نقطة فوق حرف ساخن

قمة جدة.. خارطة طريق لمستقبل العرب

عمرو الخياط
عمرو الخياط

عندما دعت مصر فى عام 1946 لعقد أول قمة عربية فى أنشاص وشاركت فيه سبع دول عربية فى ذلك الوقت لم تكن مصر تبتغى غير صالح الأمة العربية وتوحيدها ليصبح العرب قوة إقليمية جغرافية قادرة على التعايش وسط عالم لا يعرف غير التكتلات والمصالح المشتركة.

فى جدة عُقدت أمس القمة الـ 32 للرؤساء والملوك العرب.. وسط تحديات كبيرة وأزمات ألقت بظلالها على المنطقة العربية على رأسها أزمتا السودان وسوريا بالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على الدول التى تأثرت دون أن يكون لهذه الدول ناقة أو جمل فى الأحداث المسببة للأزمة، وتأتى هذه القمة العربية وسط عهد عربى جديد لديه قناعة بأن التوافق هو الأساس وأن التنازع لن يؤدى إلى وحدة الصف فى مقابل تحديات ومتغيرات عالمية غير مسبوقة فى التاريخ..

وهو ما أدى إلى أن يتغير الفكر إلى أن الخصومات والنزاعات قد آن لها الأوان أن تنتهى بعد أن استنزفت تلك الخصومات والنزاعات الكثير وأنهكت مقدرات الدول العربية..

وبات واضحاً للجميع أن التكامل أصبح فرضاً والتعاون صار ركناً من أركان القوة وسط عالم تتغير تكتلاته ومصالحه.

الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يرتكز على قاعدة الدولة المصرية الصلبة.. أتى إلى جدة متحدثاً بصوت دولة بحجم مصر العظيمة وثقل تاريخ طويل من التضحيات لأجل المصالح العربية من جانب مصر.. وهو الزعيم الذى طالما اكد فى أحاديثه وأفعاله طوال السنوات الماضية على ضرورة الوحدة ولم الشمل وإعلاء دعم الدولة الوطنية باعتبارها من مكتسبات الشعوب.. تسبقه تحذيراته من خطورة تجريف مؤسسات الدول ونتائج ذلك التى ستؤدى إلى ضياع هوية الدولة ومستقبل شعوبها .

زياراته ولقاءاته مع زعماء العالم يحمل دائما الرئيس عبدالفتاح السيسى هموم وطنه.. وأيضا يظل حاملًا وأميناً على الأمن القومى العربى ومسئولاً عن مصيره وقضاياه..

خطوات الرئيس فى فى هذا المجال عطاءات مستمرة منذ أن تولى المسئولية بذل فيها مجهودات مضنية فى سكك السياسة والدبلوماسية وفنون التفاوض اعتمادًا على نهجها الواضح والمعلن مدعومًا باستراتيجيته الإنسانية أن السبيل الوحيد لإنهاء أزمات المنطقة العربية ومحيطها الإقليمى هو الحفاظ على سيادة دولها.

الرئيس السيسى دائمًا ما يذكر إن نفعت الذكرى.. ويوضح لمن التبس عليه الأمر وغاب عنه التاريخ..

فمحا من ذاكرته المصلحة الوطنية وغلب عليه المصالح الشخصية.. يذكر دائمًا بأن إنهيار الدولة الوطنية يؤدى إلى تدمير شعوبها..

والحلول السلمية المستدامة هى البديل للحفاظ على الدولة التى تعانى صراعات أدت إلى أن ضاقت الحياة على أهلها ففروا منها وأصبحوا لاجئين فى بلاد العالم يبحثون عن الأمان وهو ما حذر منه الرئيس السيسى كثيراً ونوه عنه فى أكثر من موقف معبراً فى كلماته ومواقفه الواضحة عن عمق الإخلاص المصرى لقضايا الأمن القومى العربى واستعداد مصر لدفع تكلفة هذا الإخلاص والتفانى لأجل قضايا محيطنا العربى.

