فى الصميم

أبهة التاريخ.. وحتمية التغيير!!

جلال عارف
جلال عارف

سبعون عاما من حكم ملكة بريطانيا الراحلة اليزابيث الثانية تجعل من مشهد تتويج ابنها "تشارلز الثالث" حدثا استثنائيا بالنسبة لأجيال عديدة من البريطانيين لم تعرف ساكنا فى القصر الملكى إلا اليزابيث!

تغير الزمن، ورغم الفخامة والأبهة فى احتفالات التتويج، فإنها لا تخفى هذه الحقيقة. تغير الزمن، وتغير العالم، وتغيرت بريطانيا.. ولابد أن يصل التغيير إلى قصر "بكنجهام" المقر الملكى الذى كان يوما رمزا لامبراطورية تشمل نصف العالم"!!"

فى استطلاع أخير للرأى، قال نحو نصف البريطانيين أنهم سيتابعون الحدث فى الشوارع أو على شاشات التلفزيون، بينما قال النصف الآخر إنهم لا يهتمهون!!

والاحتفال نفسه تم اختصاره ليلائم شخصية الملك الجديد التى تتميز بالثقافة والتواضع والانفتاح على الثقافات الأخرى.. وهو أمر تحتاجه بريطانيا الآن بشدة لتواجه رياح التغيير الحتمى، ولتتصدى لمشاكل صعبة تستدعي، ما هو أكثر من أبهة التاريخ!!

رياح التغيير جعلت وصول الملك الجديد يترافق مع وصول رئيس وزراء من أصل هندى ليحتل المقعد الذى كان يحتله تشرشل، وجعلت الملكة إليزابيث قبل رحيلها تقر بأن تجلس زوجة الملك "كاميلا" بجواره على العرش وهى المطلقة الأمريكية ليتم بذلك تجاوز تقاليد كان يمكن أن تحرم تشارلز نفسه عرش بريطانيا"!!" لكن المشاكل الباقية أكثر تعقيدا، فى الداخل أزمة اقتصادية طاحنة، وأزمة أكبر مع تنامى التوجه نحو الاستقلال فى سكوتلندا وويلز وإيرلندا فى داخل بريطانيا، وتوجه المستعمرات السابقة وفى مقدمتها كندا واستراليا إلى التخلص من ارتباطها الشكلى بالتاج البريطانى، والتوجه نحو إعلان الجمهوريات المستقلة.

بعد أكثر من ستين عاما وليا للعهد، يجلس "تشارلز" على عرش بريطانيا وسط تساؤلات عن مستقبل بريطانيا كقوة كبرى، وعن مصير العرش الأقدم فى العالم. وبعيدا عن أبهة التاريخ التى رآها العالم بالأمس فى احتفالات التتويج، تظل أسئلة المستقبل هى الأهم، ويبقى تحديث النظام الملكى البريطانى هو المهمة الضرورية للحفاظ عليه، وعلى بريطانيا كقوة موحدة ومؤثرة ومستقرة.. بعيدا عن أحلام امبراطورية أصبحت عبئا، وعن أبهة إمبراطورية ربما لن تتكرر!!