عائشة المراغى تكتب: مذكرات يهودي مصري بين «التحرير» و«التفريغ»

مذكرات يهودى مصرى بين «التحرير» و«التفريغ»
مذكرات يهودى مصرى بين «التحرير» و«التفريغ»

لا أعلم كم من الأعوام سأعيش بعد الانتهاء من هذه المذكرات. بتلك الكلمات أنهى الكاتب والمناضل السياسى «ألبير آريه» مقدمة مذكراته فى فبراير 2021، لكن القدر – للأسف  لم يمهله وقتًا كافيًا ليراها مطبوعة، إذ توفى بعد شهرين؛ فى أبريل من نفس العام. تلك المذكرات التى كان مقررًا أن تصدر فى عيد ميلاده التسعين، أى فى منتصف 2020، إلا أن بعض الظروف أعاقت ذلك كما يوضحها آريه نفسه فى المذكرات: «فى ۲۰۱۹ اقترح علىَّ ابنى سامى أن أبدأ فى مذكراتى، وبالتعاون مع أمينة شفيق تم الاتفاق مع كاتبة شابة اسمها هند مختار لكى تأتى مرتين أسبوعيًا وتبدأ فى تسجيل ما أمليها. وكان مقدرًا فترة ٦ أشهر للانتهاء من تلك المذكرات، ولكن للأسف بسبب تفشى وباء الكورونا وظروف مرضى امتدت تلك الفترة لأكثرمن سنة ونصف السنة».

ومثلما تأخر تدوين المذكرات؛ تأخر –كذلك– نشرها، حتى صدرت مطلع العام الحالى 2023 بالتزامن مع معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأخيرة، تحت عنوان «ألبير آريه.. مذكرات يهودى مصرى» بغلاف يحمل – فقط – العنوان وصورة آريه، واسم دار النشر «الشروق». وفى الترويسة الداخلية كُتِب «تحرير: د. منى عبد العظيم أنيس تفريغ التسجيلات الصوتية: هند مختار».

وقد مرت ثلاثة شهور هادئة؛ لا صخب فيها سوى دوى نجاح المذكرات ونفاد طبعتها الأولى، إلى أن حلّت الذكرى الثانية لوفاة «مسيو ألبير» قبل أسابيع، ومعها أطلّت الكاتبة هند مختار بمنشور عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» تسرد فيه بعض تفاصيل مرحلة تدوين المذكرات، موضِّحة أن تلك لم تكن المحاولة الأولى، إذ كانت لدى «آريه» تسجيلات مصوّرة سابقة رفضت أن تستخدمها وفضلت أن تستمع إلى حكيه من البداية حتى تقترب من روحه وتستفسر منه عما لا تفهمه لتتمكن من التعبير عنه. وقد استغرق الأمر عامًا ونصف العام من التسجيل والتحرير والمراجعة مع «مسيو ألبير» حتى قبل وفاته بأسبوعين.

اقرأ ايضاً| التاريخ الذي أراد جيمس بالدوين أن تراه أمريكا

مما تشير إليه هند مختار أن «آريه» أراد فى البداية إصدار المذكرات بالعامية، لكنها أثنته عن ذلك حتى لا يتشابه مع كتب أخرى اتبعت النهج ذاته، ولأنها قادرة على صياغة حكيه ب العربية الفصحى، وتسهب للتوضيح: «كان عندى تحد فى لغة الكتابة، وقد اخترت اللغة العربية البسيطة جدًا بدون تعقيد.

 

ومن ضمن أسباب اختيار أبسط الكلمات، أن أغلب مذكرات وسير السياسيين تكون بلغة متقعرة بشكل كبير، وتتضمن الكثير من المصطلحات، ولو وقع الكتاب بين يدى قارئ حديث العهد بالقراءة قد يمل ولا يكمل القراءة، فكان هدفى مع الحفاظ على روح مسيو ألبير فى الحكى – وهو حكاء بارع – أن أجذب القطاع الأكبر من الشباب حتى لا تكون المذكرات نخبوية مقصورة على شريحة معينة من المهتمين بهذه النوعية من الكتب، لأهمية المطروح؛ ليس فقط سياسيًا، لكن أيضًا اجتماعيًا وتاريخيًا، حيث كان مسيو ألبير شاهدًا على التحولات الجذرية التى حدثت فى المجتمع المصرى خلال تسعين سنة وهى عمره».

