بعد فيديو «القطرة الهندية الملوثة» .. تحذير للأطـباء: الكلام عن الدواء له حدود

القطرة الهندية الملوثة
القطرة الهندية الملوثة

 

السوشيال ميديا مجتمع واسع يصعب السيطرة عليه وكذلك يصعب تحديد محتواه إذا كان صوابا أم خطأ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالصحة وتأتى التوعية من المختصين، فمنذ أيام حذر طبيب مصرى مقيم فى نيويورك، عبر مقطع فيديو حصد ملايين المشاهدات، من استخدام نوع من قطرات العين، مؤكدا احتواءها على بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية وتسببت فى وفاة شخص وإصابة ثلاثة آخرين بالعمى. تواصلت آخرساعة مع الطبيب للوقوف على صحة المعلومات المتداولة، كما تحدثت مع المختصين بشأن الدواء بمصر لمعرفة تداعيات هذا الأمر بشكل دقيق والتأكد من مدى قانونية قيام الأطباء بالتحذير دون إذن الجهات المختصة.

بدأت الحكاية عندما قام الدكتور وليد شوقى عطية، الباحث بكلية الطب جامعة نيويورك، بنشر فيديو تحذيرى شديد اللهجة على صفحته الخاصة التى تحصد ملايين من المتابعين، ليؤكد أن هناك نوع قطرة متاحة بالأسواق ومعروفة باسم إيزرى كير، وللعلم فهذه القطرة من إنتاج شركة هندية وهى نوع من القطرات المستخدمة كبديل للدموع ووجد أنها ملوثة ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية وتسببت فى إصابة 55 حالة بأعراض شديدة مع ثلاث حالات أخرى أفقدتها البصر ووفاة حالة واحدة، وتم سحبها من جميع الأسواق بالولايات المتحدة، ويوضح لنا الدكتور وليد أن الخطر يكمن فى قيام هذه الشركة بالتصدير للعديد من الدول الأخرى، لذا وجب التنويه وتوجيه التحذير لجميع المواطنين فى كل دول العالم دون قصد جهة محددة، وعلل ما قام به من تحذير دون توضيح أن الحالات مقصورة على السوق الأمريكى، وأنه لم تظهر حالة فى المنطقة، بأنه لا يستطيع أن يحصى أو يعلم عدد الدول التى تصل إليها القطرة تحديدا ومن الجائز ألا يتم توفيرها فى بلاد بعينها، لكن قد يحصل عليها بعض المواطنين أثناء السفر أو بأى طريقة أخرى.

يضر بسوق الدواء

من جانبه، يرى الدكتور ثروت حجاج، عضو نقابة الصيادلة، أن ما قام به الطبيب بالتحذير بهذه الطريقة يضر بسوق الدواء واسم الشركة المنتجة، خاصة أن الخطأ فى بعض التشغيلات الخاصة بالأدوية أمر وارد فى العالم أجمع، ويمكن للشركة أن ترفع قضية على الطبيب وتعرضه للمساءلة القانونية، خاصة أنها اعترفت بالخطأ وسحبت المنتج من الأسواق، بالإضافة إلى أن التوعية أو التحذير بأى أمور تخص الدواء يخضع لجهة واحدة فقط وهى هيئة الدواء المصرية التى تقوم بدورها على أكمل وجه فى متابعة سوق الدواء المحلى والعالمى باستمرار، كما أنها فى حالة اكتشاف أى خطأ فى تركيب الأدوية فتقوم فورا بتوزيع ما يعرف بـاالتعميمب على جميع الجهات المختصة وعلى الصيدليات فى كل المحافظات، موضحة اسم الدواء وشكل العبوة السليمة والمغشوشة بالإضافة لرقم التشغيلة ونسبة التركيز وجميع البيانات المتعلقة بالدواء للتأكيد على الصيادلة من سحبه من أرفف الصيدليات وعدم بيعه للجمهور لتحقيق الأمانة العلمية والالتزام القانوني، ولكن لا يصح التشهير بالشركات بهذا الشكل ودور الطبيب يقتصر فقط على عدم وصف الدواء للمرضى، ولا يحق له أيا كان الخطأ أن يُحذر من تلقاء نفسه، حتى لا تحدث حالة من الخوف والقلق من المواطنين تجاه جميع الأدوية بدون وعي، كما أن ذلك يمنع الشركات فيما بعد من الإبلاغ عن الخطأ ما يتسبب فى وقوع ضحايا.

يستحق المساءلة القانونية

من جهته، استنكر الدكتور أيمن سالم، أمين عام نقابة الأطباء السابق، نشر الأطباء للتوعية الطبية على صفحات السوشيال ميديا دون الحصول على إذن بذلك، منوها بأنه يجب على أى طبيب عند اكتشافه خطأ طبيا أو تصنيعيا فى أحد الأدوية العودة للجهات الرسمية والرقابية لنشر التوعية من خلالها وتوضيح كل ما يخص هذا الدواء لعدم نشر الذعر بين المواطنين. مضيفا أنه إذا قام الطبيب بغير ذلك، فهو فى هذه الحالة يستحق المساءلة القانونية سواء كان ذلك على المستوى النقابى أو الجنائي، وقد يصل الأمر لشطبه من النقابة، لكن فى حالة وجود الطبيب خارج البلاد فيحق للشركة المنتجة للدواء أن تشن دعوى قضائية ضده ليحاسب على نشر التحذير دون الرجوع للجهات الرسمية خاصة فى حالة قيام الشركة بالاعتراف بالخطأ وتدشين منشور رسمى لذلك.

