يوميات الأخبار

النوستالجيا علاج للإنسان المعاصر

عبد السلام إبراهيم
عبد السلام إبراهيم

الإنسان؛ ذلك المخلوق الذى تتهدده تغيرات العصر وتتلاعب به دون أن يضع لنفسه فلسفة محددة للتعامل مع معطيات الواقع

الإنسان؛ ذلك المخلوق الذى تتهدده تغيرات العصر وتتلاعب به دون أن يضع لنفسه فلسفة محددة للتعامل مع معطيات الواقع، فيبحث عن النوستالجيا كعلاج مؤقت لحالته النفسية، ووعاء حضارى يدعم ثقافته، والإفادة من إبداع الآخر عن طريق الترجمة، وبحثه الدؤوب عن السعادة، ومعاناته من ارتباكات الوعي، ووقوفه ضد الجاحدين الجدد وصولًا إلى تعانق الحضارات بوصفها الوجود الحقيقى فى عالم يستطيع التعايش بسلام.

ينتاب الإنسان إحساس قوى للتفكير فى الماضى واستدعائه ووضعه فى إطار النوستالجيا بوصفها علاجًا مؤقتًا فى هذا العصر.

تعانى أجيال ما قبل التسعينيات من رغبة عارمة للعودة للماضي، استعادة الماضى وفق قوانين الحاضر.

يستغرقها حنين لا تعرف كنهه لاستعادة الذكريات؛ سواء عن طريق الحكى مع أبناء الجيل الواحد، أو التذكر الذى تتلاحق صوره فى الذاكرة وتؤثر بشكل مباشر على علاقته بالمجتمع وتعاطيه مع تغيراته، أو رغبة مستمرة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات القديمة.

يشتبكون مع الحاضر المتغير برؤى الماضى الثابت، الديناميكى مقابل الاستاتيكي

ترى تلك الأجيال الصورة المثالية للماضى المطبوعة فى أذهانهم والتى يتمنون الحياة فيها بشكل دائم، لكن مع مرور الزمن والتغييرات التى تتلاحق تُطمس الصورة المثالية من خلال تجليات الحاضر.

ربما كان الماضى يسير وفق آليات ذلك العصر، لكنه بالتأكيد لن يسير وفق آليات الحاضر؛ سواء على الجانب الاجتماعى أو الجانب النفسي.

برغم كل ذلك، تتميز فلسفة الحنين إلى الماضى بقدرتها على الوقوف فى وجه ارتباكات الحاضر وتدهور الذاكرة المتمثلة فى الزهايمر الذى يعتبر العدو الرئيس لدينامية الحياة.

أما الجانب السلبى لتلك الحالة فهو التقوقع فى دوائر صغيرة لا تمكنها من أن تندمج مع دوائر مجتمعية أرحب، فتحدث هوة كبيرة بينها وبين الأجيال اللاحقة؛ الأبناء والأحفاد. ربما تكون النوستالجيا المتهم الحقيقى لتلك الأزمة.

تدرك الأجيال الجديدة الورطة الحقيقية التى تواجه السابقين، لكن بالرغم من ذلك يندمجون معهم، ويدركون أنهم مستكينون فربما يحدث التنافر وربما يحدث الامتزاج.

لكن تظل النوستالجيا العلاج الأهم لأجيال ما بعد الستينيات.

الأحد

«عيد الأوبت، عيد الأوبت»

وقفت أمام معبد الكرنك أشاهد مراسم عيد الأوبت، نموذج محاكاة لعيد الأوبت الخالد الذى تنطلق مراسمه من معبد الكرنك وصولا إلى معبد الأقصر وعبر طريق الكباش. يبدأ الهتاف من داخل معبد الكرنك إيذانًا ببدء احتفالات الأوبت.

