أبو الحسن الجمال يكتب: الانتصار بين محمد علي والسادات

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

صدر مؤخراً عن سلسلة «اقرأ» العدد 826 عن دار المعارف كتاب «الانتصار والازدهار بين محمد على والسادات» لشيخ المحررين العسكريين عبده مباشر الذى عرفته الحياة الثقافية والصحفية على مدار 64 عاماً منذ التحق ببلاط صاحبة الجلالة فى مؤسسة أخبار اليوم مصنع الرجال ثم فى مؤسسة الأهرام وحتى اليوم.

وقد شارك بقلمه وجسده فى المعارك والجولات التى خاضتها مصر خلال هذه الفترة؛ فى حرب اليمن وفى حرب الاستنزاف من خلال المجموعة 39 قتال وقد كُرِّم بعد ذلك ومنحه الرئيس السادات رتبة المقدم الشرفية، ثم شارك فى حرب أكتوبر وشاهد بعين رأسه صلابة المقاتل المصرى الذى تحدى الصعاب وأنهى أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى كثيراً ما ردد بأنه «الجيش الذى لا يقهر»، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أصدر كتابه الضخم «يوميات أكتوبر فى سيناء والجولان».

ومن ثم تتابعت إصداراته الأخرى التى تناولت العسكرية المصرية وتاريخها ومعاركها ورجالها. ومنها كتابه الأخير – موضوع مقالنا- الذى يواصل فيه إبراز دور الجيش المصرى العريق منذ عصر محمد على الذى تولى حكم مصر فى فترة عصيبة أعقبت خروج الحملة الفرنسية حيث سادت الفوضى فى كل مكان وروع الشعب المصرى وتم تهديد أمنه وأمانه، فاختار الشعب محمد عليّ بشروطهم ورضخ السلطان العثمانى فى النهاية.

اقرأ ايضاً| عاطف محمد عبد المجيد يكتب: تنذكر ما تنعاد أن تذهب إلى الأمل لترتمى فى أحضانه!

وففى البداية وجد محمد على أن مكانه تحيط به الأخطار من قوى متعددة، مثل الانجليز الذين أرادوا غزو مصر عام 1807، فردهم الشعب المصرى فى رشيد، ثم خطر المماليك الذين شكلوا تحديا خطيراً له فدبر لهم مذبحة القلعة عام 1811.

ومن ثم فقد صمم على تأسيس الجيش المصرى وفى البداية استعان بالسودانيين ولما فشل فى تجنيدهم، لجأ فى النهاية إلى تجنيد المصريين الذين أثبتوا جدارة فائقة، كما استعان فى تدريبهم بالخبراء الأجانب من أمثال سليمان باشا الفرنساوى.

كما أنشأ محمد على المدارس الحربية فى كل مكان من أرض القطر المصري، كما أنشأ المصانع التى تخدّم على الجيش، وتوفر له احتياجاته من الأسلحة والمعدات والذخائر والسيوف والرماح، وكان محمد على يمتلك إرادة قوية وذكاء خارقاً وقيادة حكيمة، فلم يشأ أن يعتمد على الخارج فى هذه الأمور الشائكة، إلا فى الخبرات فقط، فتجنب الاعتماد على الخارج بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج وآثار سلبية، ويذكر المؤلف انجازات محمد على فى هذا المجال،.

ثم تحدث المؤلف فى كتابه عن أول اختبار وضع أمام الجيش الوليد فى حملة الحجاز لكبح جماح الوهابية 1811 – 1818فحقق انتصارات باهرة ثم أعقبها انتصارات أخرى فى حملة فتح السودان 1820- 1822، وانتهت الحملة بضم السودان إلى مصر وقد شجع هذا الفتح العلماء والمكتشفين لتنظيم رحلات علمية لاكتشاف منافع النيل وأواسط إفريقيا، وكان من أهمها الرحلات الثلاث المتعاقبة للبكباشى المصرى سليم بك قبطان أحد ضباط البحرية المصرية التى كانت نتائجها موقع تقدير علماء الجغرافيا.

ثم الاشتراك فى حرب المورة فى اليونان 1821- 1828، والتى بدأت بعد أن ساءت أوضاع القوات التركية فى اليونان نتيجة للثورة اليونانية التى وجدت تأييداً أوربياً، بل وتطوع كثيرون فى مقدمتهم لورد بيرون للاشتراك مع الثوار.

ومازالت الانتصارات تتوالى فى سوريا فى الفترة 1832 – 1839، وخاض معارك مجيدة فى عكا وفى حمص واستولى على دمشق وكافة المدن فى الشام، ثم اتجه الجيش المصرى شمالاً إلى حلب وحماة والتقى مع الجيش العثمانى وخاض معه معركة كبرى فى «بيلان»، ثم فى معركة «قونية» فى ديسمبر 1832.

والتى انتهت بانتصار مصرى ساحق ووقع القائد التركى أسيراً فى أيدى القوات المصرية، وكان للهزيمة الساحقة فى قونية تأثير سيء على الباب العالى والقيادة العسكرية التركية ثم انتهى الأمر بصلح كوتاهية الذى أعطى السلطان العثمانى الحجاز وكريت إلى حكم محمد على ومنح ابنه إبراهيم باشا ولاية سوريا وعكا ودمشق وحلب وطرابلس بالإضافة إلى تعيينه محصلاً لولاية أدنة.. واستمرت الهدنة حتى عام 1839 ثم تجدد القتال مرة أخرى فى معركة نزيب (نصيبين)، وفيها هزم الجيش العثمانى هزيمة ساحقة وكانت الهزيمة بالغة الأثر، وفى أعقابها قام أمير البحر أحمد فوزى بك بتسليم الأسطول التركى بكامل قطعه إلى الحكومة المصرية فى الميناء الغربى بالإسكندرية.