رغم ذلك فوجئت هند باسمها فى ترويسة الكتاب مسبوقًا بتوصيف «تفريغ التسجيلات» بينما تحمل خانة التحرير اسمًا آخر. ومما ظنته فى أول الأمر أن المذكرات تمت كتابتها بشكل جديد تمامًا، لكن ما اتضح سريعًا بعد التصفح أن المادة هى نفسها التى سلمتها للعائلة، مع تغيير بعض الكلمات فى الصياغة والعناوين وترتيب بعض الفقرات، بل ويتضمن الكتاب أجزاءً كانت قد استعانت بها من مقالات وكتب أخرى ولم تتم الإشارة إليها لأن أحدًا لم يرجع لها أثناء عملية النشر.

وكانت تلك رواية هند مختار، والتى لم تختلف كثيرًا فى وقائعها عن رواية أسرة «ألبير آريه» التى تواصلنا فيها مع الكاتبة الصحفية الكبيرة أمينة النقاش، وابن آريه «سامى إبراهيم» لكنهما فضلا التعليق من خلال البيان، و جاء فيه: «فى منتصف عام ٢٠١٩، طلب سامى، الابن الأكبر لألبير.

من خالته الأستاذة الصحفية أمينة شفيق مساعدته فى إيجاد من يقوم بمهمة تسجيل وتفريغ مذكرات ألبير باللغة العربية، وهى عملية كانت تتطلب مجهودًا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بالفترة الزمنية التى يتكلم فيها ألبير عن التنظيمات الشيوعية وأعضائها من المصريين واليهود.

وبعد بحث اقترحت الأستاذة أمينة أن من الأفضل أن يتم التواصل مع أحد الناشرين؛ ليرشح من يقوم بهذه المهمة، ثم ذكرت اسم الأستاذ مصطفى الطنانى، صاحب دار نشر الطنانى، وبالفعل تواصلت معه الأسرة، فرحب بالأمر، لكن، بسبب أوضاعه المادية اعتذر عن عدم القيام بمهمة تمويل عملية طباعة الكتاب، واقترح أن يقتصر دوره فقط، على النشر نظير نسبة من صافى الأرباح، على أن تتولى الأسرة دفع كل المصاريف الخاصة بعملية إعداد ونشر المذكرات، كما تم الاتفاق أيضًا على أن تقوم الأستاذة أمينة بمراجعة العمل بعد اكتماله، إلا أنها لم تقم بهذه المهمة بسبب ظروفها الصحية.

وتسلم الأستاذ مصطفى الطنانى أول دفعة مالية، وكانت سبعة آلاف جنيه «تم تسليمها إليه بدون إيصال، من يد الأستاذ سامى فى مكتب ألبير بوسط البلد» وبدأت عملية التسجيل الصوتى قبل أن يتم كتابة عقد ما بين الأسرة والطنانى، وكان المبلع المتفق عليه كأتعاب للأستاذة هند مبلغًا قدره اثن عشر ألف جنيه.

وقد عرفنا فيما بعد أن الأستاذ الطنانى سدد ما تسلمه على سبيل أجر التفريغ وهو سبعة آلاف جنيه، على دفعات. بدأت عملية التسجيل الصوتى فى مكتب ألبير فى وسط البلد، حيث استمرت لمدة عام ونصف، تخللتها وقوع حدثين مُهمين، الأول: بدء جائحة كورونا، والثانى حادث السقوط الذى تعرض له «ألبير» وأدى إلى كسر فى مفصل الفخذ بما تطلب إجراء عملية جراحية، نتج عنها مضاعفات، وهو ما اضطرت معه الأسرة إلى نقله إلى منزل ابنه سامى فى مدينة العبور، حيث يمكن توفير العناية اللازمة وإعادة تأهيله طبيًا، وبالتالى، توقفت عملية التسجيل لعدة أشهر، ثم عادت للاستكمال حتى قبيل وفاته».

