خواطر الإمام الشعراوي.. الفرق بين كسبت واكتسبت

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

فى خواطره حول الآية 286 من سورة البقرة: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» يقول الشيخ الشعراوي: نرى أنه سبحانه سيخفف التكليف إذا ما زاد عن الوسع.

وكثير من الناس يخطئون التفسير؛ فيقولون عن بعض التكاليف: إنها فوق وسعهم ولهؤلاء نقول: لا. لا تحدد أنت الوسع، ثم تقيس التكليف عليه، بل انظر هل كلفك أو لم يكلفك؟ فإذا كان قد كلفك الحق فاحكم بأنه كلفك بما فى الوسع، وكل تكاليف الرحمن تدخل فى الوسع «لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت».

و«لَهَا» تفيد الملكية والاختصاص وهى ما تُفيد وتُكْسِبُ النفسَ ثوابا، و«عَلَيْهَا» تفيد الوزر، ونلاحظ أن كل «لَهَا» جاءت مع «كَسَبَتْ»، وكل «عَلَيْهَا» جاءت مع «اكتسبت» إلا فى آية واحدة يقول فيها الحق: «بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيئته فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» «البقرة: 81». وهنا وقفة فى الأسلوب؛ لأن (كسب) تعنى أن هناك فرقاً فى المعالجة الفعلية الحدثية بينها وبين كلمة «اكتسبت»، لأن (اكتسب) فيها (افتعل) أى تكلف، وقام بفعل أخذ منه علاجاً، أما (كسب) فهو أمر طبيعى إذن ف (كسب) غير (اكتسب) وكل أفعال الخير تأتى كسباً لا اكتساباً.

مثال ذلك عندما ينظر الرجل إلى زوجته، ويرى جمالها، فهل هو يفتعل شيئاً، أو أن ذلك أمر طبيعي؟ إنه أمر طبيعي، ولكن عندما ينظر الرجل إلى غير محارمه فإنه يرقب هل يرى أحد النظرة؟ وهل رآه أحد من الناس؟ وهل سينال سخرية واستهزاء على ذلك الفعل أو لا؟ لماذا؟ لأنه ارتكب عملاً مفتعلاً. مثال آخر، إنسان يأكل من ماله، أو من مال أبيه، إنه يأكل كأمر طبيعي، أما من يدخل بستاناً ويريد أن يسرق منه فهو يتكلف ذلك الفعل، ويريد أن يستر نفسه، فصاحب الشر يفتعل، أما صاحب الخير فإن أفعاله سهلة لا افتعال فيها.. فالشر هو الذى يحتاج إلى افتعال. والمصيبة الكبرى ألا يحتاج الشر إلى افتعال؛ لأن صاحبه يصير إلى بلادة الحس الإيماني، وتكون الشرور بالنسبة إليه سهلة؛ لأنه تعود عليها كثيراً، ويقول الحق: «بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته» إن الخطيئة تحيط به من كل ناحية، ولم يعد هناك منفذ، وهو لا يفتعل حتى صارت له ملكة فى الشر؛ فاللص مثلاً فى بداية عمله يخاف ويترقب، لكن عندما تصبح اللصوصية مهنته فإنه يحمل أدوات السرقة ويصير حسه متبلداً.

اقرأ أيضًا | خواطر الإمام الشعراوي.. التكليف بالوسع

ففى المرحلة الأولى من الشر يكون أهل الشر فى حياء من فعل الشر، وذلك دليل على أن ضمائرهم وقلوبهم مازال فيها بعض من خير، لكن عندما يعتبرون الشر حرفة وملكة فهنا المصيبة، وتحيط بكل منهم خطيئة وتطوقه ولا تجعل له منفذاً إلى الله ليتوب. فالذى يلعب الميسر، أو طوقته خطيئة الفحش قد يقول فرحاً: (كانت سهرة الأمس رائعة)، أما الذى يرتكب الخطأ لأول مرة فإنه يقول: (كانت ليلة سوداء يا ليتها ما حدثت)، ويظل يؤنب نفسه ويلومها؛ لأنه تعب وأرهق نفسه؛ لأنه ارتكب الخطأ. إذن فقول الحق: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت» يوضح لنا أن فعل الشر هو الذى يحتاج إلى مجهود، فإن انتقلت المسألة من اكتسبت إلى كسبت فهذه هى الطامة الكبرى، ويكون قد أحاطت به خطيئته. ويكون على كل نفس ما اكتسبت. والعاقل هو من يكثر ما لنفسه، ولا ما عليها؛ لأن الذى يقول ذلك هو الحق العالم المالك الذى إليه المصير، فليس من هذا الأمر فِكاك.