أنغام..والحفل الأكاديمى

د. إلهام سيف الدولة حمدان
د. إلهام سيف الدولة حمدان

 برغم أن الثقافة الوجدانية لا تشترط في متذوقيها الحصول على الدرجات العلمية والأكاديمية، حيث لابد أن تنبع من داخل جدران الروح وشقائقها.الأمر الذى يجعلنا نعود بالذاكرة إلى زمن كانت فيه الموسيقى أداة راقية، فأذواق أجيال منا قد تربَّت على أصوات وألحان أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وعبد الحليم ومحمد فوزى والقصبجى ومحمد قنديل وكارم محمود وشادية ونجاة وحورية حسن وسعاد محمد ورياض السنباطى ومحمود الشريف وأحمد صدقى ومحمد الموجى وكمال الطويل وزكريا أحمد وسيد مكاوى وسيف الدولة حمدان، إلى آخر كل هؤلاء العمالقة الذين أثروا الوجدان المصرى بكل ما هو جميل وعظيم فى فن الموسيقى والطرب الأصيل.
لذلك صرنا لانعرف من هو المنتج لتلك القنابل الموقوتة التى انفجرت فى جنبات الذوق المصرى ؟!
و أصبحت الساحة الفنية عطشى وتعاني ضرورة ملحّة للارتقاء بالذوق والتذوق، الذى يتطلب منظومة متكاملة قوية وقادرة على منع نشر وانتشار هذه الهراءات من تجار الموسيقى المسفّة، والذين صرخ فيهم شاعر الشعب بيرم التونسى: ياأهل المغنى دماغنا وجعْنا.. دقيقة سكوت لله.. إحنا شبعنا كلام ماله معنى.. ياليل وياعين.. ويا آه!
وها قد استمع قطار زمن الفن الجميل إلى استغاثاتنا.. فبزغت شرارة انطلاق ثقافة الفن الراقي والإبداع الذى يرتقى بالنفوس والأرواح إلى مصاف التحليق فى عالم الجمال، بكل بهائه لنستحضره من جديد ونمحو به ويلات الدخلاء التى انقضوا بها علينا قبل أن نصبح من نشازاتهم وإسفافهم حطاما!
 راودنا الأمل منذ تم الإعلان عن تنظيم حفل شهري للمطربة المصرية الأكاديمية أنغام صاحبة الصوت المغرد منذ نعومة أظفارها على أفنان  شجرة الفن الأصيل ،فوالدها هو الفنان الموسيقار/ محمد علي سليمان؛ الذي كان سببًا مباشرًا في رعاية وصقل موهبتها ونبوغها منذ طفولتها المبكرة؛ وعمل على تقديمها في عدة حفلات ومناسبات؛ وتربية حنجرتها الماسية الواعدة على أغان للمطربين والمطربات القدامى مثل كوكب الشرق السيدة/أم كلثوم وليلى مراد ونجاة وغيرهن من الأصوات النسائية القديرة ،ولأنها كانت تتطلع إلى التفرد بشخصيتها المستقلة؛ تمردت على القالب النمطي الكلاسيكي ؛ وقررت الاعتماد على تقديم اللون الشبابي لمواكبة الموجة الجديدة المعاصرة؛  وبرغم صعودها وترعرعها وسط  حديقة من عمالقة الغناء ـ وقتـئذٍ ـ ؛  استطاعت تحقيق عدة نجاحات مذهلة؛_ استمتعنا بها مجددا في مادلي مجمع _في “الركن البعيد الهادي” ، بعدها تقوم بإرسال “ أول جواب “ ؛ ثم  “ لاليلي .. لالي “ التي ـ بلغة أهل الفن ـ :  ( كسَّرت الدُّنيا ) ؛ وتستمر في نجاحها المبهر؛ وتقوم “ببساطة كده” في العام 1991؛ بتقديم عدة ألبومات وفيديو كليب  حققت نجاحًا ملحوظا استمر حتى مطلع الألفية الثانية؛ وكأنها تقول لكل المطربات والمطربين على الساحة الغنائية والفنية  :  “ إلا أنا” .. لأنني
الصوت الذي صقلته دراستي في المعهد العالي للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون المصرية .
