بدون تردد

محمد بركات يكتب: مبادئ وشعارات خادعة

محمد بركات
محمد بركات

أصبح لافتا للانتباه فى أحيان كثيرة ذلك التناقض الواضح بين ما يرفعه البعض من شعارات براقة ومبادىء سامية، يدَّعون التمسك بها ويعلنون التزامهم الذى لايحيد عنها سلوكا ومنهجا فى التصرفات والمعاملات.

ولكننا نفاجأ بأنهم لايفعلون ذلك ولايقومون به على أرض الواقع، بل هو لباس الضرورة من وجهة نظرهم، وأنه مجرد مظهر خادع يسعون من ورائه لإحداث انطباع وأثر لدى الناس، يتيح لهم تحقيق مصالحهم ويصلون عن طريقه لأهدافهم ونيل أغراضهم.

وفى هذا السياق نرى أنماطا كثيرة ونوعيات متعددة من البشر يتقمصون صفات وشخصيات مخالفة لما هم عليه بالفعل.. بل وقد تكون مناقضة لشخصياتهم الحقيقية على طول الخط ولا تتوافق على الاطلاق مع صفاتهم الذاتية.

وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، منها اللص الذى يدعى الشرف والجبان الذى يرتدي ثوب الشجاعة، والمنافق الذى يدعى قول الصدق، والفاسق الذى يضع دائما قناع الورع والتقوى ،...، وهكذا وهكذا.

وإذا كان هذا قائما وموجودا فى الحياة العامة للاسف، ونراه معمولا به بين البشر العاديين فى جميع المجتمعات الانسانية بطول وعرض العالم، فإنه بالطبع أكثر انتشارا وأكثر فجاجة فى عالم السياسة حيث المصالح تحكم وتتحكم فى الجميع،...، إلا من رحم ربى.

وغرائب وعجائب ذلك كثيرة، وهى لكثرتها لم تعد فى نظر الغالبية العظمى من الناس عجيبة أو غريبة، بل أصبحت فعلا متوقعا ومنتظرا أيضا، وكذا أصبحت المتناقضات والأكاذيب هى الأكثر انتشارا فى عالم السياسة.

وفى ذلك بات من المألوف أن يتحدث بعض السياسيين والزعماء فى بعض الدول الكبرى، عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، ثم نراهم يفعلون عكس ذلك تماما، لنكتشف أنهم يستخدمون هذه المبادىء والشعارات مطايا لتحقيق أغراض أخرى، والوصول إلى مآرب بعيدة كل البعد عما يدعون.

وهناك أمثلة كثيرة ومتعددة على ذلك، لعل أكثرها فجاجة ما فعله الرئيس الأمريكى «بوش الابن» وكل رجال إدارته الأمريكية مع العراق، فى مثل هذه الأيام فى شهر مارس عام «2003» منذ عشرين عاما، عندما أدعوا أنهم يريدون غزو العراق لتحقيق الحرية والديمقراطية، فى حين أنهم كانوا يريدون تدمير العراق وإسقاط دولته وقتل الشعب وزرع الفتن والطائفية ونشر العنف والإرهاب فى المنطقة كلها مع سبق الاصرار والترصد.

والمؤكد أن الأمر لم ولن يقتصر أو يقف عند «بوش الابن»، بل هناك من قبله ومن بعده العديد من السياسيين فى أماكن ودول كثيرة من عالمنا الواسع.