عـــودة الـوعـــى

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬عرضت‭ ‬منصة‭ ‬نتفيلكس‭ ‬فيلمها‭ ‬الوثائقى‭ "‬الملكة‭ ‬كليوباترا‭" ‬وفى‭ ‬البداية‭ ‬العمل‭ ‬المعروض‭ ‬لاينتمى‭ ‬لمنهجية‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬المباشرة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬ينتمى‭ ‬لفئة‭ "‬الديكودراما‭" ‬او‭ ‬الوثائقيات‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالمشاهد‭ ‬التمثيلية‭ ‬وهذه‭ ‬النوعية‭ ‬تتيح‭ ‬لخيال‭ ‬صانعيه‭ ‬مساحة‭ ‬ليست‭ ‬قليلة‭ ‬بإضافة‭ ‬أوحذف‭ ‬أحداث‭ ‬تخص‭ ‬الفترة‭ ‬أوالشخصيات‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬يتناولها‭ ‬العمل‭. ‬

بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬النقاد‭ ‬المتخصصين‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬تقديم‭ ‬تقييمًا‭ ‬فنيًا‭ ‬محكمًا‭ ‬للعمل‭ ‬سواء‭ ‬بالسلب‭ ‬أو‭ ‬الإيجاب‭ ‬وأيضا‭ ‬هناك‭ ‬ملايين‭ ‬المشاهدين‭ ‬الذى‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬تقييم‭ ‬العمل‭ ‬المعروض‭ ‬وأنا‭ ‬كمشاهد‭ ‬محب‭ ‬للأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬ومتابع‭ ‬لها‭ ‬أقول‭ ‬بوضوح‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬عمل‭ ‬رديء‭ ‬الصناعة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفنية‭ ‬ومتحيز‭ ‬فى‭ ‬محتواه‭ ‬لرؤى‭ ‬زائفة‭ ‬ويصل‭ ‬هذا‭ ‬التحيز‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬البلادة‭ ‬الفكرية‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية‭ ‬فأساتذة‭ ‬التاريخ‭ ‬وعلماء‭ ‬الآثار‭ ‬يستطيعون‭ ‬بسهولة‭ ‬كشف‭ ‬كل‭ ‬ماهو‭ ‬زائف‭ ‬داخل‭ ‬العمل‭ ‬المسمى‭ ‬الملكة‭ ‬كليوباترا‭ ‬وتقديم‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬فرضية‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬ذهن‭ ‬المشاهد‭ ‬العادى‭ ‬من‭ ‬أمثالى‭ ‬وهى‭ ‬لو‭ ‬قررت‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تنتج‭ ‬وثائقى‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬ملكة‭ ‬بريطانيا‭ ‬وهى‭ ‬عاشت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬أو‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الأولى‭ ‬التى‭ ‬عاشت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬هل‭ ‬يحق‭ ‬للجهة‭ ‬المنتجة‭ ‬الاستعانة‭ ‬بممثلة‭ ‬سمراء‭ ‬البشرة‭ ‬بحجة‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬قابلة‭ ‬للتأويل؟‭ ‬

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬فالاستخفاف‭ ‬بالحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ " ‬البروفسيرة‭ "   ‬شيلى‭ ‬هايلى‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬هاملتون‭ ‬والمفترض‭ ‬أن‭ " ‬البروفسيرة‭" ‬متخصصة‭ ‬فى‭ ‬الدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬لكنها‭ ‬تفاجئنا‭ ‬بأمرغريب‭ ‬أن‭ ‬جدتها‭ ‬كانت‭ ‬الملهمة‭ ‬لها‭ ‬وسألتها‭ ‬الجدة‭ ‬ماذا‭ ‬تدرسين؟‭ ‬فأخبرت‭ ‬جدتها‭ ‬أنها‭ ‬تتعلم‭ ‬عن‭ ‬الإغريق‭ ‬والرومان‭ ‬واليوم‭ ‬نتعلم‭ ‬عن‭ ‬كليوباترا‭ ‬تقول‭ ‬شيلى‭ ‬هايلى‭ "‬أتذكر‭ ‬ماقالته‭ ‬لى‭ ‬بوضوح‭ .‬‭.‬شيلى‭ ‬لايهمنى‭ ‬مايقولونه‭ ‬لكى‭ ‬فى‭ ‬المدرسة‭ ‬كليوباترا‭ ‬كانت‭ ‬سوداء‭ " ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬تتغير‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬تصورات‭ ‬جدة‭ "‬البروفسيرة‭ " ‬هايلى‭ ‬وتسير‭ ‬منصة‭ ‬نتفيلكس‭ ‬وصناع‭ ‬الوثائقى‭ ‬وراء‭ ‬مقولات‭ ‬الجدة‭ ‬الطيبة‭ !.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬بهذه‭ ‬البساطة‭ ‬أو‭ ‬التصور‭ ‬الساخر‭ ‬فشيلى‭ ‬هايلى‭ ‬تنتمى‭ ‬لـ‭ ‬Hamilton College‭ ‬فى‭ ‬نيويورك‭ ‬وهى‭ ‬جامعة‭ ‬تساند‭ ‬كما‭ ‬يدعون‭ ‬الأفكار‭ "‬التحررية‭ " ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مراجعة‭ ‬المعتقدات‭ ‬وفهم‭ ‬الهويات‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬المنمقة‭ ‬فجامعة‭ ‬هامليتون‭ ‬ومثيلاتها‭ ‬المنتمية‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭ ‬المعولم‭ ‬ونشطاء‭ ‬تيار‭ ‬الـ‭ ‬woke‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يشنون‭ ‬أكبر‭ ‬حرب‭ ‬ثقافية‭ ‬على‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سلب‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬من‭ ‬شعبها‭ ‬ثم‭ ‬تجزيئها‭ ‬وتوزيعها‭ ‬على‭ ‬عديمى‭ ‬الهوية‭ ‬والحضارة‭ .‬

