بداية

علاء عبدالكريم يكتب: أقوى من هوسهم وتخاريفهم

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

بقلم: علاء عبدالكريم

..مؤكد لن يخدعنا التاريخ بدهائه بتكرار عودة جماعة الإخوان الإرهابية مرة أخرى إلى الأضواء، فهي بالنسبة للشعب المصري صارت جماعة «فانية»؛ بعدما اختبرهم المصريون365 يومًا فأدرك أنهم أعداء اتشحوا بثياب الأصدقاء والوطنية ليخدعونا؛ قبل أن تهب مصر كلها، نساؤها ورجالها، وكأنه عبور من حياة إلى حياة أخرى سرمدية، في 30 يونيو عندما استعاد المصريون فى هذا اليوم دولتهم بعد اختطافها، ولكن هل نسينا أم تناسينا أصحاب الماضي الأصولي والطائفي جماعة المتسلفة، التنظيم الموازي لعصابة المقطم، فالفكر الظلامي واحد في النهاية؛فهم يعتمدون في أفكارهم على إحياء تعاليم ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، والمودودي، وقطب، وغيرهم من أصحاب الانسداد التاريخي الذين عجزنا عن استئصال أفكارهم الطائفية؛ فصاروا بأفكار هؤلاء يقدسونهم وينظرون للدين بمنظار اجتهاداتهم وأقوالهم؛ وكتب التراث التي تحوي في طياتها التناقضات والخرافات، صارت تمثل في نظرهم ثلاثة أرباع الدين، رافضين للعقل أن تكون له المنزلة الأولى بين سائر أعضاء جسم الإنسان، هم يريدوننا في دنيا «اللاعقل»، أن نعيش في ماضي بلا حاضر ولا مستقبل، بأدق ماضِ يتكرر في كل الأزمنة؛ فليس عقلًا عندهم مثلًا أن يشاهد عالم الفلك بمنظاره حركة الأجرام ثم يتوقع كسوفًا للشمس أو خسوفًا للقمر أو بدايات الأشهر العربية، ينظرون إلى المنطق على أنه دجل، والفلسفة هي طب المجانين، ألم يكفر الغزالي الملقب بحجة الإسلام الفلاسفة في مؤلفه «تهافت الفلاسفة» الذي ألفه في القرن الحادي عشر، ليهاجم فيه آراء الفلاسفة ومعتقداتهم، قبل أن يرد عليه ابن رشد في مؤلفه «تهافت التهافت» مفندًا كلامه مبينًا قصور ما ادعاه؛ فهم لا يؤمنون بالتنوع الثقافي، فقط الأصولية ولا غيرها فوق المنطق والفلسفة والعلم والقانون، شوهوا شكل الدين وتناسوا أن الإسلام هو دين العقل والعلم والرحمة والتسامح والسلام؛ فإذا قادتك قدماك مثلاً إلى شارع النبي دانيال - أحد أنبياء العهد القديم، وأهم وأشهر شوارع الإسكندرية، يمتد من محطة الرمل حتى محطة مصر، قف قليلاً هنا ولا تتأسى كثيرًا على غياب بائعي الكتب القديمة والنادرة، وحضور بائعي السواك والبخور والمشابك والطُّرح.

فما قاله من قبل ابن الحويني من «هرتلة» القول - وهي كلمة صحيح أنها ليس لها اساس في اللغة لكن في القاموس الشعبي تعني هلوسة الكلام، منذ أيام قليلة مضت متهمًا الدراما المصرية بالزندقة والإباحية والفجور ومهاجمًا مسلسل «الإمام الشافعى» الذي يعرض خلال الموسم الرمضاني الحالى، زاعمًا أنهم «يمثلون دور الإمام الشافعى في مسلسل خبيث يحرفون فيه سيرته العطرة»، فلا غرابة أن نسمع هذا الشذوذ الفكري منه وقد سبق أن شبه أباه السلفي أبو اسحاق الحويني وجه المرأة كفرجها وأنها أصل الفتن والشرور وهو الذي تزوج من أربع نساء زاعمًا أنه يفعل ذلك بهدف «ستر» بنات المسلمين!

فقد تعودنا منهم دائمًا أن يهيلوا ترابًا، فوق قمم شامخة في الفن والأدب والسياسة، يصنع هرمًا، وما اختفوا، بل ظلت أعمالهم خالدة باقية، أن يشتموا ممن يعبرون عن الكبت الجنسي من وقت لآخر الفنانة الكبيرة إلهام شاهين وقبلها شتموا كوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ واصفين حياتهم بالتعاسة، وأسألهم من التعيس؟!، هل الفنان الذي انشغل بهموم وطنه وعبر عن هذا في فنه أم حفيد البنا مؤسس الإرهاب في العالم وصديق مؤسس «عبدة الشيطان» آلستر كراولى منذ عام 1927، طارق رمضان، الذي تكشف التحقيقات معه يوميًا فضائح جنسية جديدة بسويسرا مع قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 18 عامًا؟!، من التعيس؟، الذي يخدم وطنه ويسهم في بنائه ورفعته وازدهاره كلُ في مجال اختصاصه أم عناتيل المتسلفة وفضائحهم؟!

ألم يكن تخلفا منكم أنتم معشر السلفيين وكل جماعات الإسلام السياسي أنكم لازلتم ترون أن عزل المرأة وإقصائها داخل منزلها هو أمر إلهي، وإذا خرجت للضرورة من بيتها عليها أن تلبس القماش الشرعي الذي يدفنها داخل خيمة سوداء إلا من ثقبين ترى من خلالهما الطريق، ويحرمها من أبسط حقوقها الإنسانية، في أن يلمس نور الله وجهها لعله يُخرجها من كهوف الخرافة والطغيان؟!؛ فالدراسة التي أعدها الدكتور سيد زايد عضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف منذ عدة شهور مضت، وتناولت 51 فتوى صدرت من هذا التيار، تؤكد جنوح أفكارهم التي لا تحكمها منهجية فقهية ولكن تدل على فكر مضطرب وسادية؛ فقد أجازوا في فتاواهم مثلاً أن كذب الزوجة على زوجها من أجل السياسة هو كذب أبيض مباح، وأن زواج البنت في سن العاشرة حماية لها من الانحراف، واعتبرت نزول المرأة البحر زنى، ووصلت فتاواهم الشاذة إلى المطالبة بإصدار قانون يبيح للمرأة المطلقة شراء عبد ولا يدفع لها مهرًا ليتزوجها ويعصمها من الانحراف.
ستظل الدولة الوطنية المدنية مستقرة في وجدان الشعب المصري أقوى من هوسهم وتخاريفهم وفتاواهم المنتهية الصلاحية.