وبالنسبة لآلية التسجيل الصوتى للمذكرات؛ تستكمل الأسرة فى بيانها: «كل من يعرف ألبير آريه عن قرب، يعرف جيدًا قدراته حيث يتمتع بذاكرة حديدية، لا تغفل التفاصيل الصغيرة أبدًا، وفى كل مرة يكرر فيها الحكى، يضيف تفاصيلات جديدة، تجعل مستمعيه لا يملون! ليس أدل على ذلك من شهادة أمير رمسيس مخرج فيلم «يهود مصر» حيث أعاد مونتاج الفيلم ليُضمنه شهادة ألبير.

كذلك المنتجة دينا أبو زيد، التى أجرت معه حوارًا تلفزيونيًا بعد حادث سقوطه، وأبدت إعجابها بذاكرته الفولاذية حسب تعبيرها، والتى لم تتأثر بمرضه، والمخرجة هالة جلال، وقد صورت معه أكثر من مشهد فى فيلمها التسجيلى عن حياته، والتى عبرت عن إعجابها بإمكاناته فى الحكى وتذكر الأحداث بدقة غير متناهية، بل وعدم التلعثم اثناء الكلام.

وقد كانت على حد تعبيرها كلها مشاهد طويلة تم تصويرها بدون توقف. التسجيلات فى حوزتنا، منذ التسجيل الثالث، حيث توقفت الأستاذة هند عن دور المحاور تمامًا، بعد أن ملَّ ألبير آريه من أسئلتها، التى تنم عن عدم دراية بتاريخ الحركة الشيوعية. ملَّ ألبير من توقفه لشرح المصطلحات والأسماء والحقائق التاريخية التى كانت تجهلها، إن كان ثمة حوار دار بينها وبين ألبير لاحقًا، فكان فقط لإكساب الأستاذة هند مختار معلومات قيمة، بل وقيمة جدًا، عن تاريخ الحركة الشيوعية.

لم يعتمد ألبير سوى على ذاكرته، ولم تقم هند مختار بعصف ذهنى له كما قيل، ويقال، واستعان حينها بالنسخة الفرنسية التى كتبها قبل ذلك الوقت بسنوات عشر، وأملى عليها أجزاء منها، مع إضافة تفاصيل جديدة كعادته أثناء حديثه، وأصبح يبدأ كل جلسة معها بتحديد الفترة التاريخية التى سيتكلم عنها، والأحداث التى جرت فيها، بل والأشخاص الذين سيتكلم عنهم، وفى آخر كل جلسة، كان يحدد ما سيتكلم عنه، ومن، فى الجلسة التالية».

ولكن هذه الحالة من الملل التى يشير إليها البيان ليست مؤكدة، إذ علّق أحد الكتّاب الكبار ممن اقتربوا من آريه فى السنوات الأخيرة، قائلًا: «أنا شاهد على جانب كبير من الحكاية؛ لأن مسيو ألبير حدثنى عن هند مختار وشغلها معه، وكان «مبسوطًا» جدًا؛ وقرأت أجزاء كثيرة من المذكرات، وكانت رائعة وفيها جهد كبير فى تحريرها وتفريغها؛ وذلك على مدار شهور طويلة فى حياة ألبير آريه نفسه».

لم ينتهِ بيان الأسرة بعد، لكن تجدر الإشارة أولًا إلى أنه بين المنشور الأول لهند مختار يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣ وبيان الأسرة يوم ٣٠ أبريل، شهدت الساحة الثقافية «ضجيجًا» كما وصفته الكاتبة عبلة الروينى فى مقالها بجريدة الأخبار، تطور فى أحيان كثيرة إلى معارك كلامية بين مناصرى الطرفين، اتسم بعضها بالتعالى فى التعبير، وشاب البعض منها تجاوزات أخلاقية ولفظية؛ وكان الحكم فيها– غالبًا – «الانحيازات» و«المصالح» فى المقام الأول.

