يوميات الأخبار

طاهر قابيل يكتب: الواحات النادرة في غرب مصر

طاهر قابيل
طاهر قابيل

ويعتبر كهف الجارة واحدا من أندر وأجمل الكهوف التي عرفها الإنسان على مر التاريخ بسبب تكوينه الفريد، وموقعه النائى

عرفت مصر الواحات منذ أقدم العصور.. وكانت الواحة العظمى والتى تشغل منخفضا كبيرا في الصحراء الغربية عاصمتها «هيبس»، المشتق اسمها من هبت، والتى تعنى المحراث، وبجوارها واحة صغرى سميت «كنمت» وعاصمتها «دس»، والتى تعنى قطع الأرض وشقها لزراعتها. وبجوارالواحتين الكبرى والصغرى كانت واحة الفرافرة او»تا احت» أي أرض البقر. منذ فجر التاريخ سكن الإنسان الاول المنطقة وترك آثارا فى العوينات.. كانت الواحات الغربية خط الدفاع الأول ضد هجمات النوبيين والليبيين، وغزاها «قمبيز الفارسى»، واختفى جيشه المكون من 50الف مقاتل فى بحر الرمال العظيم، و حاول «دارا الأول» الذى جاء خلفه إرضاء المصريين، فبدأ ترميم وإقامة بعض المعابد. واهتم البطالمة بزراعة الواحات واستغلالها اقتصاديا، وعثر على آثار لهم بطريق واحة باريس .. وعندما اضطهد الرومان الأقباط، فر المسيحيون المصريين اليها وزرعوا الأراضى بها.. وجبانة «البجوات» أبرز دليل على تلك الفترة، وتقع خلف معبد هيبس، وبنيت على شكل قباب بجواركنائسهم، ومنها كنيسة الخروج التي بها رسوم تحكي قصة خروج بني إسرائيل، واستغلت بعد ذلك استراحات للحجاج عند ذهابهم إلى الحج، وكتب المسلمون على جدرانها ذكرياتهم.

الناضورة ودوش
يقع معبد «هيبس» شمال مدينة الخارجة، ويبدأ بمساحة واسعة كانت تعرف قديما بالبحيرة المقدسة، ثم البوابات الرومانية والبطلمية والفارسية، وفناء «نختانبو» وصالة أعمدة بها 12عمودا وأخرى مستعرضة، وقدس الأقداس. وبالقرب من هيبس معبد الناضورة على ربوة عالية، استخدمها المماليك للاستطلاع، وقد بنى المعبد بالعصر الرومانى، وما زالت به بقايا لكتابات ونقوش بارزة.. وهناك ايضا معبد الغويطة، ويبدأ بواجهة عليها نقش بطلميوس الثالث، وهو يلبس تاجى الوجهين القبلى والبحرى، وينتهي بقدس الأقداس، وفى أعلاه إحدى القلاع التى كانت تستخدم لمراقبة درب الواحات.. ويبعد معبد «دوش» عن قرية باريس23 كيلو مترا فى ملتقى الدرب الواصل إلى السودان وإسنا وبنى المعبد فى واحة دوش القديمة، وشاهدت على جدرانه نقوش وبجواره منطقة أثرية مهمة، فمدينة الخارجة القديمة كانت أبنية من الطوب اللبن وشوارعها ضيقة ومتعرجة وسقوفها من خشب الدوم والنخيل، ولكل شارع بوابة للحماية تغلق عند حدوث أي هجوم.. وبُنيت على الطراز الإسلامي وتتوسطها عيون الماء.. اما قصر الزيان فيقع جنوب الغويطة بجوار قرية بولاق.. ويرجع تاريخ بنائه للعصرالبطلمي، وقام بترميمه الإمبراطور انطونيوس بيوس، وتوجد في نهايته مقصورة عليها بعض النصوص.. وفى درب الغبارى توجد صخور رملية تأخذ أشكالا متعددة، وتحتوى على مخربشات لإنسان ما قبل التاريخ، ورسومات تصوره بعد أن عرف الزراعة وإستئناس الحيوانات.. وقرية البشندى بنيت بيوتها بالطوب اللبن، وبها معبد قديم مدفون في الرمال، أعيد ترميمه في عهد رمسيس التاسع. وتوجد مقبرة رومانية لحاكم المنطقة منقوش عليها عملية التحنيط ومحاكمة الميت.

