«إلى أين؟».. قصة قصيرة للكاتبة منال عسَّاف

 منال عساف
منال عساف

خطوات ثقيلة أمشيها في شارع طويل بين عيون تراقب، وألسنة من لهب تحرق وتخترق حواجز الخصوصية، تعودتُ على هذا الشعور الذي يزيد من توتر اعصابي، دخلت بناية بدت عليها علامات الشيخوخة، أصعد الدرج، تنقلني حسرتي من درجة لأخرى ومن طابق لأخر، بعد عناء، أضع مفتاح في الباب وأدخل، لأتنفس الغبار المتراكم على الحوائط والاثاث القديم، تعلو حولي أصوات عائلة كانت هنا في يوم من الايام،

هنا أصوات ضحكات عالية ومزحات، وهناك صوت لمسلسل يأتي من شاشة كبيرة يلتف حولها البعض، وأصوات أطباق وأواني تأتي من مطبخ بمساحة تكفي عائلة كبيرة تجتمع في المناسبات، تملأ المكان بالبهجة، أتذكر سؤال صديقتي لي: هل تستطيعين بالفعل أن تتركي ذكرياتك في المكان وتنتقلين لمكان آخر جديد؟ لم تحيرني الإجابة طويلاً، فأنا أعلم جيداً أن ذكرياتنا السعيدة والحزينة ترحل معنا أينما ذهبنا، نأخذها بكل تفاصيلها، الشرفات، والأركان المضيئة والمظلمة، الضحكات والدمعات والأصوات تسكن في عقولنا وقلوبنا،

أما الأماكن؛ فهي عندما يرحل عنها أصحابها يتحول الشعور بالسعادة إلى حزن ومرار وانكسار، يشعرك بالتيه الأبدي الذي يسحب أنفاسك بلا رحمة، ودعتُ الجدران بنظرة أخيرة كما ودعتُ أبي وأمي وشقيقي الأكبر قبل رحيلهم لمثواهم الأخير، ولملمت ذكرياتي السعيدة والحزينة واتجهت نحو الباب وخرجتُ، وأغلقت الباب خلفي وأنا أسأل: إلى أين تأخذني أقداري؟