ولكن بين مختلف الآراء هناك ما يجب أن نقف عنده، لما يحمله من رؤية ويتسم به من أهمية أو موضوعية، بداية من د. منى عبد العظيم أنيس «محررة المذكرات كما جاء فى ترويسة الكتاب» التى وجدت نفسها مضطرة – حسب تعبيرها – للرد والدفاع عن سمعتها المهنية، للمرة الأولى والأخيرة، فقالت: «جاءتنى أكثر من رسالة من أصدقاء أعزاء تلفت نظرى وتطلب منى الرد على بوست يتهمنى، أنا «منى عبد العظيم أنيس» بسرقة مجهود السيدة هند، ووضع اسمى زورًا كمحررة لكتاب «ألبير آريه: مذكرات يهودى مصرى». وسأحاول الرد على هذه السيدة باختصار قدر الإمكان، علمًا بأن هذه هى المرة الأولى والاخيرة التى أقوم فيها بالدفاع عن نفسى ولتذهب السيدة المدعية إلى القضاء أو الجحيم حتى، حيث إننى أعتبر التهمة الموجهة لشخصى أسخف من استنزاف الوقت فى الرد عليها مرة أخرى، والدخول فى جدل عقيم.

يبدو أن السيدة المذكورة لا تعرف الفارق بين التأليف والتحرير وتدوين الشهادة إلى آخر ما يعرفه أى محرر محترف. وربما يكون عذرها فى هذا أن مهنة محرر الكتب غير مفهومة  بالدقة فى مصر، التى أصبح أى شىء فيها يساوى أى شىء، حيث لا تفرقة بين الاحتراف والهواية، وبين السمين والغث.

ومن الغريب أن تتهم سيدة شابة لا سابقة أعمال لها، امرأة تجاوزت السبعين وقضت فى مهنة التحرير بالعربى والإنجليزى، وفى كبريات الصحف ودور النشر، أكثر من أربعين سنة. وما قامت به السيدة المذكورة هو الاستماع إلى شهادة ألبير آريه «صاحب المذكرات» على حياته وتسجيلها على أشرطة كاسيت، ثم تفريغها مقابل، كما فهمت من أسرة آريه، أجر قامت الأسرة بدفعه والحصول على التفريغ والأشرطة، ووصولات بالأجر الذى دفعوه للمدعية.

وفى هذا كله لم يكن لى شأن بالأمر، فقد تقدمت أسرة آريه برفقة الدكتور محمد أبو الغار، بمخطوط المذكرات إلى صاحب دار الشروق. وقد ذكروا وقتها أنهم عملوا على هذا المخطوط بضعة شهور بعد تسلم التفريغ من السيدة صاحبة الدعوى. ولما كنت قد عملت لمدة ٨ سنوات مع دار الشروق كرئيس تحرير، وتقاعدت عام ٢٠٢١ بعد بلوغى السبعين، فقد دفع أصحاب الدار بالمخطوط إلىَّ لإبداء الرأى. وكان رأيى أن المخطوط يحتاج إلى تحرير مكثف لأنه عبارة عن أجزاء غير مترابطة ويجب لضمه فى سردية متصلة.

كما أن لغة المخطوط كان ينقصها الكثير، سواء فيما يتعلق ببنيان الجملة، أو الأخطاء النحوية الكثيرة، التى قام كبير مصححى دار الشروق الأستاذ أسامة عرابى بتصويبها. وبناء على رأيى ذلك قامت دار الشروق بتكليفى بتحرير المخطوط.

وهنا بدأ دورى: من لحظة استلامى المخطوط فى أول مارس ٢٠٢٢ وحتى انتهيت منه فى أوائل مايو من نفس العام. عمل طويل متواصل، قد لا أبالغ إذا قلت إنه استغرق ما يقرب من الألف ساعة، فقد التزمت بتسليم المخطوط قبل سفرة طويلة إلى خارج البلاد، وهكذا فقد عملت ليلا نهارا ودون نوم ليالى كثيرة وطيلة أيام الأسبوع، للانتهاء من المخطوط قبل سفرى  خارج البلاد».

ثم ساقت د. منى بعض الأمثلة مما قامت به من مجهود، كاختصار حجم الكتاب من ٤٧٠صفحة A4  إلى ٣٩٣ صفحة قطع متوسط، والعمل على سهولة انسياب سردية المذكرات، والتأكد من صحة المعلومات التاريخية. وأنهت تعليقها بأن «على المتضرر أن يلجأ للقضاء».

