رحيق السطور: وزيــر الأوقــاف.. ناقــدًا أدبيــًا

د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف

ربما لا يعرف البعض أن د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف له باع كبير في الدراسات الأدبية والنقدية، حيث  شغل  منصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وله العديد من المؤلفات الأدبية والنقدية لعل أبرزها: «الأدب العربي في عصره الأول»، و«الفكر النقدي في المثل السائر لابن الأثير في ضوء النقد الأدبي الحديث»، و»التمرد في شعر الجواهري»، والكتاب الذي بين أيدينا الآن «الجذور التراثية للنقد الأدبي» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وهو يؤرخ لإرهاصات النقد الأدبي العربي.. فيذكر د.جمعة ان النقد شأن سائر العلوم والفنون التي تتطور عبر الزمن ليبنى لاحقها على سابقها حتى تستوى فنًا مكتمل الأركان شأن سائر نظريات التطور والارتقاء، ويوضح أن تلك الجذور التراثية لنقدنا الأدبى العربى قد شكلت منطلقا ومرتكزا قويا لنظريات النقد الأدبى العربى فى عصوره المختلفة وصولا إلى العصر الحاضر.

ويبدأ الكتاب بتعريف مفهوم النقد، وهو دراسة الأعمال الأدبية وتفسيرها، وتحليلها ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، كما يمكن تعريفه أنه هو تمييز الأدب لمعرفة جيده، ورديئه، وإخراج الزيف منه، ثم يوضح عدة الناقد الذى يشترط فيه الخبرة والدراية، وطول المدارسة.

وكثرة التحصيل، ثم يبدأ رحلة ميلاد الإرهاصات النقدية من العصر الجاهلى خلال العديد من الأمثلة.. وينوه بأن النقد فى ذلك العصر  يعد نقدا فطريا ذاتيا يعتمد على الذوق، وأن أحكامهم النقدية كثيرا ما ترد عامة مطلقة مثل قولهم: فلان أشعر الناس أو أشعر العرب ونحو ذلك.

وأن هؤلاء الشعراء لم يطلبوا من الناقد توضيح نقده أو تفسيره، مما يدل على أنهم استوعبوا ما قيل، إذ لم يكن غريبا عليهم أو غامضا عندهم، ومع انتشار الإسلام حدث تغيير فى مقاييسهم الأدبية والنقدية فصارت على أساس المقاييس والضوابط التى هذبها الإسلام، وأوضحها القرآن الكريم فى معانيه وألفاظه ونظمه وأسلوبه، حيث تأثروا تأثرا كبيرا ببلاغة القرآن الكريم وهديه على حد سواء. 


ومع تولى الأمويين الخلافة تدفقت الأموال على الخلفاء نتيجة الفتوحات، وتبع ذلك حركة أدبية منتعشة، وبات من بين خلفاء بنى أمية  وولاتهم من يتصدى لنقد الشعر والحكم بين الشعراء.. ولم تكن المجالس الأدبية والنقدية فى العصر الأموى محصورة فى قصور الخلفاء والولاة فقد انتشرت فى الشام والعراق والحجاز، واشتهر من بين هذه المجالس، مجلس سكينة بنت الحسين.

ومجلس عقيلة بنت عقيل بن أبى طالب، كما كان للشعراء مجالسهم التى يتذاكرون فيها الأشعار، ويعلق بعضهم على شعر بعض تعليقات تتجاوز المعانى إلى نقد الصور والتشبيهات، وقد أثمرت هذه المجالس ثروة نقدية هائلة تزخر بها كتب الأدب والنقد، كما كان لشيوع وازدهار فن النقائض فى العصر الأموى أثر كبير فى نهضة النقد، فإنها تقوم على مراجعة ما قيل من الشعر فى معنى من المعانى ثم نقضه بشعر آخر أبلغ وأيسر.

وفى السنة الثانية والثلاثين بعد المائة من الهجرة انتقلت الخلافة من الشام إلى العراق، ومن بنى أمية إلى العباسيين، وبدأت الحركة اللغوية فى العصر العباسى تنمو وتزدهر وأتت كلها فقد كثر أعلام اللغة والنحو وكانت مجالس الخلفاء تكتظ باللغويين من أمثال الكسائى والأصمعى والفراء واليزيدى وغيرهم فكان لابد للشعراء أن يروقهم حتى ينالوا استحسانهم.

ويرى ذلك الخلفاء منهم فيجزلون لهم العطاء، وكان بعض الشعراء يعرضون أشعارهم على اللغويين قبل إنشادها فى المحافل العظام فإن استحسنوها مضوا فأنشدوها، وإن لم يستحسنوها ذهبوا يعاودون الكرة بصنع قصائد جديدة آملين أن تظفر باستحسانهم.

وفى أواخر العصر العباسى الأول وأوائل العباسى الثانى أخذ النقد الأدبى يستقل بالبحث والتأليف على أيدى النقاد والأدباء وعلماء اللغة، فكتب محمد بن سلام الجمحى(م222هـ) كتاب «طبقات فحول الشعراء»  الذى يعد أول مؤلف يصل إلينا فى النقد وتاريخ الأدب.

وكتب أبو العباس المبرد(م285هـ) كتابا فى قواعد الشعر، وكتب أبو العباس ثعلب (م291هـ) كتابه قواعد الشعر، وكتب ابن المعتز (م296هـ) كتاب «البديع»، وكتب قدامة بن جعفر(م337هـ) كتابى نقد الشعر ونقد النثر، ثم توالت المؤلفات النقدية التى تقوم على أساس منهجى مثل كتاب الموازنة للآمدى، والوساطة للجرجانى.

وفى فصل أخير يعرض د.جمعة لأهم القضايا التى تناولها النقد الأدبى القديم من أهمها قضية اللفظ والمعنى أوالشكل والمضمون وهى من القضايا التى أخذت نصيبا وافرا من الدراسة، ثم خطأ المعانى وصوابها، ويتعرض أخيرا للاتجاه البلاغى فى النقد العربى القديم وأعلامه، رحلة طويلة وشيقة قطعها النقد العربى بمنطق النشوء والارتقاء حتى وصل إلى ما وصل إليه.

اقرأ ايضا | الأوقاف تعلن «أعلام الحضارة العربية» بالتعاون مع إذاعة القرآن الكريم الثلاثاء