يوميات الأخبار

صالح الصالحي يكتب: حوار وطن مستقر

صالح الصالحي
صالح الصالحي

استيقظ العالم على حرب عالمية ثالثة طويلة المدى تحمل أجندات خبيثة لقوى وتحالفات مزقت شعوبا ودولا، وسيطر عدم اليقين على المشهد.
 

لم يعد المشهد الدولى ينفصل عن المشهد المحلى، فالعالم قرية صغيرة وسوق صغيرة، حتى الأحوال المناخية تجعل منه عالما صغيرا، فكل الأحداث باتت تؤثر على أحوال البلاد والعباد ولا ترتبط بجغرافيا المكان أكان جاراً لك أو بعيداً عنك فى قارة أخرى، بل حتى الفيروسات والأمراض ساهمت وسائل المواصلات وسهولة التواصل بين البلدان فى سرعة تفشى العدوى، فلم يعد يقف حاجز بين انتقال التأثيرات والتداعيات السلبية من دولة إلى أخرى سواء كانت كارثة طبيعية أو حتى بشرية، يكفيك مثلا أن يحدث ثورة أو مشكلات فى دولة حتى ينزح الآلاف من مواطنيها لدول جارة لها، ناهيك عن مشكلات التسلل والتهريب للسلع وتجارة البشر والسلاح وغيرها عبر الحدود، فلم يعد أحد بمنأى عن التأثر بمشكلات غيره خاصة أنه لا توجد دولة فى العالم مهما بلغت من الاكتفاء الذاتى من السلع والخدمات تستطيع أن تغلق حدودها أو حتى تمنع نفسها من التبادل التجارى فتتأثر الخامات منها أو إليها والصناعة وحركة التجارة فى التصدير والاستيراد والطاقة حتى أسواق السلاح تجدها تتأثر بالنزاعات والحروب.. فنحن أمام مشاهد متوترة يعانى العالم كله منها ولا أحد ينجو حتى تلك الدول التى تؤجج هذه الصراعات لتحقيق مكاسب ومصالح من ورائها محاولة إحكام السيطرة على دولة أو منطقة بعينها.. هذا الأمر نظريا من الممكن أن يخطط له، لكن الواقع يؤكد تصارع دول وقوى وظهور قوى وتكتلات جديدة. صحيح التوجهات السياسية واحدة ولا يتغير من وراءها، لكنك تجد الأمور تسير لمزيد من التوتر ومزيد من الأزمات التى أكاد أجزم أنه لا توجد دولة لا تستشعر الخطر، أو بمعنى آخر تحوم حولها مخاطر وتهددها أخطار وتحديات.

على الرغم أن الصراعات موجودة منذ الأزل والتى دفعت إلى حربين عالميتين لكن العالم فى أعقابهما تنفس الصعداء بالمكاسب التى حصدتها موازين القوى ومعها سمحت للدول الصغيرة بالعيش تحت شعارات السلام، لكن الآن الحروب والأزمات لا أحد يعرف مداها، أو متى ستتوقف أو لأى ستكون الغلبة والحسم.. فالواقع يؤكد أنه لا حسم لما نراه فى المستقبل المنظور، ويبدو أن عدم الحسم هو الهدف الذى تسعى معه الدول الكبرى والفاعلة لإحكام قبضتها على مناطق النفوذ والمصالح لها.

فالبعض يؤكد أن الحرب الروسية الأوكرانية تعتبر الحرب العالمية الثالثة، لكن فى تقديرى أنها حلقة من حلقات الحروب والأزمات التى تبثها الدول الكبرى منذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى تسعينيات القرن الماضى ومعه أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن وأصبح الشرق الأوسط غنيمة لها.. فبدأت سلسلة من الحروب فى أفغانستان والخليج، ناهيك عن تأجيج الصراعات داخل الدول تحت مزاعم ثورات الربيع العربى التى حققت بجدارة كل ما كانت تحلم به القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة من تمزيق وتدهور لأحوال شعوب المنطقة، والتى لم تستفد منها سوى بعض الدول النفطية المتماسكة حتى الآن.. حتى تلك النفطية التى ضربها عدم الاستقرار تجدها من أفقر الدول سياسيا واقتصاديا وأمنيا أمثال العراق وليبيا .
وفجرت الحرب الروسية الأوكرانية تحالفات معلنة وخفية تحملها أجندات خبيثة ضربت الشعوب الفقيرة وجعلتها أكثر هشاشة وفقرا وتمزقا.
إلى متى؟

