فى الصميم

كلهم لا يريدون حربا عالمية وكلهم يستعدون لها!

جلال عارف
جلال عارف

على خلفية حرب أوكرانيا من ناحية، والتصعيد بين الصين وأمريكا حول قضية «تايوان»، لا يتوقف التحذير من حرب عالمية ثالثة. التحالف الذى يزداد قوة بين روسيا والصين، والعمل الدءوب من جانب أمريكا لزيادة قوة حلف «الناتو»، فى مواجهة روسيا، وفى خلق «ناتو»، اسيوى جديد فى مواجهة الصين..

كل ذلك يزيد الموقف خطورة. ورغم أن كل طرف يعلن رفضه الانجرار لحرب عالمية لن ينجو منها أحد، فإن التاريخ يقول إن النوايا وحدها لا تكفي، وميزانيات التسليح التى ترتفع بصورة فلكية تقول إن الكل يستعد لأسوأ الاحتمالات!!

الموقف فى أوكرانيا وصل إلى مفترق طرق.. وبعد أن تحاشت كل الأطراف فى العام الأول للحرب أن تتحول إلى صراع مباشر بين روسيا وحلف «الناتو»، يبدو الوضع فى العام الثانى أكثر تعقيدا. أوكرانيا تريد أسلحة هجومية لكى تقوم بهجوم مضاد فى الربيع، والتحالف الغربى يقول إنه أمدها بالأسلحة اللازمة.. وهو ما تنفيه أوكرانيا. ربما لتبرير تأجيل الهجوم المنتظر الذى تقول الوثائق الأمريكية المسربة أن تقديرات واشنطون لا تتوقع نجاحه. وهو ما يعنى أن يستمر الوضع الحالى الذى يستنزف المتحاربين، ويستنزف أيضا أوروبا المتعبة، ويضر باقتصاديات دول العالم كلها، ويترك احتمال توسع الحرب قائما ولو بالخطأ!!

ربما لهذه الظروف كان الاهتمام بالمحادثات المطولة عبر الهاتف التى أجراها الرئيس الأوكرانى زيلينسكى مع الرئيس الصيني، والتى كان زيلينسكى يريدها منذ أن أطلقت بكين «مبادرتها» من أجل وقف القتال وبدء التفاوض لحل الأزمة فى أوكرانيا والتى رأى فيها الرئيس الأوكرانى عناصر ايجابية أهمها انخراط الصين فى الأزمة وتأكيدها على احترام استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها، رغم عدم ادانتها للغزو الروسى حتى الآن.

ولا شك أن التواصل بين أوكرانيا والصين خطوة هامة.. قد يكون «زيلينسكي» يريدها للضغط على الحلفاء، وقد يكون بالفعل يرى أن الصين وحدها هى التى تملك تأثيرا على روسيا قد يقود إلى الحل التفاوضى، لأن البديل هو المزيد من تدمير أوكرانيا، ولأن استمرار الحرب يعنى زيادة تورط دول «الناتو»، وهو ما يفتح الباب أمام خطر الحرب النووية التى لن يتذكر أحد أوكرانيا بعدها.. إذا كان هناك ما يبقى بعد هذه الحرب!!

كما هو منتظر فإن أمريكا «ترحب ظاهريا وتنتظر» بعد دخول الصين على الخط، خاصة أن الرئيس الأوكرانى لم يخبرها مسبقا!!

وهى تدرك أن زيلينسكى لن يستطيع الذهاب بعيدا بدون موافقتها. لكنها أيضا تدرك أن الصين توجه هنا رسالة لأوروبا بأن تتفادى الأسوأ إذا استمر التصعيد، وأن تقف مع «بكين»، لإيقاف الحرب التى ارهقت الجميع. والأهم: ألا تنضم أوروبا لجهود أمريكا فى جعل «الناتو»، شريكا لها فى مواجهة الصين أيضا..

وليست روسيا وحدها. وهو ما سبق أن أعلن الرئيس الفرنسى «ماكرون»، رفضه له عند زيارته الأخيرة للصين، وما يبقى الباب مفتوحا لتعاون صينى - أوروبى لوقف الحرب فى أوكرانيا، ولتخفيف التوتر حول «تايوان»، ولإبعاد شبح الحرب العالمية التى يطل برأسه رغم نفى الجميع.

يكفى هنا فقط إلقاء نظرة على الزيادة الهائلة فى نفقات التسلح العالمى وخاصة بين القوى الكبرى المتصارعة. بلغ انفاق العالم على التسليح فى العام الماضى ٢٫٢٤ تريليون دولار، أكثر من نصفها، كان من نصيب أمريكا والصين وحدهما. زادت نفقات التسليح ١٣٪ فى عام واحد.

وتحولت أوروبا إلى ترسانة أسلحة بنفقات تزيد على ٤٠٠ مليار دولار، وبجوار نيران حرب مشتعلة قد يتسبب خطأ واحد فى تحويلها إلى ثالثة الحروب العالمية التى تنفجر من أوروبا.

والأسوأ أن يحدث ذلك فى ظل أزمة اقتصادية واجتماعية تعصف بالجميع وتهدد استقرار دول العالم، وتضيف مئات الملايين من البشر لمن يعانون من الفقر حتى فى الدول المتقدمة كما فى بريطانيا التى يحتاج فيها مليون مواطن للجوء لبنوك الطعام!!

والأكثر سوءا أن يحدث ذلك بينما النظام العالمى الذى كان فاعلا منذ الحرب العالمية الثانية قد انتهت صلاحيته، والعالم يبحث عن نظام عالمى جديد تنتهى فيه هيمنة دولة واحدة وينتهى فيه أيضا نهب الأقوياء للضعفاء فى افريقيا وآسيا. وفى انتظار هذا النظام العالمى الجديد تتزايد المخاطر، ويتحدث الجميع عن خطر حرب عالمية جديدة لا يريدها أحد، ويستعد الجميع لهذه الحرب، ويدفع العالم كله الثمن!!