لنفهم‭ ‬أبعاد‭ ‬هذه‭ ‬التركيبة‭ ‬التى‭ ‬تحالفت‭ ‬لشن‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬يكفى‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الملياردير‭ ‬جورج‭ ‬سورس‭ ‬ومنظمته‭ "‬مجتمع‭ ‬مفتوح‭" ‬تطل‭ ‬بوجهها‭ ‬الكئيب‭ ‬على‭ ‬جامعة‭ ‬مثل‭ ‬هامليتون‭ ‬بالتمويلات‭ ‬المليونية‭ ‬وليس‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬وعصابات‭ ‬سلب‭ ‬ونهب‭ ‬الحضارات‭ ‬تتلقى‭ ‬التمويلات‭ ‬لنفس‭ ‬الغرض‭ ‬وللأسف‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يظنهم‭ ‬البعض‭ ‬أصدقاء‭ ‬ولكنهم‭ ‬يتعاونون‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬ضد‭ ‬حضارتنا‭ ‬العريقة‭. ‬

تبدو‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬حضاراتنا‭ ‬وهى‭ ‬بالفعل‭ ‬خطيرة‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬الشرير‭ ‬من‭ ‬عصابات‭ ‬نهب‭ ‬وسلب‭ ‬الحضارات‭ ‬قدم‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬خدمة‭ ‬جليلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الوثائقى‭ ‬رديء‭ ‬الصناعة‭ ‬زائف‭ ‬المحتوى،‭ ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬إشارة‭ ‬التنبيه‭ ‬لكل‭ ‬مصرى‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬ما‭ ‬يخططون‭ ‬له‭ ‬وأن‭ ‬الحضارة‭ ‬والهوية‭ ‬المصرية‭ ‬أمر‭ ‬غالى‭ ‬ونفيس‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬بثمن‭ ‬يطمع‭ ‬الهكسوس‭ ‬الجدد‭ ‬فى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليه‭.‬

كانت‭ ‬التحذيرات‭ ‬تتوالى‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬إعصارًا‭ ‬من‭ ‬الزيف‭ ‬تحضر‭ ‬له‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬تلوح‭ ‬عواصفه‭ ‬فى‭ ‬الأفق‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬استجابة‭ ‬أو‭ ‬انتباه‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬فى‭ ‬جيناتهم‭ ‬أكثر‭ ‬الهويات‭ ‬أصالة‭ ‬لأعظم‭ ‬الحضارات‭ ‬التى‭ ‬أنتجها‭ ‬العقل‭ ‬البشرى،‭ ‬عدم‭ ‬الاستجابة‭ ‬والانتباه‭ ‬راجعة‭ ‬لعدم‭ ‬إدراك‭ ‬عظمة‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬ذاته‭ . . ‬وسبب‭ ‬عدم‭ ‬الإدراك‭ ‬بعظمة‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬،الهجمة‭ ‬الشرسة‭ ‬التى‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬المجتمع‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زرع‭ ‬هوية‭ ‬بديلة‭ ‬داخله‭ ‬فقد‭ ‬تعرضت‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬لأقسى‭ ‬وأشرس‭ ‬هجمة‭ ‬تستهدف‭ ‬هويتها‭ ‬الأصيلة‭ ‬واستبدالها‭ ‬بهويات‭ ‬بديلة‭ ‬منتحلة‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬المتجذر‭ ‬تاريخيًا‭ ‬منذ‭ ‬مايزيد‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬عام‭. ‬

شن‭ ‬هذه‭ ‬الهجمة‭ ‬أعداء‭ ‬الخارج‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬عملاء‭ ‬الداخل‭ ‬لتسيطر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬غيوم‭ ‬سوداء‭ ‬من‭ ‬الخرافة‭ ‬والجهل‭ ‬والتشدد‭ ‬بقيادة‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬وأذنابهم‭ ‬من‭ ‬المتسلفة‭ ‬وبتوجيه‭ ‬دقيق‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬الفاشيست‭ ‬والمتسلفة‭ ‬والسياسيين‭ ‬الذين‭ ‬لهثوا‭ ‬وراء‭ ‬المكاسب‭ ‬الزائلة‭ ‬على‭  ‬حساب‭ ‬هوية‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬فساروا‭ ‬فى‭ ‬الركب‭ ‬المتآمر‭ ‬غير‭ ‬عابئين‭ ‬بكارثية‭ ‬مايفعلونه،‭ ‬عندما‭ ‬اكتشف‭ ‬السياسيون‭ ‬وقتها‭ ‬حقيقة‭ ‬الجريمة‭ ‬والمؤامرة‭ ‬التى‭ ‬تنفذ‭ ‬تجاه‭ ‬أمتنا‭ ‬وهويتها‭ ‬كان‭ ‬الوقت‭ ‬فات‭ ‬وانطلقت‭ ‬الرصاصات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مهدت‭ ‬لها‭ ‬الأفكار‭ ‬الإرهابية‭ ‬السوداء‭ ‬الطريق‭.‬

لم‭ ‬يكتف‭ ‬الفاشيست‭ ‬وأذنابهم‭ ‬ومن‭ ‬يحركونهم‭ ‬بمحاولة‭ ‬صنع‭ ‬هوية‭ ‬بديلة‭ ‬بل‭ ‬خلقوا‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬وهويته‭ ‬الأصيلة‭ ‬وحضارته‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬التغييب‭ ‬وصل‭ ‬بالبعض‭ ‬إلى‭ ‬تكفير‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬العظيمة‭ ‬واعتبارها‭ ‬رجس‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬الشيطان‭.‬

هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬التى‭ ‬عندما‭ ‬تتأمل‭ ‬الإهرامات‭ ‬برسوخها‭ ‬الشامخ‭ ‬تدرك‭ ‬من‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬أنك‭ ‬أمام‭ ‬منجز‭ ‬علمى‭ ‬أسهمت‭ ‬فيه‭ ‬علوم‭ ‬الهندسة‭ ‬والفلك‭ ‬والإدارة‭ ‬وامتلك‭ ‬وأدار‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬هذه‭ ‬العلوم‭ ‬بكفاءة‭ ‬استطاعت‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬العلمى‭ ‬لنا‭ ‬وللبشرية‭ ‬ومازال‭ ‬شاهدًا‭ ‬بوجوده‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬العلمى‭ ‬الفريد‭ ‬والفذ‭ ‬الذى‭ ‬امتلكته‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭. ‬

تكشف‭ ‬البرديات‭ ‬والنقوش‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬المعابد‭ ‬المصرية‭ ‬طبيعة‭ ‬العقل‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬فهو‭ ‬عقل‭ ‬علمى‭ ‬نقدى‭ ‬بامتياز‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬هذا‭ ‬العقل‭ ‬بإنجازاته‭ ‬فى‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬بل‭ ‬انطلق‭ ‬ليغطى‭ ‬أيضا‭ ‬مجالات‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬تشريعات‭ ‬قانونية‭ ‬وفنون‭ ‬وآداب‭ ‬وفلسفة‭ ‬وقدم‭ ‬أيضا‭ ‬النظريات‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ .. ‬الدولة‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الفذة‭ ‬التى‭ ‬قدمها‭ ‬العقل‭ ‬المصرى‭ ‬للمجتمع‭ ‬البشرى‭ ‬لكى‭ ‬يدير‭ ‬وينظم‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭  ‬والتى‭ ‬لولاها‭  ‬لظل‭ ‬المجتمع‭ ‬البشرى‭ ‬يعانى‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭.‬

