فصاحة القرأن.. وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب : د. محمد عاطف التراس

اليوم مع حلقة بديعة من حلقات فصاحة القرآن التى آلينا على أنفسنا فيها أن نقدم مادة علمية فى ثوب قشيب يناسب جماهير القراء، مع التزامنا باللغة التى نرجو أن تكون فى مكانة قراء صحيفتنا الغراء،ونقف اليوم مع آية من سورة الكهف، يصف الله تعالى فيها حال أهل الكهف وكلبهم بقوله: «وكلبُهم باسطٌ ذراعَيه بالوصِيدِ»، ومحور مقالتنا اليوم هو اسم الفاعل «باسطٌ»، ولماذا لم يكن التعبير بالفعل الماضى «بسطَ» أو الفعل المضارع «يبسط»؟! .

الجواب: أن الفعل الماضى «بسط» لا يفى بالغرض المقصود من الآية؛ لأن الحدث قد وقع فى الماضى مع استمراره مدة زمنية، والماضى دال على حدث قد انتهى، وأما التعبير بالفعل المضارع «يبسط» فهو أيضًا لا يفى بالمعنى؛ لأنه دال على تجدد الفعل واستمراره، الذى يفهم منه فى لغة العرب أن الكلب يبسط ذراعيه حينًا ويقبضهما حينًا آخر، وهذا المعنى يناقض كون الكلب نائمًا.

لذا كان الأعلى فصاحة والأنسب بيانًا أن يعبر باسم الفاعل «باسط»؛ ليدل على ثبوت الكلب على هذه الهيئة من بسط ذراعيه على الدوام دون أن يقبضهما.

وأنا أكتب هذه الكلمات ويزاحم فكرى ذكرى محاضرات أستاذنا الدكتور مراد موافي، عليه رحمة الله، وكان يدرسنا النقد الأدبى بجامعة الإسكندرية، وكان قد عرض لنا هذا المعنى فى أيسر عبارة، واستشهد عليه بقول الشاعر مادحًا قومه: لا يألفُ الدرهمُ المضروبُ صِرّتَنا * حتى يمرَّ عليها وهْو مُنطلِقُ!

فانظر إليه كيف وصف قومه بالجود والسخاء والكرم بكلمات موجزة بليغة، ليسجل التاريخ قومه فى سجل الكرماء، يقول: إن قومى ممن يضرب بهم المثل فى الكرم، حتى إن الدرهم لا يستقر فى صرتهم ولا يألف جيبوهم، وإنما ينطلق كالسهم من الرمية عارفًا طريقه إلى مستحقيه من المعوزين! .

فتأمّل قارئنا الكريم كيف أن اللفظة الواحدة فى كتاب الله لا يصلح أن تسد غيرها مسدها، فالقرآن كله فى ذروة الفصاحة بحيث يصل القارئ بعد طول تدبر إلى أن هذا ليس من كلام البشر، وأن كل كلمة فيه ابتُدعت لتكون فى موقعها من الآية دون غيرها!.

اقرأ ايضاً| مع الصحابيات.. فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية