رٌكن الحواديت

زكريا عبدالجواد يكتب: كلنا نازحون

زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد

كلما نظرتُ لصورةِ نازح من ويلات حربٍ؛ أتأملُ المشهدَ، ولكنى أتذكر نزوحاتٍ كثيرة، يمارسها الآمنون؛ بلا حقائب؛ هربًا من ظروف قاسية لم تلتقطها عدسات الكاميرا ولم تكتبها صحيفة. 

نزحتُ من الصعيد؛ هربًا من أرض، رغم اتساعها لكن تضيق فيها مساحة الكسب، فملأت حقيبتى بأحلامٍ حققت بعضها، وتاه الآخر وسط الزحام.

وحين وصلت «القاهرة».. وجدت آلاف البسطاء، تزدحمُ بهم الباصات، يبيعون الأوجاع ولا يشترى منهم أحد. ونساء يفرشن الهموم على الأرصفة، قالت إحداهن إنها تود النزوح لأعوام براءتها الأولى؛ هربًا من جحيم حياة عاشتها بعد الزواج. 

وصادفت شابًا آخر كان مطربًا خلف راقصة، فترك مهنته، ثم اهتدى حتى أصبح شيخًا وقال إن سبب « نزوحه» عن مهنته موت أحد أفراد فرقته الموسيقية على التخت وهنا تساءل: ماذا سأقول لربى لو مت على حالته؟! 

أنت «نازح» رغم أنفك حتى حين تترك مقعد الباص الضيق، وتجلس على الأكثر رحابة، و«نازح» من رؤية وجوهٍ تعنى ملاقاتها قلقًا مُنهكًا للأعصاب.

ولكن مهما نزحنا نظل أسرى لأحزانٍ لا تلائمُ صدورنا الضيقة، ولا معبر يؤمن الفرار منها إلا بالموتِ كنزوح إجباري، ولكن يؤلمنا انتظار الوقت، وفضول معرفة المكان، الذى لا يعلمه أحدٌ غير الله أبدا.