  فهي تتمتع بصوت واحساس واختيار مميز للألحان والكلمات الراقية ، لها كاريزما و شخصية تكتسي بحضور طاغ أخاذ وجمال مصري هادئ بلا تكلف، تزهو بعزة نفس المصريات ، ووطنيتها واعتزازها بمصريتها تكشفها المواقف مهما حاول البعض الانتقاص منها ،لذلك أطلقوا عليها صوت مصر في حفلها الرائع الأخير فجاء ردها معبرا عن انتماء حقيقي وامتنان :
 (لو ماكانش فى مصر معهد كونسرفتوار ومعهد موسيقى ومعهد باليه ومعهد سينما و أكاديمية فنون.. يمكن ماكنتش ظهرت أصلا.. ولا كنا ظهرنا كلنا كفرقة موسيقية وكهندسة صوت وكل تجهيزات الحفلة ال شايفنها النهاردة..عشان نبقي بالمستوى الفني العالي ده..
عشان كده انا محظوظة ببلدي مصر اللي قدمت لكم الفن ده النهاردة، واللي بفضلها عليا ظهرت ودعمتني من صغري من أيام الإذاعة المصرية والحفلات.. مصر هي اللي قالتلي كوني كده بقيمة فنها).
وهنا أقف وقفة مع رأي الدكتورة ياسمين فراج الذي يتفق ورؤيتي في تقييم ذلك الحفل وأداء هذه الفنانة الأثيرة لدينا والتي تنثر عبير فنها أينما ذهبت ،وهي أستاذة زميلة وناقدة موسيقية مختصة ورد عبر صفحتها على فيسبوك :
“أنغام هذا الصوت الجميل الذي تحمله فنانة تجيد إدارة موهبتها بذكاء وحرفية ,قدمت في ليلة من ليالي الترفيه في السعودية بعنوان (صوت مصر) قرابة الأربع ساعات غناء لم تستحوذ فيها على المسرح بمفردها ولكن فعلت ماعجزت عنه مؤسسات الدولة المسئولة عن القوى الناعمة في مصر كالتالي :
اولا: قدمت نموذجا للفنان المصري الراقي شكلا ومضمونا وسلوكا.
ثانيا: أعطت الحقوق الأدبية لكل من لحن ووزع وكتب كلمات  أغانيها عبر مشوارها الفني ، وعزف وقاد فرقتها الموسيقية ، فكانت نموذجا لتكريس العمل الجماعي الذي يؤدي إلى نجاح الجميع.
ثالثا: أعطت الحق الأدبي لاكاديمية الفنون التي كانت سببا في تقديمها هي وجميع من صاحبها من عازفين ومهندسي صوت وخلافه، الذين كانوا سببا في نجاح حفلتها ومسيرتها الفنية.
رابعا: في الجزء الثاني من حفلها غنت مع مجموعة من المغنيين والمطربين المصريين ، ولا ننسى انها رشحت بهاء سلطان من قبل للغناء في حفل راس السنة الميلادية السابقة. وهي بهذا تدفع بمجموعة من المغنيين والمطربين من أجيال أصغر منها في السن لتضعهم تحت الأضواء في الوطن العربي ، وتقدم صورة للروح الإيجابية الراقية للحركة الفنية المصرية بعد ان شوهتها اغلب وسائل الإعلام التقليدية او البديلة)...وختمت فراج كلمتها بالثناء على سلوكها الراقي الذي ظهر لنا في هذا الحفل وكل حفلاتها بوجه عام وأطلقت عليها(صوت مصر الذكي).
اسعدت أنغام جمهورها أيما سعادة بما وهبها الله :حنجرة ذهبية، وإحساسًا عاليًا بجمال وكمال الكلمات الشاعرة التي تشدو بها؛ فتلمس أحاسيسها ومشاعرها المرهفة؛ إنها تتوافق بجمالياتها ومعانيها مع الألحان والموسيقا التي تأخذ المستمع إلى أقصى حالات الشجن والنشوة والتحليق.
نتمنى ان تستمر في رحلة العطاء الفني الذي قامت بتكريس حياتها وفنها من أجله؛ تحقيقا لتطلعاتها وطموحاتها التي هي حلم كل فنان أن يكون “قمرًا” ساطعًا متألقًا في “مجرَّة الكواكب الفنية”؛ ولا يرضى بأن يكون “نجمًا باهتًا” في ركنٍ من أركان السموات البعيدة؛ يستجدي النور والضياء ممن حوله .وهاهي قد تربعت على قمة هرم الغناء المصري والعربي وبقي أن تتوالى جهودها للاحتفاظ بهذه المكانة تمثلا للكواكب الفنية المميزة التي وضعتها نصب أعينها ليدوم فنها مادامت الحياة!