عندما تنتهى الأبواق النحاسية من عزفها الملكى ينطلق هتافٌ حاد من الجوقة المصطفة على اليسار باسم الملك المُعظم لتمجيده، يصاحبها عزف موسيقى ايذانًا ببدء احتفالات الأوبت، فيخرج الملك بعربته الملكية الذهبية مزهوًا، ينظر للأمام ممسكًا بصولجانه، تتبعه عربة أخرى تحمل الملكة الزوجة ثم عربة تحمل الأمراء الصغار، ومن خلفهم مباشرة تنطلق المراكب المقدسة وفوقها تماثيل الآلهة المكسوة برقائق من الذهب الخالص والمرصعة بالأحجار الكريمة.

هذه التماثيل المتلألئة محمولة فوق محفات مذهبة على أكتاف الكهنة حليقى الرؤوس.

يتصدر هذه التماثيل تمثال ضخم للإله آمون فوق مركبه المقدس، تعانقه أشعة الشمس فتنعكس على وجوه الجموع المحتشدة على الجانبين، على يمينه ينتصب تمثال زوجته موت وعلى يساره تمثال ابنه خنسو. يحملها ثلاثون كاهنًا يرتدون رداء جلد الفهد، يبدأون الموكب البرى من قدس الأقداس بداخل المعبد ثم يخرجون من الصرح الثالث عبر البوابة الأمامية لمعبد الكرنك ويصلون إلى شاطئ النيل خلف عربة الملك والملكة والأمراء، وهناك يضعون الآلهة فى الزوارق المقدسة خلف الزورق الملكى فى موكب مهيب يتجه جنوبًا ضد التيار باتجاه معبد الأقصر وفى العودة عن طريق الكباش.

الاثنين

الوجه الآخر للإبداع

تمثل الترجمة الجسر الحضارى للوصول إلى الآخر والتعرف إليه وفهمه والإفادة من ثقافته. تمثل الترجمة مشروعًا مهمًا فى مشوارى الأدبى لذا أقوم بتخصيص يوم الاثنين لمراجعة الترجمة.

بعد سنوات من المشروعات المتتالية وجدت نفسى أفكر فى حال المترجم وعمله؛ يقوم المترجم بدور الخبير فى التفاعل بين الثقافات، وفى نفس الوقت هو المسئول الوحيد عن نجاح هذا التفاعل، وكذا عن فشله فى مد ذلك الجسر إلى الثقافة الهدف.

تلك المسئولية تُلقى على عاتق المترجم الذى يمثل المَعبر الذى تمر من خلاله الثقافات بشتى علومها ومعارفها إلى ثقافة أخرى، لا نقل إنها تفتقر إلى تلك المعارف، ولكنها تحتاج بشكل أو بآخر بأن تطلع على الإصدارات الجديدة فى تلك المعارف الأجنبية، هذا إذا وضعنا نصب أعيننا أن اللغة الهدف قد واكبت مسيرة الثقافة المنقولة، وتحتاج من آن لآخر أن تتعرف إلى ما وصلت إليه من جديد.

إن النص ليس سلسلة من جمل منفصلة، إنما هو وحدة معقدة ومتكاملة تترابط فيه الجمل لتكوين وحدة واحدة، تنطوى على معنى ورسالة جوهرية للنص. يظهر التأثير الخطابى على المتلقى بين اللغة الأصل واللغة المترجم إليها لمحاولة فهم النص الأصل وعند انشاء النص المترجم.

يكون المترجم تحت تأثير عوامل انفعالية ونفسية وأيديولوجية يمكن أن تتدخل فى عملية الترجمة.

الثلاثاء

ما هى السعادة؟

يسعى الإنسان إلى الوصول إلى السعادة بوصفها أعظم طموحاته فى الحياة، وفى مشواره الحثيث بحثًا عنها ربما يصادف عراقيل ومشكلات تدفعه للوصول، بدلا منها، إلى التعاسة. لكن ما هى السعادة؟

هل هى إحساس أم حالة نفسية أم ذهنية؟ هل هى حالة مؤقتة أم دائمة؟ ولو كانت مؤقتة فلماذا لا تكون دائمة؟ هل بإمكان الإنسان التحكم فى ذلك؛ أن يحولها من الحالة المؤقتة إلى الحالة الدائمة؟

ربما لا يخطر ذلك التساؤل فى ذهنه، وهو ما يجعله فى حالة البحث الدائم. يظن الكثيرون أن السعادة فى تحقيق الثروات، وآخرون يكرسون حياتهم فى إنجاب الأطفال، وغيرهم فى تحقيق النجاح فى العمل. ربما كانت السعادة الحقيقية فى مزج كل تلك العناصر.

