كتبت علا نافع
فى ساعة مبكرة من الصباح تنطلق سامية إلى أحد محال الجزارة القريبة من منزلها لتحصل على كيلو لحم مفروم لإعداد إفطار رمضاني شهى لأسرتها بعد أن استقطعت ثمنه من مصروف البيت، فرغم ارتفاع سعره مؤخرًا مقارنة بالشهور السابقة، فإنه يظل الخيار الأمثل للأسرة حيث يختلف سعر الكيلو الواحد من جزار لآخر، ولا يتخطى المئة جنيه فى أغلب الأحيان.
لا تسأل سامية مثل غيرها عن مصدر تلك اللحوم أو مدة صلاحيتها.. يكفيهم شراء وجبة دسمة تسد رمقهم وتشعرهم بلذة مذاقها، رغم أن هذه اللحوم المستوردة - كما يطلق عليها - يكون أغلبها مخلوطًا بكميات كبيرة من الدهون وفول الصويا بحسب تقارير الجهات الرقابية، كما أن لونها يكون شديد الحُمرة وذا رائحة نفاذة، إلا أن العديد من من الأسر تشتريها دون الاهتمام بالآثار الضارة الناتجة عنها والتى تصل إلى الأورام السرطانية والوفاة المفاجئة فى بعض الأوقات.
ويومًا تلو الآخر تعلن مباحث التموين ومديريات الطب البيطرى ضبط كميات من اللحوم المفرومة المنتهية الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات الطبية نتيجة إضافة ألوان صناعية وأملاح النترات عليها، كذلك فرم كراتين البيض وإضافتها إلى خليط اللحم كى يعطيه تماسكًا وصلابة.
سموم بالطلب!
تخــتــلــف نســــــب الـــــدهـــــون والألــــوان الاصطناعية الموجودة باللحوم المفرومة بحسب نوع الطبق الذى سيتم إعداده سواء كان حوواشى أو برجر وطواجن مكرونة، كذلك أنواع اللحوم المستوردة، فالسودانى هو الأغلى على الإطلاق إذ يباع الكيلو الواحد بـ195 جنيهًا، أما البرازيلى 185 جنيهًا، هكذا بدأ جزار يُدعى أحمد حديثه معنا، وأوضح: اللحوم المفرومة مستوردة من البرازيل، ويتم إضافة نسب كبيرة من الدهون عليها وأيضًا فول الصويا ليعطيها قوامًا متماسكًا، ما يجعل اكتشافها أمرا صعبا، مشيرًا إلى أن بعض المحلات تضيف ألوانًا صناعية غير مصرح بها كى تعطى اللحوم لونًا ورديًا مجهول المصدر.
ويشير إلى أن الألوان الاصطناعية التى تكسب اللحوم ألوانًا غامقة وأخرى فاتحة هى مكسبات لون كالبنجر الأحمر ويستخدم بشكل محدود، كذلك الفلفل الأحمر البلدى رخيص السعر، والأخير عبارة عن البودرة الصناعية المعروفة باسم أحمر الأكسيد ويطلق عليها الجزارون اسم “دم الغزال”، إذ يتم مزج قطعة صغيرة من اللحم مع الألوان ثم فرمها مع كل الكمية للحصول على اللون المحدد.
ويؤكد أن بعض محلات المشويات والفنادق يقبل أصحابها على شراء تلك اللحوم مجهولة المصدر، إذ تمزج مع دهون الأبقار أو الضأن الذى يتباين سعره بين 80 و100 جنيه للكيلو الواحد، فضلًا عن كميات كبيرة من التوابل وفول الصويا على الكفتة والبرجر.
مفروم الدجاج
ولم يختلف الحال بالنسبة إلى لحوم الدجاج المفرومة، والتى تدخل فى تصنيع كفتة الدجاج واللحوم المصنعة، فبعض مجازر الدواجن يفرم الهياكل والريش فضلًا عن أمعاء الدجاج النافقة وأرجلها، مع إضافة مواد كيميائية لتمنحها قوامًا ناعمًا متماسكًا، ويتم بيعها فى المحلات تحت مسمى “مفروم دجاج فاخر”، كما يتم بيعها إلى المطاعم بأسعار تبدأ من 30 حتى 50 جنيهًا للكيلو، حسب الجودة والقوام، أما المستهلكون فيُباع لهم الكيلو بـ60 جنيهًا.
