كيفك أنت

محمد عدوي يكتب: عندما تحول المشاهد لمؤلف

محمد عدوي
محمد عدوي

بقلم: محمد عدوي

الحقيقة أن ما يحدث مع مسلسل “جعفر العمدة” الذي يقوم ببطولته محمد رمضان يحتاج إلى دراسة، الحلقات الأخيرة والتي تصاعدت فيها الأحداث بشكل كبير تؤكد أن المسلسل ترك أثر إيجابي عند جمهوره، الجماهير التي تتحول كل ليلة لكتاب سيناريو، الذين يحاولون في كل حلقة توقع الأحداث المقبلة، الذين ينسجون خيوطا بعضها يصيب والبعض الآخر يظل اجتهادات، هذه الحالة لا أظن أنها حدثت مع عمل درامي منذ سنوات، الحالة التي يتوحد فيها الجمهور مع أبطال العمل وأحداثه تستحق التوقف عندها، هذه الحالة ليس لها علاقة برضاك عن أداء أو أحداث المسلسل نفسه، وليس لها علاقة بأي طرح أو توقعات خاصة، ليس لها علاقة بمعايير فنية أو أخلاقية، هذه الحالة تحتاج إلى دراسة وتحليل.. تحول المشاهد إلى مؤلف ظاهرة جديدة وصحية تماما.

ربما تنخدع بما ينشره البعض من احتلال عمله لـ”التريند” وتصدره وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي ينتشر منذ سنوات ويراه البعض نوعا من أنواع الدعاية المدفوعة، حتى أن ممثل كوميدي أكد في تدوينة له أن مسلسله الذي لا يراه أحد تصدر “التريند”، وعندما فشل في إقناع الناس افتعل مشاجرة في مكان التصوير وسربها، ولم يفلح أيضا في التأكيد على تفوقه.. الناس لم تنخدع يا “إكسلانس”. 

لكن إذا تابعت بنفسك مواقع التواصل الاجتماعي ستجد حالة “جعفر العمدة” وقد انتشرت انتشار النار في الهشيم، ستجد عناوين لفيديوهات قصيرة على منصة “تيك توك” مثلا تحت عناوين “نكشف أحداث الحلقة كذا.. وماذا سيفعل جعفر مع زوجته الرابعة؟.. وكيف خلعت وداد زوجها دون أن يعلم؟.. وماذا سوف يفعل جعفر مع شوقي بعد خروجه من السجن؟.. شوقي فتح الله قال لوداد إن له عين جوه بيت العمدة تفتكروا يقصد مين..؟”، وعند مطالعة هذه الفيديوهات وغيرها ستكتشف جنوحا غير طبيعي لمتابعي المسلسل في نسج قصص خيالية حول الأحداث، ومتابعتها، المسلسل أصبح “تريند” يوميا منذ عرضه، وعشاق “ركوب التريند” كثر، ولهذا فالإستفادة من نجاح المسلسل وراء كل هذه الفيديوهات دون شك، وهذا مؤشر لنجاحه أيضا. 

على جانب آخر، انشغل البعض بالأحداث حتى أنهم أصبحوا يحللونها تحليلا قانونيا أحيانا، ويتحدثون مثلا عن الكيفية التي خلعت بها “وداد” لـ”سيد”، أو المبرر لخروج “جعفر” من السجن بعد ضبطه بمخدرات، البعض الآخر راح يحلل سلوكيات أفراد وشخصيات المسلسل نفسيا واجتماعيا، ويتوقع من خلال ذلك سير الأحداث ومجرياتها.. إلخ

حالة “جعفر العمدة” وإنصهار المشاهدين مع أحداثه، تعني دون شك النجاح لصناعه، وعلى رأسهم المخرج والمؤلف محمد سامي، ونجومه الذين لدى أغلبهم “كاريزما” حقيقية، حتى لو اختلفت معهم فيما كانوا يقدمونه، أو حتى فيما يقدمونه في هذا العمل نفسه، لكن لا يمكن أن تنكر أن هناك حالة من “الكاريزما” الطاغية عند أغلب نجوم العمل من هالة صدقي ومحمد رمضان ومي كساب وزينة وإيمان العاصي وأحمد داش وأحمد فهيم، حالة “جعفر العمدة” يمكن أن تكون “ربانية”، إذا وضعتها تحت مجهر المنطق والتقييم الفني في مواجهة أعمال أخرى، ويمكن أن تكون فنية بحتة إذا قمت بتفنيدها منفصلة، لتوافر عناصر نجاح كثيرة، مثل الإنتاج الضخم، والصورة المبهرة التي يقدمها نزار شاكر مدير التصوير، والسيناريو والحبكة التي تشهد صراعا تصاعديا، وبالتأكيد إخراج محمد سامي الذي أصبح رقما مهما في المعادلة الفنية، خاصة تلك التي تتعلق بالتوجه الجماهيري، لكن حالة التماهي مع أحداث المسلسل وتحول المشاهد إلى مؤلف، هي بالفعل التي تحتاج إلى تفسير.