واستكمالًا لجهود التحرير، جاء فى بيان الأسرة: «بعد وفاة ألبير آريه، تساءل كثيرون عن مصير المذكرات، وموعد نشرها، وهو ما دفع الأسرة إلى مراجعتها، وقد واجهت الكثير من الصعاب منها: اختيار ألبير أن يحجب أسماء الكثيرين من أصدقائه أثناء تسجيلاته مع هند، تضمنت المذكرات الكثير من الأسماء الأجنبية وهو ما لم تستطع أن تدونه هند بسبب عدم معرفتها باللغة الأجنبية، كان العمل كله بدون هوامش، كانت اللغة التى استخدمت فى الكتابة مزيجاً من الفصحى والعامية، كان الجزء الثانى أضعف من الأول من حيث طريقة الكتابة، حيث يبدو أن الملل كان قد تسلل إلى الأستاذة هند، وربما لطول فترة عملية التسجيل والتفريغ، مما دفع سامى إلى مراجعته بدقة مع باقى الأسرة، خاصة زوجة ألبير التى عاصرت كل الأحداث، منذ تعرفها به وزواجها منه عام 1965. وللتأكد من الدقة، قام سامى بعمل عدة رحلات إلى فرنسا وبلجيكا وهولندا، والتقى مع من تبقى من أصدقاء والده؛ لمساعدته فى توضيح كل تلك الأسئلة التى فرضت نفسها أثناء مراجعة المذكرات ومضاهاتها بالتسجيلات التى سلمتها له هند بعد أن تقاضت باقى أتعابها من الأسرة». أى «ما قامت به الأستاذة منى أنيس كان تحريرًا كاملاً، وإعادة تقسيم المذكرات، وفهرستها، عمل توازن للفصول، مع مراعاة عدم الإخلال بنص ألبير الأصلى أو بأى من آرائه، مما أعطاها– فى النهاية– الشكل الأدبى الجاذب للقراءة، على الرغم من كم التفاصيل والأحداث التى تضمنتها. ونجدر الإشارة إلى قيام سامى بمراجعة ما حررته ومطابقته مع النص الأصلى».

مما أفاد به بيان الأسرة وتعليق د. منى أنيس؛ يتضح أن هناك خلافًا أساسيًا حول مفهوم «التحرير الأدبى» وإجماع على أن كل من خالف رؤيتهم جاهل بالأمر ولا يعرف الفارق بين أنواعه المختلفة. رغم أنهم فى ذلك كان عليهم التماس العذر لمن لا يعرف وتداخلت لديه الأنواع؛ لأن تلك هى المرة الأولى. 

والتى يوضع فيها اسم كاتبة فى ترويسة بوصفها «مفرغة تسجيلات»، وهى مهمة لم تكن فى حاجة لشخص على دراية بكيفية الصياغة والتبويب والفهرسة، حتى وإن تطلب الأمر تدخلًا من جهة النشر، فذلك يتم باستمرار مع الكثير من الكتاب؛ الكبار والأكثر مبيعًا. فضلاً عن أن هند مختار كاتبة لها سابقة أعمال، من بينها رواية «قالب سكر» الصادرة عام ٢٠١٠ عن الدار المصرية اللبنانية.

من واقع خبرته العملية علّق الشاعر والكاتب الصحفى عمر شهريار، قائلًا: «بالنسبة لى، كمحرر ديسك، ما أكثر الحوارات التى جاءتنى فى كل الأماكن التى عملت فيها وأعدت صياغتها بالتقديم والتأخير، وضبط صياغة اللغة، والحذف وربما الإضافة المعلوماتية، وفى النهاية تُنشر باسم الصحفى الذى اجتهد وأعد الأسئلة وذهب للمصدر وحاوره، لأنه ببساطة ملكيته وجهده، وهو ليس مجرد تايبست أو تفريغ، وكثيرًا ما جمع الزملاء الصحفيون هذه المحاورات التى أجروها «والتى أعدت أنا أو زملائى فى الديسك صياغتها» ونشروها فى كتب بأسمائهم، دون أدنى إشارة لاسمى كمحرر، وأبارك لهم وأهنئهم.