عندما‭ ‬تذهب‭ ‬الى‭ ‬صعيد‭ ‬مصر‭ ‬وتحديدًا‭ ‬مدينة‭ ‬أخميم‭ ‬بمحافظة‭ ‬سوهاج‭ ‬ستجد‭ ‬تجسيدًا‭ ‬لرؤية‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬تجاه‭ ‬المرأة‭ ‬فمن‭ ‬أبدع‭ ‬ما‭ ‬نحته‭ ‬الفنان‭ ‬المصرى‭ ‬القديم‭ ‬تمثال‭ ‬الأميرة‭ ‬ميريت‭ ‬آمون‭ ‬أى‭ ‬حبيبة‭ ‬آمون‭ ‬ابنة‭ ‬الملك‭ ‬رمسيس‭ ‬الثانى‭ ‬والملكة‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬

تشاهد‭ ‬تفاصيل‭ ‬التمثال‭ ‬الرقيق‭ ‬فتحل‭ ‬أمامك‭ ‬شفرة‭ ‬رؤية‭ ‬العقل‭ ‬المصرى‭ ‬تجاه‭ ‬المرأة‭ ‬فجسد‭ ‬الأميرة‭ ‬الرشيق‭ ‬صوره‭ ‬الفنان‭ ‬المصرى‭ ‬بدقة‭ ‬وانضباط‭ ‬لم‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬جسد‭ ‬الأميرة‭ ‬ميريت‭ ‬أنه‭ ‬عورة‭ ‬يجب‭ ‬إخفاؤها‭ ‬بل‭ ‬اعتبر‭ ‬هذه‭ ‬المحبوبة‭ ‬رمزًا‭ ‬للجمال‭ ‬والرقى‭ ‬الإنسانى‭.‬

للأسف‭ ‬هذا‭ ‬المنجز‭ ‬الإنسانى‭ ‬الفذ‭ ‬أنكره‭ ‬المصرى‭ ‬الحديث‭ ‬طوال‭ ‬خمس‭ ‬عقود‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬السبعينيات‭ ‬وأسهم‭ ‬العداء‭ ‬والهوية‭ ‬البديلة‭ ‬المصطنعة‭ ‬فى‭ ‬إضعاف‭ ‬مناعة‭ ‬العقل‭ ‬المصرى‭ ‬عند‭ ‬مواجهة‭ ‬أى‭ ‬هجمات‭ ‬أخرى‭ ‬تستهدف‭ ‬حضارة‭ ‬أمتنا‭ ‬العظيمة،‭ ‬لكن‭ ‬وسط‭ ‬غيوم‭ ‬الضعف‭ ‬ودوامات‭ ‬اليأس‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إشارات‭ ‬الأمل‭ ‬التى‭ ‬انطلقت‭ ‬مع‭ ‬أنشودة‭ ‬أيزيس‭ ‬فى‭ ‬موكب‭ ‬نقل‭ ‬المومياوات‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬الحضارة‭ ‬فى‭ ‬الفسطاط‭ .‬

صمت‭ ‬المصريون‭ ‬طويلا‭ ‬وهم‭ ‬يستمعون‭ ‬لصوت‭ ‬أجدادهم‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬ليذكرهم‭ ‬بعظمة‭ ‬ما‭ ‬يحملونه‭ ‬فى‭ ‬جيناتهم‭ ‬ووجدانهم‭ ‬من‭ ‬عظمة‭ ‬حضارتهم‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬سؤال‭ ‬بعد‭ ‬انطلاق‭ ‬أنشودة‭ ‬الأمل‭ ‬هل‭ ‬آن‭ ‬الآوان‭ ‬لتتحررعقول‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الهويات‭ ‬البديلة‭ ‬المنتحلة‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬هويته‭ ‬الأصيلة‭ ‬؟‭.‬

ظلت‭ ‬الإجابة‭ ‬معلقة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاءت‭ ‬الهجمة‭ ‬الشرسة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ورأس‭ ‬حربتها‭ ‬هذا‭ ‬الوثائقى‭ ‬الملفق،‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬يتوقع‭ ‬أكثر‭ ‬المتفائلين‭ ‬قوة‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭  ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حضارتهم‭ ‬التى‭ ‬تتعرض‭ ‬للسلب‭ ‬والنهب‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬وقرروا‭ ‬خوض‭ ‬معركة‭ ‬شرسة‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬على‭ ‬ساحات‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬فهى‭ ‬الوسيلة‭ ‬المتاحة‭ ‬أمامهم‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الافك‭ ‬والزيف‭.‬

الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬قاد‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬شباب‭ ‬أدركوا‭ ‬بوعى‭ ‬كامل‭ ‬حقيقة‭ ‬مايدبر‭ ‬تجاه‭ ‬هويتهم‭ ‬ولم‭ ‬يكتفوا‭ ‬بالنقد‭ ‬أو‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخهم‭ ‬العظيم‭ ‬والرد‭ ‬على‭ ‬الأكاذيب‭ ‬بالحقائق‭ ‬أو‭ ‬قيادة‭ ‬حملات‭ ‬المقاطعة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بمنع‭ ‬عرض‭ ‬هذا‭ ‬الزيف‭ ‬لكنهم‭ ‬استعادوا‭ ‬منحوتات‭ ‬وتماثيل‭ ‬أجدادهم‭ ‬العظام‭ ‬ووضعوا‭ ‬صورهم‭ ‬بجانبها‭ ‬ليثبتوا‭ ‬للجميع‭ ‬دقة‭ ‬الشبه‭ ‬بين‭ ‬الأحفاد‭ ‬المعاصرين‭ ‬والأجداد‭ ‬صانعى‭ ‬أعظم‭ ‬حضارات‭ ‬البشرية‭.‬

فى‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭ ‬كانت‭ ‬ساحات‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬فى‭ ‬يد‭ ‬شبات‭ ‬وشباب‭ ‬مصر‭ ‬ويحققون‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬المتابعة‭ ‬والتفاعل‭ ‬بأرقام‭ ‬مليونية‭ ‬وسط‭ ‬دهشة‭ ‬العالم‭ ‬وذعر‭ ‬عصابات‭ ‬سلب‭ ‬ونهب‭ ‬الحضارات‭ ‬،‭ ‬ظنت‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬أن‭ ‬التمهيد‭ ‬الذى‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الفاشيست‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬المصرى‭ ‬وحضارته‭ ‬سيسهل‭ ‬عليهم‭ ‬الأمرلكن‭ ‬دائما‭ ‬ماتدهشك‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬العريقة‭ ‬ففى‭ ‬اللحظات‭ ‬الفارقة‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬يتحرك‭ ‬عقلها‭ ‬الجمعى‭ ‬ويصدر‭ ‬قرارًا‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭ ‬بتحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬العدو‭.‬

ماقام‭ ‬به‭ ‬المصريون‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حضارتهم‭ ‬وهويتهم‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يمر‭ ‬سريعًا‭ ‬أو‭ ‬ننتظر‭ ‬هجمة‭ ‬أخرى‭ ‬لنرى‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬مؤسسى‭ ‬دائم‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬برعاية‭ ‬الدولة‭ ‬

فى‭ ‬الشهر‭ ‬القادم‭ ‬ستحل‭ ‬ذكرى‭ ‬ثورة‭ ‬ال‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نحتفل‭ ‬بصورة‭ ‬مختلفة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬التذكير‭ ‬بالانتصار‭ ‬على‭ ‬الفاشية‭ ‬والعصابات‭ ‬الأخوانية‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬الاحتفال‭ ‬بحضارتنا‭ ‬العظيمة‭ ‬وهويتنا‭ ‬الأصيلة‭ ‬التى‭ ‬صنعت‭ ‬يونيو،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتردد‭ ‬أناشيد‭ ‬ايزيس‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ربوع‭ ‬مصر،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬كل‭ ‬كنوزحضارتنا‭ ‬العظيمة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬وثائقيات‭ ‬ومطبوعات‭ ‬ومعارض‭ ‬واحتفالات‭ ‬وفنون‭ ‬العمارة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬تاريخنا‭ ‬العظيم‭ ‬حيًا‭ ‬يسمع‭ ‬ويرى‭ ‬ويقرأ‭ ‬فى‭ ‬مدارسنا‭ ‬وجامعاتنا،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاحتفال‭ ‬بيونيو‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬إعلان‭ ‬الانتصار‭ ‬الكامل‭ ‬على‭ ‬الظلامية‭ ‬والإرهاب‭ ‬الأسود‭ ‬ونهاية‭ ‬حالة‭ ‬العداء‭ ‬و‭ ‬الهويات‭ ‬البديلة،‭ ‬الاحتفال‭ ‬باستعادة‭ ‬الوعى‭ ‬بهويتنا‭ ‬الأصيلة‭ ‬التى‭ ‬تستمد‭ ‬وجودها‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬عظيمة‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬عصابات‭ ‬نهب‭ ‬الحضارات‭ ‬سلبها‭ ‬منا‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬تحيى‭ ‬فينا‭.‬