ويتركز أغلب المجازر الكبرى فى القليوبية والشرقية ويقوم بعضها بإعادة تعبئة المفروم فى عبوات بأسماء وعلامات تجارية مشهورة بحسب وقائع الضبط التى توصلت لها مباحث التموين، والملاحظ أيضًا أن هؤلاء التجار يستخدمون صفحات الفيسبوك لترويج بضاعتهم تحت مسمى “مفروم فاخر للكلاب والقطط”، والمؤلم أن كثيرا من المواطنين يتغاضون عن طريقة فرمها ومكوناتها ويتهافتون على شرائها لطهوها وتناولها خاصة بعد ارتفاع أسعار الدجاج.
ويقول عامل بأحد المجازر يُدعى سامح: بعد ارتفاع أسعار الدجاج بات الحصول على مفروم الدجاج النقى أمرًا صعبًا فعمد أصحاب المجازر إلى فرم الهياكل والأحشاء وأطراف الدواجن لزيادة كميتها وبيعها بشكل أسرع، كما يتم إضافة بعض الألوان الصناعية ودقيق البسبوسة لإعطائها تماسكًا ولونًا أبيض، ويتم تعبئتها فى أطباق مجهولة المصدر وغير مدوّن عليها أى بيانات أو فى عبوات ذات شهرة لجذب الزبائن.
ويرى أن صفحات الفيسبوك ساهمت فى ترويج تلك البضاعة منتهية الصلاحية، إذ بات التجار وأصحاب المجازر يعرضون عليها منتجاتهم مستغلين جهل الزبائن بخطورتها.
أما محمود نوح، صاحب مجزر، فيشير إلى أن أغلب المجازر الكبرى لديها ماكينات تفرم لحوم الدجاج وتوزعها على المحلات والمطاعم ويصل سعر الكيلو الواحد إلى 40 جنيهًا، أما المستهلك العادى فيحصل عليه بما يتراوح بين 70 و80 جنيهًا.
وعن الغش فى مفروم الدجاج يقول: هناك بعض المحلات التى لا تتخلص من الدجاج منتهى الصلاحية بل تبيعه للمجازر بسعر مخفض وتقوم الأخيرة بفرمه وإضافة الملح والخل إليه للتخلص من رائحته الكريهة، إضافة إلى تبييض لونه، مؤكدًا أن الهياكل ورؤوس وأرجل الدجاج النافقة تدخل فى التصنيع.
السليم والمغشوش
من جانبها، تقول الدكتورة شيرين زكي، وكيلة نقابة البيطريين، ورئيس لجنة سلامة الغذاء بالنقابة: زاد الغش فى اللحوم المفرومة مع ارتفاع أسعار اللحوم البلدية وتفنن الجزارون وأصحاب المحلات فى الغش سواء بفرم كراتين البيض وإضافة ألوان اصطناعية عليها لتمنحها اللون الوردى الزاهى وتتماسك أنسجتها، كذلك مفروم الدجاج، وفيه يتم إضافة الأنسجة الضامة للدجاج مع الرؤوس والأمعاء المحتوية على بكتيريا مختلفة محذرة من تناول أرغفة الحوواشى والكفتة التى تباع فى الأسواق.
وعن طرق كشف غش اللحم المفروم قالت إن الطريقة الأولى تعتمد على إضافة كمية من اللحوم فى إناء به ماء، فإذا ترك لونًا ورديًا فذلك يعنى أن اللحوم مضاف عليها ألوان اصطناعية من النترات والنيتريت، والطريقة الثانية باستخدام المناديل الورقية والضغط على اللحوم فإذا تركت آثارًا وردية اللون عليه فهذا يعنى أن اللحم مغشوش.. وتنصح بضرورة عدم شراء لحم مفروم جاهز من الجزار والأفضل قطعه وفرمه أمام عينيك، خاصة أن هذه اللحوم يصعب كشف طرق غشها مما يزيد خطر الإصابة بالأورام السرطانية الخطرة.
حملات مستمرة
فيما يقول عبدالمنعم خليل، رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين: الوزارة تشن حملات مستمرة لضبط عمليات الغش التجارى خاصة فى المناسبات والأعياد، وتعكف الوزارة على إحكام رقابتها المشددة على المطاعم والمحلات التجارية للكشف عن اللحوم الفاسدة وغير المطابقة للمواصفات. لافتا إلى أن قانون العقوبات ينص على الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات أو غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 30 ألف جنيه فى جرائم غش الأغذية.
نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 12/4/2023
أقرأ أيضأ : محافظ القاهرة: حملات مكثفة على محال بيع اللحوم والأسماك والدواجن قبل العيد
