إنها مصر

أكاذيب الربيع العربى

كرم جبر
كرم جبر

الربيع العربى لم يكن يومًا ربيعًا بل جحيمًا، لم تهب نسائمه على دول وشعوب المنطقة بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، بل نار ودماء وتخريب الدول وتشريد الشعوب.
لم يكن الهدف إسعاد الشعوب، وإنما موجة استعمارية جديدة كسائرالموجات التى جاءت قديمًا وسوف تجيء مستقبلا، وسيظل الشرق الأوسط مسرحًا لعمليات استعمارية قادمة، تختلف أشكالها وأسبابها ونتائجها.


لا تصدقوا أن الربيع العربى جاء ليخلص شعوب المنطقة من الديكتاتورية والحكام العواجيز، فقد سلمها إلى الجماعات الإرهابية والأنظمة الدموية، وأشعل حرائق الفناء الذاتى، وجلس يستدفئ على نارها، ويسلح كل الأطراف المتصارعة لتظل الميادين مشتعلة.


والماضى القريب يكشف ما يحدث الآن.
فبعد انسحاب القوى الاستعمارية التقليدية من منطقة الشرق الأوسط فى مرحلة الخمسينيات والستينيات، ابتكرت الدول الاستعمارية نظرية التفتيت الذاتى ليظل لها موضع قدم فى المناطق الدافئة وليس هناك أدفأ من الشرق.
وصاغ الرئيس الأمريكى إيزنهاور الذى جاء للحكم عام 1952 نظرية اسمها "ملء الفراغ" وكانت سياسته تقوم على استخدام القوة العسكرية فى الحالات التى يراها ضرورية لحماية أى دولة حليفة فى الشرق الأوسط من خطر الشيوعية، وربط برامج المساعدات العسكرية الاقتصادية لخدمة المصالح الأمريكية، وظلت بلاده تستخدم الجزرة مرة والعصا مرات.
حتى جاء ما يسمى الربيع العربى بقناع "حقوق الإنسان" الذى يخفى وراءه الجماعات الإرهابية واغتيال حق الإنسان فى الحياة، فسقطت أنظمة وتهاوت دول وشُردت شعوب.
وأطاحت رياح الربيع العربى بالجيوش العربية فى الدول المستهدفة، فتهاوت مثل أوراق الخريف وحلت محلها الميليشيات والعصابات المسلحة التى تعمل ضد دولها وشعوبها، وصار الهدف ليس التحرر واستعادة قوة الدولة، وإنما الصراع الدموى القاتل من أجل "سلطة" معجونة بالدماء والفتن.


وكان النموذج الأكثر بشاعة ما حدث فى أفغانستان، فبعد احتلال عسكرى أمريكى دام 20 عامًا، عادت طالبان وازداد نفوذها وأمسكت تلابيب الدولة والمجتمع، فكان السقوط سريعًا ودراميًا، مثل بيوت من الرمال جرفتها أمواج البحر العاتية.


وأسفرت تجارب الربيع العربى عن حقائق دامغة، أهمها أن المستعمر لا يستطيع خلق نظام سياسى بديل فى الدول المستهدفة، بل يتركها كيانات هشة لا تقوى على الصمود.
وتلقى "مفهوم الدولة الوطنية" ضربات قاتلة وسادت صراعات وتناحرات عرقية ودينية وطائفية مزقت الهوية الوطنية والعلم الذى يحتوى الجميع تحت مظلته، وسعى كل فريق إلى اقتطاع جزء من جسد الدولة وتفتيت عوامل قوتها.
ولأن من يحضّر "العفريت" لا ينجح دائمًا فى أن يصرفه، صارت الديمقراطية المزعومة التى جاء بها الغرب سبيلا للفوضى والصراع على السلطة والنزاعات المسلحة.
ولا يملأ الفراغ إلا تعظيم الدولة الوطنية بكل مكوناتها، للحفاظ على جيشها ومؤسساتها وكيانها وحمايتها من العواصف والأعاصير.