وكان يتكون من 20 قطعة كبيرة تحمل 21 ألفاً من البحارة و16 ألفاً من المشاة. وكان الجيش المصرى قاب قوسين أو أدنى من بلوغ القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية لولا تدخل الدول الكبرى التى أدركت ثقل قوة محمد على فى شرق المتوسط فساعدت فى إجهاض هذه التجربة فى معاهدة لندن فى 5 يوليو 1840 والتى أدت إلى تقوقع مصر داخل حدودها.

ويذكر المؤلف أن أمجاد الجيش المصرى فى عهد محمد على قد أكسبه خبرات ميدانية، وفى عهد خلفائه أحرزت انتصارات أيضا فى حرب القرم وفى حملة المكسيك فى حرب الحبشية وإنشاء امبراطورية فى إفريقيا زمن الخديو إسماعيل.

وفى الباب الثانى من الكتاب تحدث المؤلف عن الرئيس محمد أنور السادات والذى استطاع أن يحقق نصرا مؤزراً على إسرائيل فى السادس من أكتوبر عام 1973، وتحدث المؤلف عن دور السادات فى صناعة ثورة يوليو وإيثاره الابتعاد عن الصراعات بعد ذلك بعبقرية وحنكة لم تتوافر لغيره من ثوار يوليو.

ثم رسم المؤلف صورة للرئيس السادات على مدار 18 عاماً فى ظل نظام سلفه الرئيس جمال عبد الناصر فقال: «لقد طوى صدره على آلام وأحزان كثيرة، كما صبر كثيراً، واستخدم كل ما يملك من ذكاء ودهاء لكى يواصل الحياة بجوار عبد الناصر دون أن يأخد موقفاً يحسب ويحاسب عليه».

كان أول تحد واجه الرئيس السادات هو تحرير التراب المصرى الذى دنسه العدو منذ ثلاث سنوات.. كان جرح 5 يونيو 1967 عميقاً ونازفاً وموجعاً بقسوة، وساد الاقتناع بأن تحرير الأرض المحتلة سيكون علاجاً.. كانت إسرائيل تقف على قمة ثلاث انتصارات عسكرية متتالية، وتستفيد اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وديموجرافياً من الأراضى التى استولت عليها.. فى حين كانت مصر مرهقة اقتصادياً بعد خوضها لهذه الحروب، ولكن إرادتها لم تنكسر أبداً رغم التحديات التى واجهتها فى هذه الفترة.

ويشرح المؤلف الواقع السياسى والاقتصادى والعسكرى بدقة متناهية لأنه كان شاهداً عيانا منها وقريباً من مراكز صنع القرار لذا جاءت معلوماته المركزة والشديدة الدقة. وتحدث أيضاً خطة الخداع الاستراتيجى لإسرائيل والعالم أجمع واستفاد من كل الظروف وتابع كل هذا بدقة وحرص..

وعلى نتاج خطة الخداع الاستراتيجى فوجئ العالم كله بانفجار الموقف واندلاع الحرب الشاملة ظهر العاشر من رمضان 1393 /السادس من أكتوبر 1973، وأصيب العالم بالدهشة وذهلت إسرائيل وتعرضت سياسة الوفاق بين القوتين العظميين لموقف صعب حيث رفعت أمريكا حالة التأهب النووي.

ونتيجة لهذا عدّلت سياستها فى الشرق الأوسط وحدث توافق وانحياز الغالبية العظمى لدول أفريقيا للجانب العربى ووجه استخدام العرب لسلاح البترول وارتفاع أسعاره ضربة موجعة للاقتصاد والنمو الصناعى فى العالم، أما بالنسبة لإسرائيل فقد تضاءل حجمها ووزنها فى العالم وعرف العالم مدى اعتمادها على الولايات المتحدة.

ويذكر المؤلف أن خطة الحرب لم تكن أساساً مبنية على الحصول على المفاجأة فقط، بل إن قيمة المفاجأة أنها قللت من الخسائر المصرية وأحدثت خسائر أكثر فى إسرائيل.. وأوضح أن مدة الحرب الفعلية كانت 23 يوماً منها 17 يوم قتال رسمى والباقى بعد صدور قرار وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر 1973، وقام المؤلف بتقسيم هذه المدة إلى خمس مراحل.

ويثبت تصريح موشى ديان والذى تمت إذاعته من إذاعة إسرائيل يوم 14 أكتوبر 1973، قال فيه: «إن إسرائيل تخوض الآن حرباً صعبة، معارك الدبابات فيها قاسية، ومعارك الجو مريرة، إنها حرب ثقيلة بأيامها، وثقيلة بدمائها».  

ثم أنهى الكاتب عبده مباشر كتابه بتخصيص فصل عن إعجاب السادات بمحمد على وابنه إبراهيم باشا الذى حقق الانتصارات فى كل معاركه وعندما كان إبراهيم باشا يزور أوروبا كانت أقواس النصر تستقبله على امتداد الطرق التى يمر بها ومسجل عليها أسماء المعارك التى انتصر فيها وهى بالعشرات فى أفريقيا وآسيا وأوروبا.