◄ لا يكف الجميع عن ترديد: متى ستنتهى هذه الأوضاع؟!
متى سيعم العالم السلام؟ متى ستعطف الدول الكبرى وتخلص النوايا فى حسم النزاعات التى تؤججها فى دول باتت على حافة الهاوية وأخرى سقطت فى الهاوية تحت مزاعم شعارات صدرتها لها بدعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم أنها أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان، لكنها الشعارات البراقة التى هدمت دولا عربية من الداخل فخرجت شعوبها تطالب بها فسقطت فى براثن الفوضى اللا متناهية بسيناريوهات مظلمة.. والمشاهد كلها تؤدى إلى أنها لن تعود مرة أخرى، كما غلبت الحرب الأهلية على أخرى. فأصبحت التناحرات والاقتتال هى المشاهد السائدة فى كافة دول المنطقة.. ويبدو أنه لا جديد أو تغير فى مشهد الأوضاع الذى يسود منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، فمحرك الأوضاع هو مطامع الدول الكبرى الذى لا يتغير وتؤججه الحرب الروسية الأوكرانية، بل على العكس دفعت هذه الحرب لزيادة التنافس مما عقد الحلول التفاوضية لانهاء هذه الحرب، وأصبح غير وارد إنهاؤها فى المستقبل القريب حتى وان خفت حدتها من وقت لآخر، لدرجة أن روسيا الطرف الرئيسى فى النزاع مازالت تفرض سطوتها على دول بعينها مثل سوريا، ولعبت دورا محوريا فى ليبيا فى مشهد وكأن المنطقة قسمت كمناطق نفوذ وأطماع الدول الكبرى وحلفائها أمثال تركيا وإسرائيل ، فتجد الدول التى باتت صغيرة أو هشة تزداد تمزقا من الداخل دون أن تكلف أعداءها طلقة رصاص واحدة، فلا حاجة أصبحت للجيوش لتدمير الدول، ولم يعد أبناؤها يسمعون لنداءات العقل، بل غابت العقول ولا أحد يرى الصالح العالم لشعبه ودولته، وليس الأمر ببعيد فغالب الأحداث فى المنطقة يغيب عنها الضمير الوطنى وتحكمها أجندات وولاءات خارج مصالح أبنائها.. وترى هذه المشاهد وتزداد رعبا وهلعا وتردد على لسانك: ماذا بعد؟ حتما سينال مصر منها تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية؟.. الاجابة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى أن تماسكنا هو الدرع الواقىة لنا من كل التداعيات.. والرهان الذى يطلق دائما هو الشعب المصرى الذى قام بثورتين ولم تتوقف معاول البناء.. رغم أن شرارة الثورة فى المنطقة انطلقت من مصر بعد تونس مباشرة إلا أننا تجاوزنا واستطعنا أن نستعيد قوانا مرة أخرى ونعيد بناء المؤسسات التى هدمت وانتهينا من البناء الدستورى والبرلمانى وقطعنا أشواطا فى الاصلاح الاقتصادى، ويكفينا الاستقرار الأمنى الذى استعادته البلاد فى مدة وجيزة وأعيدت الثقة بين الشعب  ومؤسساته الأمنية وعاد الهدوء لربوع البلاد، والتى راهن العديد على استحالة عودة الأمن والأمان للبلاد، فكل السيناريوهات المفرغة كانت محل حدوث وتوقع. إلا أن الشعب المصرى رفض وأبى وأعاد بلاده كما يحب ويرى. وبنظرة سريعة عما يدور فى المنطقة تجد أن الكل يحاول أن يستلهم التجربة المصرية فى اقامة نظام ديمقراطى بمؤسسات مستقلة وإعادة بناء البلاد فى نفس الوقت وإقامة مشروعات قومية بمواصفات عالمية وأهم من كل هذا هو عودة الحياة الطبيعية للشعب حتى جاء وقت أن ننتقل لمرحلة جديدة من البناء بعد حالة الفوضى التى ضربت البلاد فى اعقاب ثورة ٢٥ يناير.. لكن القيادة السياسية قبلت التحدى وأوفت بوعدها وأعادت الأمن والأمان والاستقرار للبلاد ولا يوجد ملف من ملفات العمل الوطنى والدولاب الحكومى إلا وتولاه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالرعاية والعناية.. رئيس مميز يجلس يوميا مع الحكومة ليتابع ويراقب ويصوب بنفسه كل الملفات الاقتصادية والرعاية الاجتماعية ورعاية الأسرة والطفل وكذا الرعاية الصحية والتعليم.. حتى وصلنا لمرحلة جديدة بعدما استقرت المؤسسات الوطنية وأصبح لزاما تحقيق خطوات جديدة فى مجال الإصلاح السياسى.

