الحجـرة وأنت لا تشعـر بي

-: هذا لأني يقـتلني الإرهاق والتعـب

_ بـل قل أنك تموت من الغـرام

_ محاولا الإستهانة بكـلامها: كُفي عـن السخرية يا ريهام، أنت دائما تختلقين ، كما أن لـكِ أصـدقاء عـلى الفـيس وفـي العـمل وأنا مثـلك ولـكـن الفـرق أني أثـق بـكِ وأنت لا تثـقـين بي

_ أجـابت بيـأس نعـم هـذه هـي المصيبـة الكـبرى

_ أي مصـيبة ؟ أن أثـق بـكِ؟

_ لا بل المصـيبة هـي إن كـل رجـل يثـق فـي زوجـته يفعـل ما يريـد وهـو مطـمئن، وقـد يكـون العـكس صحـيحاً، والمصـيبة الأكـبر إنـه يصـر عـلى الاحـتفاظ بها وهـو يخـونها، مـع  إنـه طـالما يفـكر في خيانتها فمن المؤكـد أنه شعر بالملل معها، ولـم يعـد يحـبها، إذن لماذا يظـل معها؟

_بالتأكيد السبب هو الفـيسبوك، الرجـل يا حبيبتي يـفـتقـد الحـب في بيـته ومن زوجـته لأنها دائما مشغـولة عـنه في الوقـت الذي تنهـال عـليه العروض أشـكال وألوان عـلى الفـيس

_  هكـذا يكون اسـمه متجـر الفـيس والحـقـيقة هـي أن الخـيانة كـانت موجـودة قـبله، لكـن الفـيسبوك كشـف الغـطاء عـن النـوايا وفـتح الأبـواب والنـوافـذ عـلى مصـراعـيها لفـرص االعرض والطلب والاخـتيار وإن كـان  فـوائده أعظـم بكثـير من هـذا الغـرض الشـيطاني الذي قد يكون تم اختراعه من أجله 

جـلس محـمود شـاردا فـي كـلام ريهـام وهـو يردد في عقـله ( المتـجـر)

خـرجـت ريهـام من الغـرفـة وهـي حـزينة كعـادتها وعـندما عـادت للغـرفة كـان محـمود راح فـي ثـبات عـميق، فنظـرت إلـيه فـي حـسرة محـدثة نفسها:

 تنـاولـتَ جـرعـتكَ مـن الحـب ، فأيـن جـرعــتي أنا من الحـب والحـنان ؟

مـددت جـسدها عـلى الفـراش بجـانبه متألمـة تحـدث نفسها: لقـد يئسـت مـن الكـلام معـك في هـذا المـوضوع ولا فـائدة حـالك أصـبح كالمـدمـن الـذي لا يســتطيع أن يعـيش بـدون هـذا الشئ، ألـم يـأن للرجـال أن يفيقـون لأنفسـهم بعـد؟ ألـم يفـكر ولـو لحـظة واحـدة أني أنا الأخـرى من حـقي أن أبحـث عـمن يهـتم بي ويروي ظمئي من الحـب، ظـلت فـي أسـئلة دون إجـابات حـتى استسلمت للنـوم  ولللأحـلام

استيقظت ريهـام، كـان زوجها محمود قـد تناول إفطاره وفي انتظـارها، ارتـدت مـلابسها مسـرعة وذهـبت معـه، قـاد سـيارته وبعـد قـليل توقـف فـي مكـان واسـع جـميل، دخـلا معـا مـتجـر كـبير من عـدة طـوابق، كـان زواره، بعضهـم رجـال يصحـبون سـيدات والبعض الأخـر ينقسـم إلى رجـال بمفـردهم أو سـيدات بمفـردهـن، كـان الرجـال جـميعا يـرتدون بـدل سـوداء تشـبه بعـضها البعـض والنسـاء  يـرتدين الأبيض، نظـرت ريهـام حـولها متعـجـبة وسـألت زوجـها ماهـذا المكان العجـيب ؟ ولمـاذا ينـظـر كـل رجـل للسـيدات الأخـريات فقـط دون الرجـال أو المـرأة التي بجـانبه ؟

_ أجـابها محـمود وهـو مشـغـول بالنظـر عـلى النسـاء اللاتي أمـامه: الرجـل يـرى إمـرأته طوال الوقت يتحـاوران ويتشـاجـران معا كـل يـوم  أما الأخـريات فوجـوههن جـديـدة ولابـد من وجـود اختلاف بينهـن وبيـن الزوجـة

_ وماهـو الإخـتلاف؟ إذا كنت أرتدي مـلابس مـثلهـن وأمتلك نفس الحواس الخـمس أنا لا أجـد خـلاف غـير أن بعضهن نحيفات والبعض الآخـر بـدينات قـليلا، وفقـط قليلات منهن يرتدين الخـلاعـة، أما أنا فتركـتها فـي المنـزل إذا كنـت تحـب أن أرتديها في هـذا أمـر سـهـل ولكني أكتفي برداء الحـياء فهـو يـروق لي كثيـرا

_ ولكنهن مُبهـرات ! انظـري هـذه وانظري تـلك إنهن فاتنات حـقا

_ أنظـر أنت إلى هـذا الرجـل، إنه مبهور بي أيضا يلاحقني بنظراته مـنذ دخلنا المكان، هل تعتقد أنه مفتون بي ويـراني مبهرة أيضا ؟

_ لا .. لا أظـن ذلـك

_ عجـيب أمركم هـذا المتجر يـوجـد بـه أشـياء كثـيرة مبهرة بالفعـل ولكنكم لا تـرون منه إلا ما يخدع الأبصار، انظـر هـناك هـذا الرجـل تـرك زوجـته وذهـب وراء أخـرى تقـف وحـيدة، وأخـرى يقـترب منها اثنان يتشاجران عـليها، يا لهـا مـن مأسـاة، هـيا بنا فقـد سئمت المكـان

خرجت ريهـام و خـرج خـلفها محـمود متذمرا يجـري خلفها ولا يستطيع أن يصل إليها

فـتـحـت ريهام عينيها في الصباح، لم تجد زوجها بجـانبها، نهـضـت من الفـراش وتناولت إفطارها وظلت طوال يومها تفكـر فـي ذاك الحـلم الغـريب وما ذهـب إليـه عـقـلها فـقـررت في نفسـها شـيء

فـي الليل عـاد محـمود من عمله وجـد المائدة مجهزة بالطعـام، ولم يجد زوجـته في المـنزل، تناول عشاءه وبعدها دخـل حجـرة النوم وجـد بجـوار الفـراش رسـالة قصـيرة من ريهـام 

عـزيزي محـمود

لقـد فكـرت في الأمـر كـثيراً، انتظـر منـك قسيمة الطـلاق قـريبا، فإما الإنفصال، أو.. نـذهـب سـويا إلى المتجر  .

المعذبة ريهـام