وبالنسبة لى، أيضًا، ما أكثر الحوارات التى أجريتها أنا مع شعراء وروائيين ونقاد ومفكرين، بعضهم توفاه الله وبعضهم على قيد الحياة،  ولو أحببت أن أجمع هذه الحوارات وأنشرها فى كتاب لن أكون فى حاجة لاستئذان الأحياء أطال الله أعمارهم، ولا ورثة من توفاهم الله، ببساطة لأنها أصبحت ملكًا لى، ما دام المصدر تحدث وهو يعرف أن هذا الحديث للنشر، سواء كانت حوارات مع أشخاص متعددين، أو سلسلة حوارات مع شخص واحد عن مسيرته وحياته، وأنا أسأل وهو يجيب، مع علمه الكامل أن هذا الكلام مسجل للنشر».

وفى النهاية تساءل شهريار: «هل كان رجاء النقاش وهو يحاور نجيب محفوظ عن سيرة حياته مجرد تايبست دوره التفريغ وتشغيل الكاسيت؟! وهل كان دور محمد سلماوى أيضا فى محاورة محفوظ مجرد التفريغ وتشغيل الكاسيت؟!».

أما فيما يخص المقابل المادى الذى تلقته هند مختار من قِبل العائلة، فقد ردّت عليه الكاتبة عبلة الروينى بقولها: «صحيح حصلت على أجر هذه الأعمال.. وصحيح أنها كُلفت بداية بالعمل لحساب أسرة ألبير آريه، أو لحساب دارالطنانى.. لكن بالتأكيد الأجر لا يسقط الجهود...وبالإمكان تدارك الأمر فى الطبعات التالية، والإشارة إلى جهد  الصحفية الفعلى،الذى لولاه ماصدرت المذكرات».

وتعليقًا على القضية بشكل عام؛ يصف الكاتب شعبان يوسف ما حدث بأنه «اغتيال للمحاوِر» قائلًا: «منذ أن تفجرت قضية مذكرات ألبير آريه، وأنا فى دهشة كبيرة من كم التبريرات والحجج التى ساقها البعض لاستبعاد الأستاذة هند مختار من أن يكون لها أى أو أدنى تمثيل فى المذكرات، رغم أن القضية واضحة بشكل لا لبس فيه على الإطلاق، أى أن الكاتبة هند مختار هى التى حملت جهاز الكاسيت، وهى التى راحت تتردد على الرجل بشكل شبه منتظم لعام ونصف.

وهى التى سألت وحاورت، حتى لو زعم أحد بأنه هو الذى وضع الأسئلة، أو ساعد فى صياغتها، هذا لا ينفى مجهود الكاتبة المجهد، حتى لو زعم آخرون بأنها تقاضت ثمن ذلك، وهذه حجة بائسة، وهذا هو بعض حقها المادى، لكن يبقى حقها الأدبى، فمن المعلوم والبديهى أن أى كاتب صحفى يجرى حوارًا مع كاتب أو فنان – مجرد حوار، وليس كتابًا كاملًا– يتقاضى أموالًا عليه من الجهة التى كلّفته بإجراء ذلك الحوار.

وهذا لا يعنى إسقاط الحق الأدبى تحت مسمى بارز وتقليدى مثل: أجرى الحوار، أو حاوره، فالذى أجرى الحوار، هو الأصل الذى قامت عليه كل الأعمال التالية، مثل التحرير، أو الصياغة، أو الإعداد، أو التلخيص، وهذه أشياء أولية فى عالم النشر والصحافة، أما الحديث الذى وصم المذكرات بأنها ركيكة أو مهلهلة، فهو غير مقبول، وأنا واحد من الذين قرأوا المذكرات ولم ألاحظ تلك الركاكة، أو الهلهلة، فضلًا عن أى شخص عمل بالديسك فى أى جريدة، أو مجلة، أو دار نشر، يدرك جيدًا أن كثيرًا من الكتّاب الكبار والمبدعين.