وبالقرية مقبرة الشيخ بشندى، وكانت تستعمل ككتاب لتعليم القرآن للأطفال، وكان شيخا تركياً، وبنيت مقبرته من أحجار معبد فرعوني قديم كان بالقرية.. ويوجد ايضا أثارلمقبرة الحاكم الرومانى كتيانوس من الحجر الرملي، وعليها نقوش تمثل البعث والحساب.. وبالقرب من قرية بلاط المقامة على ربوة مرتفعة وشوارعها ضيقة ومسقوفة من خشب الدوم والنخيل والسنط، وتوجد على مداخلها لوحات خشبية نقش عليها اسم المبنى وتاريخ بنائه، ومقابرفرعونية عبارة على مصاطب، عليها بعض البنايات لمقابر رومانية ومسلتان صغيرتان.. وكانت «موط» القديمة عاصمة واحة الداخلة، واسمها «من موت» زوجة آمون، وفى وسط المدينة آثار لمعبد ما زالت بعض أحجاره موجودة ولوحة المياه الشهيرة.

«موط» وأرض البقرة
هناك ايضا قرية القصر شمال الداخلة، وكانت أول من استقبلت القبائل الإسلامية بالواحات، وبها بقايا مسجد من القرن الأول الهجرى، وازدهرت في العصر الأيوبي، وكانت عاصمة الواحات، وبها قصر الحاكم، وعدة مساجد من العصر التركى والمملوكى، وبوابة على شكل معبد تحوت استخدمت مدخلا لأحد المنازل.. وبالقرب من مدينة موط مقابر المزوقة، وهي عبارة عن جبانة من العصر الرومانى تضم مقابر منحوتة في الصخر، وعليها نقوش زاهية تصور خيرات الواحات والتحنيط والحساب والعقاب.. وترتبط واحة الخارجة بوادي النيل بطرق القوافل من خلال دروب اليابسة وأبو سروال وبولاق والجاجة ودوش والأربعين الذي يربط أسيوط بدارفور في السودان. وقد ذكرت واحة الفرافرة فى الوثائق القديمة، وكانت تسمى «تا أحت» أى أرض البقرة، وتوجد بها بقايا قصر بالطوب اللبن، وهناك معبد رومانى عند منطقة «عين بس» وبها بضع مقابر صخرية، وبالوادي الجديد العديد من المناطق السياحية ذات المقومات الفريدة محل جذب للسائحين، وبها مناطق صحراوية وعلاجية للاستشفاء والسفاري، والعديد من المحميات الطبيعية منها «الصحراء البيضاء» فى واحة الفرافرة، والتى تبعد عن القاهرة 600 كيلو متر، وبها طبيعة صحراوية خلابة وظواهر جغرافية وحفريات وحياة برية نادرة، وسميت بمحمية الصحراء لصخورها الطباشيرية التي نحتتها الرياح منذ ملايين السنين، ويطلق عليها أيضا واحة الثلوج.. وقد حظيت الصحراء البيضاء بشهرة عالمية كبيرة كواحدة من أفضل وأغرب عشرين موقعًا سياحيًا فريدًا بالعالم، ويعتبر كهف الجارة واحدا من أندر وأجمل الكهوف التي عرفها الإنسان على مر التاريخ بسبب تكوينه الفريد، وموقعه النائى فى منتصف صحراء الفرافرة بالقرب من وادي محرق.. ورغم أن البدو اكتشفوه خلال رحلات التجارة بالمنطقة.. وكانوا يلجأون إليه في أوقات الراحة اثناء الترحال من الواحات إلى وادي النيل، إلا أن الاكتشاف نسب للألماني جيرهارد رولفز أثناء رحلته للوصول إلى واحة الكفرة الليبية.
متحف التاريخ والحفائر
تعد محافظة الوادي الجديد من أكبر المحافظات من حيث المساحة، والثالثة أفريقيا، وكانت تسمى بالماضى محافظة الجنوب.. وقد زرت قبل مغادرتى المحافظة المحببة الى قلبى متحف الوادى الجديد والذى يقع في مدينة الخارجة، ويضم مجموعات متنوعة من الآثار التي عثر عليها في المناطق الأثرية، وتحكى تاريخ حضارتنا بداية من عصور ما قبل التاريخ حتى الحديث، من الأواني الحجرية والسكاكين والمكاشط والتماثيل واللوحات الجنائزية لحكام الواحات، وتحفظ وتسجل التراث الواحاتى.. وتعود فكرة إنشاء المتحف إلى سبعينيات القرن الماضي، حينما تم إنشاء أول مقر إدارى لتفتيش الآثار، وصممه حسن فتحي، وكان مبنى من الطوب اللبن على طريقة القباب، وضم صالة كانت نواة المتحف، وعرض بها 37 قطعة اثرية من الحفائر، وبعد ذلك انشأ المبنى الحالى لعرض القطع الأثرية الموجودة بالمخازن، ونشر الوعى الثقافى والأثرى، وبه 4087 قطعة اثرية فى مبنى من 3 طوابق، وبه اثار معروضة ومخزنة من بداية عصر الانسان الاول وحتى أسرة محمد على من معروضات ملكية منذ عصر الدولة القديمة. وقد استقبلنى تمثال إيما بيبى وزوجته جالسان على كرسي، يضع كل منهما يده على كتف الآخر، ليفتحا لى باب التاريخ، لنتجول بين اثارنا التى عمرها آلاف السنين فى مجموعات من المعروضات والقطع.