السيسى فى كل محفل سواء كان عربيًا أو دوليًا يظل حاملًا لملفاته التى يعلوها ملف الدبلوماسية الإنسانية التى انتهجتها مصر منذ لحظة استعادة الدولة فى 30 يونيو وهو النهج الذى أظهر ثقل مصر فالتف العالم وسمع صوت مصر فى كافة 

الرئيس القضايا وهذا الالتفاف حول مصر هو فى حقيقته التفاف حول منطق الحق المبين الذى تتعامل به القيادة السياسية المصرية وتدفع ثمنًا لشرف هذا التعامل فى عالم لا يعرف هذا الشرف ولا يتعامل إلا بالمهاترات والمماطلات والمصالح.. فملفات الرئيس التى تحتوى على مصالح شعبه تتضمن أيضًا على قدم وساق المساواة مع حقوق ومصالح الشعوب الأخرى فكانت المواقف المصرية الواضحة تجاه شعوب ليبيا وسوريا وفلسطين وأخيرًا السودان..

لم تتغير الرسالة أو الهدف المصرى ولكنها ظلت رسالة واحدة مستمرة.. دبلوماسية إنسانية لا تعلو فيها المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وتعلو فيها فى حماية الشعوب من العيش فى صراعات مسلحة جنوا فيها الخراب وفقدوا فيها الأمان وأصبح صوت الرصاص هو الأعلى على صوت العقل والحكمة.
كعادته كان حديث الرئيس السيسى أمام قمة جدة واضحاً.. صريحاً.. بلا مواربة.. حمل رسائل عديدة هى:

الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية فى سوريا واليمن والسودان.

الارتقاء بالعمل المشترك العربى فى مواجهة التحديات التى تواجه العالم العربى بشكل خاص والعالمى بشكل عام.

العمل العربى المشترك لحل جذرى للصراع الدائر على الأراضى الفلسطينية.

الحفاظ على الأمن القومى العربى.

مصر تقف مع كل الجهود المبذولة لصالح التكامل العربى فى شتى المجالات.

السيسى وضع خارطة طريق للأمة العربية من أجل أن تواجه تحدياتها التى باتت صعبة فى ظل أزمات دولية وأخرى عالمية.. وتهديد الأمن القومى العربى فى ظرف استثنائى لزاماً مجابهته بالعمل العربى المشترك فى كافة المجالات.

فى زمن الاستقطاب الدولى.. ليس أمام العرب إلا التمسك بالعمل العربى المشترك.. ووضع حد للمواجهات والنزاعات العسكرية التى هددت الكثير من الدول العربية وأن حل هذه النزاعات بالحوار السلمى وتغليب المصالح الشعبية على 

الرئيس المصالح الخاصة.. وينتظر الشارع العربى من قمة جدة أن تكون بداية لحل كافة المشاكل العربية وخاصة عودة ملايين اللاجئين من العرب إلى أوطانهم بعد أن ضاقت سبل العيش فى أوطانهم نتيجة النزاعات المسلحة وفقدان الأمن والأمان وأن يكون للقادة العرب إسهاماتهم فى علاج كافة الأوجاع العربية خاصة بعد أن عانت الدول العربية من التدخلات الإقليمية فى شئونها الداخلية وهو ما نتج عنه معاناة وانهيار لكثير من تلك الدول.

آن الأوان أن يكون العرب فاعلين فى ظل عصر الاستقطابات وأن تكون لهم الكلمة العليا فى اختياراتهم وأن يكون نصب عين حكامهم شعوبهم الذين يأملون فى العيش آمنين على حياتهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.. لقد آن الأوان أن يحصل العرب على القدر الذى يستحقونه من التنمية والنمو الذى طالما سعوا إليه ولكنه لم يتحقق بفعل فاعل سعى لأن يكونوا تابعين

لقد وليسوا أصحاب قرار.

فلتكن هذه القمة بداية عربية جديدة تنطلق فيها الدول العربية إلى حياة مختلفة لشعوب المنطقة أساسها السلام والتنمية والتكامل فلن تظل الدول العربية رهينة الفوضى والتدخلات الخارجية التى أدت لدمار دول وضياع شعوب.. فالحل فى أيدينا بالتكامل وليس بالتنافر، بالعمل المشترك وتعظيم قدراتنا الذاتية وحل مشاكلنا بحلول حاسمة بداية نحو الأفضل لعالمنا العربى الذى يحلم منذ زمن بتحقيق ذلك.