◄ حوار مستدام
ولما كانت القيادة السياسية على وعى كامل بكافة المخاطر والمحدقات التى تحوم حول البلاد.. وكانت لها الرؤية الثاقبة.. فبعدما انتهت من إعادة الأمن والأمان لربوع البلاد وقطعت أشواطا كبيرة فى الاصلاح الاقتصادى وانجاز المشروعات القومية التى صارت بحق مثار حسد من القوى المعادية كما قطعت شوطا فى مجال الرعاية الاجتماعية تحت مشروعات ناجحة أمثال حياة كريمة وغيرها، جاء الوقت ليكون هناك حوار وطنى يجمع أبناء الوطن، وعلى فكرة مصر ليس بها فرقاء سياسيون، هناك جماعة ارهابية لفظها الشعب المصرى بوعيه وحدسه فعزلها وخرج فى مسيرات بالملايين فقط لأنها جاءت لتشق الصف.. والآن لدينا حوار وطنى لم يكن صوريا ولم يتم على عجل لتقديم صورة مزيفة للعالم بأننا نقدم نموذجا سياسيا يحمل شعارات لا تمت للواقع بصلة، إنما أخذ من الاعداد ما يقارب العام.. فلم العجلة إذًا؟.. فالأمور لابد أن تأخذ مجراها، يتم خلالها الاستماع لكل وجهات النظر نحو كل القضايا التى قاربت ١١٣ قضية بحسب المستشار محمود فوزى أمين عام الحوار الوطنى الذى أكد عدالة توزيع  الاختصاصات والتكافؤ فى تمثيل القوى السياسية المختلفة، حتى شملت العدالة تمثيل الرجال والنساء والشباب فالهدف هو رؤى متوافقة لصالح الوطن.

حوارنا الوطنى لم يكن إملاء من قوى خارجية وليس لدينا قضايا سياسية تمثل معضلات غير قابلة للتحقق، هى مجرد مطالب يتم أخذها فى الاعتبار تتوافق وتتكيف مع تطورات طبيعية فى المشهد السياسى يفرزها التواصل والتفاعل، القيادة السياسية لم تكن بعيدة عن الحوار واكتفت بمجرد الدعوة إليه انما أولته الاهتمام والرعاية للوصول إلى توصيات يتم التوافق عليها.. لم يكن هناك توجيهات أو خطوط حمراء ممنوعة عن المتحاورين بحسب الدكتور ضياء رشوان المنسق العام للحوار الذى أقسم بأن الحرية هى السائدة على مدار كافة جلسات النقاش ولم يتلق تعليمات تعوق هذه الحريات.

وشهادة حق فقد لمست النشوة والأمل فى الجلسة الافتتاحية حتى أن الكل كان يهنئ بعضه بعضا بهذا العرس وشعرت بحجم الحرص على التوافق وأن يكون غالبا على المشهد خاصة ان الكل لبى الدعوة للحضور. وأتصور أن الحوار الوطنى سيستمر وينمو على مدار سنوات مقبلة ولن يكون حدثاً مبتوراً تسلط عليه الأضواء فترة ويختفى من المشهد.. فما سيتم التوافق عليه سيمر، والجزء الآخر فى تصورى سيخضع للعناية والتطوير خلال جلسات جديدة فى حوارات مستمرة تحكمها الوطنية فى المقام الأول.. وللأمانة فإنه حوار شامل جامع يتضمن قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية.. ليكون حقاً حوارا لكل فئات المجتمع، يؤتى ثماره فى كل مناحى الحياة.