وتحتاج كتاباتهم إلى مراجعات واختصارات وتصحيحات لغوية أو أسلوبية، وهذا لا يعطى أدنى مبرر لحذف اسم الكاتب – الأصل، ليحلّ محله اسم كاتب آخر، وليس من الطبيعى اختصار مهمة الحوار إلى مجرد تفريغ، حتى لو كان المحاور مجهولًا، وليس علمًا على سن ورمح. أتمنى أن تتدارك دار النشر ذلك الخطأ الفادح، وتصحيحه، فهذه واقعة غريبة، ولا تليق بدار نشر كبيرة على الإطلاق، ولا أعرف ذلك التعنت فى نسف اسم المحاورة، واغتيالها ببساطة».

مثلما خاطب شعبان يوسف دار النشر لتدارك الأمر؛ فقد فعَل كثيرون، إلا أن دار الشروق لم تخرج عن صمتها، ومن جانبنا حاولنا التواصل مع المسئولين بها للتعليق فلم نستطع، لكن بيان أسرة «ألبير آريه» لم يغفلها فى رده على ادعاءات الأستاذة هند مختار– حسب وصفهم – وفيه: «لمن اتهم دار الشروق؛ من الناحية القانونية، وبناء على العقد المبرم بين دار الشروق والعائلة، فإن الدار قد تسلمت مخطوطة من الأسرة بصفتها وريثة للراحل ألبير آريه، ولا علاقة لها بمن أعد المسودة أو كيف أعدها.

ومن بنود العقد أن أية مسئولية ناجمة عن حقوق الملكية الفكرية تقع على عاتق الأسرة أو الورثة. وطلبت الأسرة وضع اسم الأستاذة هند مختار فى الصفحة الداخلية للمذكرات، كواحدة من ضمن من ساهموا فى خروج «المذكرات» إلى النور، اعترافًا من الأسرة بمجهودها فى تفريغ تسجيلات المذكرات».

وانتهى البيان بتساؤل وعدة ملاحظات، مجملها هو: «كيف يمكن لهند مختار أن تقوم بتسجيل حقوق ملكية فكرية كما تدعى، لمذكرات شخص بدون الرجوع له أو لورثته؟ خاصة أنها قد كُلفت بعمل «مادى بحت» تلقت عنه أجرًا، ولا يحق لها أن تُطلع أحدًا على مسودات هذه المذكرات! ولو حتى على سبيل إبداء الرأى، حيث لا يعتبر ذلك من ضمن أخلاقيات المهنة. الادعاء بأن المذكرات هى نتاج عصف ذهنى قامت به الأستاذة هند مختار لشخص مثل ألبير آريه بذاكرته الحديدية وثقافته وخبراته الشخصية وتشكيله السياسى.

وهو فى حد ذاته محض افتراء عليه، وعلى تاريخه السياسى لأنها بالتأكيد ليست الشخص الذى يملك المعرفة والثقافة لإجراء تلك الحوارات عن اليسار أو عن اليهود الشيوعيين ويكفى شهادة الأستاذة أمينة شفيق والتى يشهد لها الكثيرون بخبراتها فى مجال الصحافة بأنها شخصيًا لا تستطيع أن تحاور شخصاً مثل ألبير أريه لعدم امتلاكها لهذا الكم من المعلومات والخبرات التى يمتلكها. التسجيلات التى بحوزتنا هى الفيصل فيما إذا كانت هند مختار قد قامت بمحاورات، أم بعملية التفريغ».

ما الوضع الآن؟

تستعد الكاتبة هند مختار لإقامة دعوى قضائية وفقًا لما لديها من نسخة مسجَّلة بإدارة حقوق المؤلف فى المجلس الأعلى للثقافة، لمضاهاتها بالكتاب المنشور. وعلى الجانب الآخر؛ قررت الأسرة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة ضد كل من ترى أنه تعدى بالقول على شخص «ألبير آريه».

وفيما يخص دار النشر، يقول سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين، إن العَقد شريعة المتعاقدين، والقانون يحتكم للأوراق، وبالتالى على المتضرر إحضار أوراقه كاملة للاتحاد وسيتم فحصها واتخاذ ما يلزم إن ثبت حقه. كما شدد على ضرورة أن يحرص كل صاحب عمل على توقيع عقد قبل البدء فى مهمته، حتى يضمن حقوقه المادية والأدبية.