كانت الواحات قديما من المناطق المهمة، ويعين بها حكام محليون لفرض السيطرة، يتوارثون الحكم بشكل عائلى.. ومن بين المقتنيات بالمتحف شاهدت مقبرة «خنت كا»، والتى عثرعليها فى بلاط، وتوابيت من الخشب وحلي وتماثيل وأيقونات ومسارج ومشكاوات وأواني وشبابيك.. ففى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى قررالرئيس الراحل جمال عبد الناصرإنشاء «واد مواز لوادى النيل» يخترق الصحراء الغربية لتعميرها وزراعتها، وتخفيف التكدس السكانى بوادى النيل، ووصلت أول قافلة للتعمير والاستصلاح فى3 أكتوبر 1959، واتخذ من هذا اليوم عيدا قوميا لمحافظة الجنوب، التى تغييراسمها بعد ذلك الى الوادى الجديد، وتضم مراكز الخارجة والداخلة وباريس و بلاط.. وتقوم على زراعة النخيل والتمور والزيتون والبرتقال والقمح والمشمش والمانجو و التفاح.. وبها حرف يدوية منها الفخار والأرابيسك والكليم والسجاد، وهناك مشروع فوسفات أبو طرطور.. انهيت زيارتى للوادى الجديد بعد ما سمعت عنها الكثير والكثير، فقد ذهبت إليها مرتين احداهما بالطائرة عندما كان المطار يعمل بانتظام برحلة اسبوعية، وفى المرة الثانية بدعوة من محافظها، والذى اصطحبنى فى جولات لمشاهدة الحياة الاصيلة التى مازال ابناؤها يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم، وشاهدت يد التعمير تمتد الى الصحراء وتحول الرمال الصفراء الى ارض خضراء والبيوت الى عمائر.. وعدت وانا اردد بحبك يا مصر.