فيما يقول المستشار كمال يونس، المحامى بالنقض، إنه فى حالة قيام الأطباء بالتحذير تجاه دواء ما والتأكيد على أنه غير صالح للاستخدام، ثم يثبت بعد ذلك أن هذا التحذير ليس له أساس من الصحة بناء على رد وتوضيح هيئة الدواء المصرية، فيعد هذا الأمر جريمة يعاقب عليها القانون، ويجوز هنا القبض على الطبيب وعرضه على النيابة للحكم عليه بالسجن مدة محددة أو للخروج بكفالة، أما فى حالة وجود الطبيب خارج مصر، فمن الممكن التقدم ببلاغ ضده للنائب العام ثم تتجه النيابة للتأكد من الأمر من خلال هيئة الدواء المصرية لمعرفة مدى صحة التحذير، فإذا كان الأمر صحيحا فيتم حفظ البلاغ، وفى حالة إن لم يكن الأمر كما وصفه الطبيب فيتم توجيه له تهمة نشر أخبار كاذبة أو بلاغ كاذب وحينها يتم إخطاره عن طريق وزارة الخارجية ليقوم المحامى الخاص به بالرد القانونى على القضية وقد يمكن أن يصل الأمر إلى العقوبة بالسجن لمدة تحددها النيابة العامة.

التوعية المجتمعية

وفى السياق، تشير سارة السنطاوي، المحامية وخبيرة الاستشارات القانونية، إلى أن مفهوم الأدوية المغشوشة أو الفاسدة يخضع لغياب المادة الفعالة أو وجودها بنسبة ضئيلة غير فعالة أقل من النسبة المنصوص عليها فى ملف التشغيل، وفى هذه الحالة يتم إبلاغ هيئة الدواء المصرية لتقوم بدورها الرقابى للتحقق من ممارسات التصنيع والتداول والحفظ، كما يحق للطبيب تقديم التوعية المجتمعية للمرضى بخصوص الدواء الذى يدعى أنه فاسد أو مغشوش بشرط أن تكون تصريحاته قائمة على مستندات وحقائق وبدون إثارة الذعر أو البلبلة، وفى حالة الادعاء دون الحصول على هذه الحقائق يكون بذلك يقع تحت طائلة المسائلة القانونية ولابد من القيام برد اعتبار المؤسسة أو الشركة المنتجة للدواء المُحذر منه، وذلك وفقًا للمادة 44 بالباب الرابع للميثاق العالمى للإخلاقيات الطبية والصحية ضمن مكتبة حقوق الإنسان، كما نصت المادة 45 على أنه يجب على الطبيب أن يساعد المجتمع فى التعامل مع عناصر تعزيز الصحة والوقاية من المرض وحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية وأن يكون على مستوى المسئولية فى قيامه بالتوعية والتثقيف الصحى للمجتمع فى مجال تخصصه.

مصر آمنة

من جانبه، يوضح محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، أنه فى يوم 2 فبراير حذرت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية من استخدام هذه القطرة المصنوعة بالهند لأنها يمكن أن تحدث تفشياً لبكتيريا مقاومة لأدوية المضادات الحيوية، وأكد أن هذه القطرة تعد من أنواع قطرات الدموع الاصطناعية، وقد صرحت هيئة الدواء الهندية بأنه من المحتمل أنها تحمل بالفعل نوعا من البكتيريا وأن الشركة لم تلتزم بممارسات التصنيع المتعارف عليه فى العالم أجمع، وأشارت إلى أنها تعاونت مع مركز السيطرة على الأمراض والوقاية فى أمريكا CDC للتأكد من الأمر ووُجد بالفعل تفشى بكتيريا نادرة فى القطرة وأن عدد المصابين وصل لـ55 شخصا فى 12 ولاية أمريكية. وعلى ذلك أصدرت الهيئة الهندية قرارا بوقف توزيع وبيع القطرة وتم التحقيق مع الشركة المصنعة للوصول لسبب تفشى هذه البكتيريا، وقد قامت دول أوروبية - رغم عدم توافر القطرة لديها - بالتعرف على نوع البكتيريا الموجودة فى عبوات القطرة المتاحة بالولايات المتحدة لأخذ الحذر مبكرا قبل التعرض لأى أخطار.

وأكد فؤاد أن مصر لم تتعرض لأى نوع من أخطار هذه القطرة لعدم توافرها فى البلاد من الأساس، رغم احتمالية دخولها بطرق غير مشروعة، إلا أنه لم تحدث أى إصابات أو شكوى تشير إلى ذلك.

فيما أكد الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية بالقاهرة، أن مصر لا تستورد هذه القطرة، ورغم أهميتها فى ترطيب العين عند الإصابة بالجفاف، فإن المشكلة ليست فى المادة الفعالة بها، بل فى طريقة التصنيع والتعبئة التى تمت فى منطقة ملوثة ولم يتم تعقيمها بالشكل السليم، ما أدى لانتشار هذه البكتيريا والميكروبات الخطيرة والمسببة لمشكلات جسيمة بالعين، مؤكدا قيام هيئة الدواء المصرية بمتابعة الأسواق باستمرار وتتبع دخول أدوية مهربة لمصر والقيام بتحريزها فورا فلا داعى للقلق، مشيرا إلى أن أعراض الإصابة بالبكتيريا الموجودة بهذه القطرة، بحسب المصابين، تبدأ بحساسية شديدة بالعين مع وجود احمرار واحتقان بها ثم يتطور الأمر ويصبح أكثر خطورة مع الاستخدام، ما يؤدى لفقدان البصر.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 12/4/2023

أقرأ أيضأ : دراسة حديثه| «القيلولة» سبب في الإصابة بضربات القلب غير المنتظمة