فصاحة القرآن أم خلقوا من غير شىء

.
.

محمد عاطف التراس

كلما قرأت قصة من قصص القوم الكافرين الذين سمعوا القرآن من النبى وصحابته أول مرة حار فيها عقلي، ورجوتُ من الله أن أقف على بيان شاف يجمع لى سر انفعال كل واحد منهم لكتاب الله وإذعانهم لتلاوته، حتى تكاد قلوبهم أن تطير!
ففى صحيح البخارى أن جُبير بن مُطعم وكان مشركًا قال: «سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: ﴿أم خُلِقوا مِن غير شيءٍ أم همُ الخالقُون * أم خَلقوا السمواتِ والأرضَ بل لا يُوقنُون * أم عندَهم خزائنُ ربِّكَ أم همُ المسيطِرُون﴾ قال: كاد قلبى أن يطير!».


لك أن تتصور أخى الكريم أن جبير بن مطعم رجل مشرك، قدم المدينة المنورة على النبى أسيرًا مع أسرى غزوة بدر، فإذا بالنبى إمامًا يصلى بالصحابة صلاة المغرب، ويقرأ سورة الطور، فقرعت هذه الآيات سمع قلبه، وكلها أسئلة لا يستطيع رجل منصف أن يحيد فى الجواب عنها، ولا بد له أن يصل إلى النتيجة التى وصل لها جبير، وهى الدخول فى الإسلام.. تأمل كيف أن القرآن فى هذا المقطع من سورة الطور وجَّه تسعة أسئلة موجزة مصدرة بالحرف «أم» لتكون هذه الأسئلة سببًا فى انتقال جبير من الكفر إلى الإسلام من غير أن يدعوه أحد، ومن غير أن يناظره مناظر فيما هو عليه من الشرك، ومن غير أن يسأل عن تعاليم الدين الذى سيكون من أهله، وما الذى يفرضه عليه هذا الدين، الأمر لم يستغرق دقائق معدودة، فما إن سمع كلام الله فى هذه الآيات حتى دخل الإسلام.


سؤال بحاجة إلى تدبر: كيف وصل جبير إلى هذه المنزلة العالية من الفصاحة بحيث يفهم كلام الله فينجمع له؟ وسؤال أهم من سابقه: لماذا صرنا نقرأ كلام الله ونسمعه ولا نتأثر له كما تأثر جبير؟ وما السبل الموصلة إلى هذا المستوى العالى من الفهم؟
إنها فصاحة العرب التى أهَّلتهم أن يفهموا كلام الله على وجهه، فمنهم من أسلم ومنهم من كفر.