فى الصميم

عودة سوريا.. والخروج من النفق!

جلال عارف
جلال عارف

لا شك أن عودة سوريا الشقيقة لأحضان أمتها العربية، والنهاية المرتقبة لمأساة اليمن، ستكونان الإشارة الأهم لنهاية مرحلة صعبة غاب فيها العمل العربى المشترك، وتركت فيها الساحة العربية لصراعات «الآخرين» على أرضها، وتم تبديد الطاقة العربية فى صراعات داخلية استهدفت الدولة الوطنية والنظام العربى معاً، ولم يكن غريبا وفى ظل كل ذلك..

أن تتباهى قوى خارجية بأن أعلامها تغزو العواصم العربية، وأن نجد مسئولين عربا «يكتشفون» فجأة أن العروبة خرافة، وأن التحالف مع الأعداء أو استخدام المرتزقة هو الضمان.. لتكون النتيجة سقوط نصف الوطن العربى فى الفوضى والدمار، وتباهى القوى الإقليمية بسلطتها فى العالم العربى، وانكشاف الأمن العربى كله.. ولولا ثورة شعب مصر التى أسقطت حكم الإخوان وتصدت لميليشيات الإرهاب والمحاولات الخارجية لرهن إرادتها.. لكانت المؤامرة قد تم استكمالها، ولكان الوطن العربى كله قد دخل النفق المظلم الذى يعيده للعصور الوسطى.

أحداث هائلة مرت بالوطن العربي.. ولا شك أن الدرس كان مؤلماً ومكلفاً، وأن استيعابه فرض واجبا على الجميع، حتى نستكمل التصحيح ونفتح باب التعامل مع تحديات الحاضر وآفاق المستقبل بوعى كامل بأن الحرص على الدولة الوطنية هو حجر الأساس لعمل عربى مشترك بين أقوياء، وأن بناء القوة الذاتية العربية هو وحده الذى يحمى الأمن ويجعل التقدم ممكناً، وأن الغياب وترك الساحة للآخرين كان خطيئة دفعنا ثمنها، وأن التحالفات المريبة لا تحقق أمناً ولا استقراراً بل تثبت دائماً أن المتغطى بالدعم الخارجى.. يظل عريان!!.

هناك الآن ظرف طارئ يضغط على الجميع.. الحرب فى أوكرانيا والأزمة الاقتصادية العالمية، وتجدد الصراعات بين القوى الكبرى.. كل ذلك يفرض تحركاً عربياً فاعلاً لحماية المصالح الذاتية، ولمواجهة المتغيرات العالمية والتعامل معها بحكمة، ولضمان ألا تتكرر مآسى الماضى وتدفع المنطقة مرة أخرى فواتير صراعات الآخرين أو ثمن غياب القدرة العربية على حماية الأمن العربى ومواجهة التحديات وصد المخاطر.

جهود التهدئة مع تركيا وإيران مهمة وضرورية.. لكن القوة العربية هى القادرة على أن تجعل كل الأطراف تلتزم بما تعهدت به. وأن ينتهى التدخل الخارجى الذى فجر الأوضاع فى سوريا واليمن ولبنان وليبيا.. التعاون وعدم التدخل فى شئون الدول العربية هو المفتاح لعلاقات تفيد الجميع مع تركيا وإيران.. وأظن أن الدولتين الجارتين قد استوعبتا نتائج السنوات الصعبة وأن اللعب على الطائفية والمذهبية لم يعد يجدى، وإحياء الإمبراطوريات القديمة هو المستحيل بعينه، وأن طى صفحة التدخل فى العالم العربى أصبحت واجبة قبل أن يرتد السهم إلى أصحابه!

ويبقى الأهم.. وهو أن تدرك كل الأطراف العربية أنها - والعالم كله - فى أوضاع استثنائية، وأن القادم لن يكون سهلاً إذا لم نفعل العمل العربى المشترك لمواجهة التحديات.

الحرب الباردة بين القوى الكبرى بدأت بالفعل، والصراع بين أمريكا وبين الصين وروسيا سوف يحتدم. أمريكا التى كانت تريد الانسحاب من الشرق الأوسط تعود إليه، وروسيا تجدد علاقاتها القديمة وتعزز مواقعها، والصين تترجم قوتها الاقتصادية الهائلة إلى نفوذ سياسى عالمى. وأمريكا تكتشف أن رهانها على أن الشرق الأوسط لم تعد له أهمية استراتيجية أو اقتصادية هو رهان خائب. الحرب فى أوروبا ليست بعيدة عن البحر المتوسط، وأوهام الاستغناء القريب عن بترول وغاز المنطقة سقطت تماماً ولسنوات بعيدة.. كلهم عائدون وعلى العرب أن يكونوا مستعدين للتعامل من موقف القوة والاستقلال لضمان الأمن وحماية المصالح.

القمة العربية القادمة فى الرياض قد تكون موعدا لعودة سوريا لمقعدها فى الجامعة العربية وقد تسبقها المصالحة الكاملة فى اليمن. هذه كلها علامات صحة تشير إلى قرب حل مأساة لبنان وإنهاء مخاطر التدخل الأجنبى فى ليبيا.. وتبقى المهمة الأساسية وهى إعادة الحياة للعمل العربى المشترك ليكون طريقاً لبناء القوة العربية القادرة على مواجهة التحديات.. هناك فرصة ويجب استغلالها.. والقوى العربية الرئيسية تستطيع ذلك لو أدركت أن البديل هو تكرار الغياب العربى ونتائجه الكارثية حين كان البعض يتباهى بأنه اكتشف أن العروبة خرافة.. وياله من اكتشاف!.