الجانب الأخطر فى الموضوع ضياع السعادة بعد تحقيقها، التعاسة بعينها؛ بمعنى أن يتحول المال إلى نقمة أو يتحول الأبناء إلى عناصر هدامة لأنفسهم ولمجتمعهم، أو تأتى الكارثة فى مجال العمل بعد تحقيق النجاحات. وربما كانت السعادة الحقيقية فى التسليم بكل ما ينتاب الإنسان من سعادة أو تعاسة فى حياته لكن ذلك لن يوقف طموحاته وسعيه نحو الأفضل.

الأربعاء

الجاحدون الجدد

يستغل الكثيرون منصات التواصل الاجتماعى فى إنكار الثابت فى القرآن والسنة أو نقده من أجل حصد المئات من علامات الإعجاب أو ركوب التريند، ذلك الفعل يرفع من شأنهم، من وجهة نظرهم، لكنه فى الحقيقة يحولهم إلى جاحدين أو كفار جدد، أو مرتدين، يظنون أن الحداثة أو العصرنة تحميهم من عقاب إلهى مرتقب.

لا تعتبر تلك الأفعال بحثًا عن الحقيقة بقدر ما تعتبر إنكارًا للثابت فى عصر التحولات.

فمهما بلغ بالإنسان التطور والحداثة ما تزال لديه موروثات دينية لا يمكن خلخلتها إذ إن التحولات لا يمكن أن توفر له الطمأنينة والسلام النفسى الذى يحققه الإيمان بالله وكتابه وسنة نبيه، وكلما جنى من التطور نجاحات خسر هدوءه النفسي، وكلما أنكر الثابت فى الدين ارتبكت نفسه وتحطمت فوق آليات العصرنة.

الخميس

ارتباكات الوعى فى عالم متغير

تجابه المواطن فى هذا العصر ارتباكات فى الوعى أثناء محاولاته للوصول إلى حقائق الحياة، تمثل تلك الحقائق التحدى الأكبر الذى باتت مسألة فهمها والوصول إليها غائمة وباهتة، وبرغم كل هذا تظل حقائق الحياة لا تتغير إذ إنها موجودة فى الوعى ولو دقق لوجدها، لكن ما هى حقائق الحياة؟

هى الاستقرار النفسى والنجاح، وفى معرض السعى لتحقيقهما يرتبك الوعى ومن ثم تغيب الحقائق وتأتى بدلا منها الفروض النفسية والفشل، ولو تعاظمت تلك الحالة لضاع المواطن فى متاهات الواقع المتغير. لذا لابد أن يعد لنفسه متكأ يدعمه الوعى دون الاستسلام للارتباكات التى تتسبب فى ضياعه.

الجمعة

تعانق الحضارات

يمثل يوم الجمعة العيد الحقيقى للمسلمين تتجلى فيه مسألة تعانق الحضارات وخصوصًا فى مدينة الأقصر، أو «لُقصُر» كما ننطقها، نحن، أبناء الأقصر. فى مسجد «أبو الحجاج» الذى يحتضنه معبد الأقصر يتوافد المصلون يوم الجمعة لأداء الصلاة وفى نفس الوقت يتوافد السائحون من كل الجنسيات لزيارة المعبد، تتسامق مأذنة المسجد كما تتسامق أعمدة المعبد.

ذلك المشهد الذى تتحقق فيه مسألة تعانق الحضارات، يسعى كل من المسلمين والسائحين لدخول المسجد أو المعبد بهدوء وسكينة، فتتجلى الطمأنينة فى نفس المكان وتبعث الروح لتحقيق الغذاء الروحى والثقافى فى آن واحد. تتميز الأقصر بذلك التجلى وترسل رسائل للعالم كله بأنها النموذج الأمثل أو الوعاء الحضارى والثقافى والدينى لتتحقق قضية التعايش فى أبهى صورها.

روائى ومترجم