بداية

العاشر من رمضان وجيل السوشيال ميديا

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

 هل يمكن تغيير عقلية الأصولي؟!، أو بأدق كيف يستمد الأصولي صاحب الماضي الظلامي الطائفي ثقافته؟!
من الحمق القول إنها الغفلة التي طمست العقول عن روح العصر وثقافته وواقعه والعزلة عن المجتمع؛ فهؤلاء السلفيون الذين يتنافسون بلحاهم الطويلة؛ تحوطهم دومًا سحابات من البؤس والجدب، وهم عادة منكسو الذقون عابسو الوجه، إن أساس عقيدة وثقافة ومنهج الأصولي تعتمد في المقام الأول علي إسكات الآخر واستبعاده مع تضخيم الذات، وبدلًا من أن يشكل التراث استثناءً على القاعدة، صار في نظرهم؛ يمثل ثلاثة أرباع الدين، وهي حقيقة تاريخية رغم أن الإسلام لم ينتصر لشيء مثلما انتصر للعقل والحرية وجعلها حقًا من الحقوق الطبيعية للإنسان.

نعم، ستظل حرب العاشر من رمضان أعظم انتصارات المصريين، نستلهم منها على مر الزمان إلى أن يرث الخالق الأرض ومن عليها ذكرى أسطورة شعب وجيش حطما المستحيل، سيظل هذا التاريخ يمثل البطولة والفداء لخير أجناد الأرض.
صحيح أن القتلة أصحاب الماضي الأصولي اختاروا وخططوا لاغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في هذا اليوم، أرادوا محوه من الدنيا، دون أن يدرك أئمة الشر أنهم بوسام الشهادة خلدوا اسمه في اليوم الذي يحتفل فيه مع قواته المسلحة بنصر أكتوبر...،
نعم، مر على حرب أكتوبر 50عامًا، لكن لم يكن ممكنًا بأي حال من الأحوال لدروس حرب العاشر من رمضان أن تنتهي، فكل أبناء جيلي نمت مداركهم على نصر أكتوبر العظيم الذي جاء بتخطيط وتدبير محكم من داهية العرب؛ فحرب العاشر من رمضان لم تكن مجرد معركة عسكرية خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، وإنما جسدت فيها بحق إرادة وطن وقدرته على تحويل الهزيمة في 67 إلى نصر تجسد في 73، تمتد آثاره لتنشر الأمل في كل ربوع مصر، ذلك النصر الذي دفع فيه جنودنا البواسل أثمانًا غاليةً من دمائهم الطاهرة، ليستردوا جزءًا غاليًا وعزيزًا من أرض الوطن وهي سيناء، تلك الأرض المقدسة التي تجلى عليها رب العزة وأقسم بها، ومر عليها الأنبياء، وزادها الله قدسية على قدسيتها، البقعة الغالية على قلب كل مصري، قلب العالم بقاراته وحضاراته، محور الاتصال بين إفريقيا وآسيا وبين المشرق والمغرب.
السؤال الذي طالما شغل بالي كثيرًا؛ هل كان داهية العرب الرئيس الراحل بطل الحرب والسلام على علم بأن هناك محاولة لاغتياله؟!؛ «سخرية» نظريات المؤامرة – وهي اختراع عربي قديم– فسرت مخطط الاغتيال على أنه مؤامرة دولية، رغم تنامي وقتها سوق جديدة لمن يطلقون على أنفسهم «الدعاة الجدد» بدأت في السبعينات، زمن تأسيس أصحاب الانسداد التاريخي من الأصوليين الإسلاميين وظهور ما يسمى بالجماعة الإسلامية، كجزء من تيار جماعة الإخوان الإرهابيين العالمي، لم يدرك وقتها الكثيرون؛ بأن الدولة على شفا حفرة من مارد ضخم يتغلغل في كل نجوع مصر وقراها؛ يؤدي صلاة العيد في الخلاء، ويوزع الهدايا على آلاف الأطفال، وما يجب أن يعرفه جيل السوشيال ميديا أن الصراع كان عنيفًا وداميًا، وواضحًا بين النظام السياسي المصري وهذه الجماعات في سبعينات القرن الماضي، ورغم ذلك أعلن وقتها القبض عن تنظيمات شيوعية وشيعية تافهة بزعم أنها تسعى لقلب نظام الحكم، وبقي سرطان الوهابية والقطبية يستشري في جسد الوطن، بزعم العودة للإسلام باعتباره الحل، والمنهج الشامل لكل مشكلات الحياة من كافة جوانبها، في الوقت الذي تعيد فيه كوادر هذه الجماعات الإرهابية إعادة تنظيم صفوفها، وتجلت أولى هذه التنظيمات بحادث الفنية العسكرية في أبريل سنة 1974، ثم اعقب ذلك ظهور جماعة «التكفير والهجرة»، وتوالت بعدها موجات جماعات العنف المسلح، وتنامي قوتهم، بالأخص في العام الأخير من حكم الرئيس الراحل السادات وهو عام 1981، والذي شهد اغتياله في شهر أكتوبر وأثناء احتفاله مع القوات المسلحة بالذكرى الثامنة لنصر أكتوبر العظيم.
تكشف الوثائق البريطانية السرية التي تم الافراج عنها منذ سنوات قليلة مضت، بمقتضى قانون حرية المعلومات عن وجود علاقة جيدة بين السفير البريطاني والسادات وقتها؛ إذ كان مايكل وير قد التقى ببطل الحرب والسلام قبل قرابة خمسة شهور من حادث الاغتيال، برفقة لورد بريطاني بارز كان يريد إقناع السادات بالقيام بزيارة أخرى للقدس، وحضر السفير وثلاثة من الملحقين العسكريين البريطانيين وزوجاتهم العرض العسكري، الذي قتل فيه السادات، وكان السفير البريطاني يجلس، حسب روايته، مباشرة خلف المنصة الرئيسية التي كان يجلس عليها داهية العرب ونائبه الرئيس الراحل مبارك والمشير أبو غزالة، وقال السفير: «إن السادات ناقش مع مبارك كيف يجب أن يكون الاحتفال باستعادة الجزء الأخير من سيناء»، وهو الحدث الذي كان المصريون يترقبونه، ورغم مرور 42 عامًا على اغتياله، يظل السادات الرجل الذي طالما يثير الجدل والاهتمام دائمًا.
وسوف تظل ذكرى العاشر من رمضان مبعثًا للفخر، ستبقى ملحمة تاريخية يتوقف أمامها العالم والتاريخ تؤكد عظمة الجيش المصري أقوى الجيوش العربية ومن أكبر 15 قوة عسكرية عالمية.

[email protected]