سؤال يردده القرآنيين .. هـل السنة غير ملزمة والاعتماد عليها بدعة؟

السنة النبوية
السنة النبوية

بقلم: حسن حافظ

لماذا نعتمد على السنة النبوية فى التشريع الإسلامي؟ أليس فى القرآن الكريم ما يكفى لنعتمد عليه؟ كيف نثق فى الأحاديث النبوية التى يرويها العديد من الأشخاص الذين لا نعرف عنهم الكثير ويقع بعضهم فى بعض؟ أليس الاعتماد على السنة محاولة لخلق دين جديد هو «الدين المحمدي»، بنسبة أحاديث موضوعة للنبى محمد؟ فلا حاجة إذن للسنة النبوية التى تجر الكثير من الخلاف حولها بين الفرق الإسلامية، ولا حاجة لنا بالأحاديث الكثيرة لأن القرآن كاف، بل إن من يعتمد على السنة النبوية هو خارج عن صحيح الإسلام الذى هو القرآن فقط؟

هذا بعض ما يردده بعض من يلقبون أنفسهم بـ«القرآنيين»، بل وصل الأمر بشخص مثل أحمد صبحى منصور الذى نصب نفسه زعيما للقرآنيين، إلى تكفير كل من لا ينتحل نحلته، بالتالى تكفير كل الأمة الإسلامية تقريباً من القرن الأول إلى القرن الخامس عشر الهجري، لأن جميع الفرق الإسلامية تقر بصحة السنة فهى هكذا على ضلال. هذا الكلام كله تجده منتشراً على مواقع التواصل وبعض المدونات والمواقع، فهل له أصل؟ أم إنه مجرد سوء فهم للإسلام؟
تتردد مثل هذه الشبهات التى يقول بها من يعرفون بـ«القرآنيين»، وهى أباطيل لا غرض منها إلا الانسلاخ من ضوابط الدين وأحكامه، يبتغونها عوجا، وأن يكون الدين على حسب هوى كل مرء، فلا مشكلة أن تحج فى أى شهر من الأشهر الحرم، كما فعل زعيم هذا التيار أحمد صبحى منصور، الذى يفتخر بأنه أدى مناسك الحج فى أواخر شهر ربيع الأول، لأنه بزعمه آخر الأشهر الحرم، على عكس ما استقر عليه العرب فى الجاهلية والإسلام من أن الأشهر الحرم هى ذى القعدة وذى الحجة والمحرم، ورجب الفرد، وهو يستند إلى فهم سطحى لآيات القرآن، لا يخفى نوايا التخفف من ضوابط الدين وقيوده وصولا للانخلاع منه تماماً، والبداية تكون بالتخلص من السنة النبوية، التى شرحت الكثير وحددت ضوابط الدين المجملة فى القرآن.
لذا حمل البعض معاول الهدم ضد السنة، ليس من منطلق مدى صحة هذا الحديث أو ذاك، أو الخلاف على حجم الأحاديث الصحيحة، بل العمل على إنكار السنة كلها ليتمكن من فى نفسه مرض من الوصول لغايته، لذا لا يتورع أحمد صبحى منصور عن استخدام التكفير والسب لمعارضيه، فيطلق عليهم لفظ «المحمديين» ويقول إنهم اتخذوا الشيطان وليا من دون الله.

إحدى النقاط الأساسية التى يعتمد عليها منكر السنة أن جمع الأحاديث النبوية تم فى لحظات الخلاف السياسى بين الفرق الإسلامية وأنها لذلك تعكس خلاف هذه الفرق، خاصة أنه تم وضع الكثير من الأحاديث المكذوبة على النبي، للانتصار لهذه الفرقة أو تلك، لكن المتأمل لهذه الحجة يجدها أضعف ما يكون، لأن جميع الفرق الإسلامية الكبرى بلا استثناء تعتمد الأحاديث النبوية فى التشريع، وتعتبرها المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن، على اختلاف بين هذه الفرق فى طرق نقل الأحاديث بروايات مختلفة، لكن المدهش أنها ذات الأحاديث بعينها التى نجدها فى كتب الشيعة نجدها فى كتب السنة فى كل ما يتعلق بالعبادات والمعاملات التى يهتم بها الفقه، فالقول بوجود خلاف بين هذه الفرق كان يستوجب أن نجد الأحاديث تختلف فى كل شيء، لكننا نجد أن الخلاف اقتصر على أمور السياسة ولا علاقة له من بعيد أو قريب بأمور التشريع وصميم الدين، ويتضح ذلك بمراجعة كتب الحديث المعتمدة عند أهل السنة وهي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن النسائي، وسنن أبى داود، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومقارنتها بكتب الحديث عند الشيعة، وهي: الكافى للكليني، وتهذيب الأحكام والاستبصار لشيخ الطائفة الطوسي، ومن لا يحضره الفقيه لابن بابويه، التى تتفق فى نوعية الأخبار والأحاديث التى تنقلها عن النبى ولا تختلف إلا فى طرق الرواية.

فلا تجد شيعيًا ينكر الصلاة ولا كيفية تأديتها، وهو نفس الأمر عند السنى والإباضى والمعتزلي، فكيف وقع الاتفاق لدى كل هولاء المختلفين وغيرهم من أصحاب الفرق الإسلامية المختلفة على مدار تاريخ المسلمين، على هذه الأمور من تحديد عدد الصلوات وكيفية أدائها؟ هنا يقع التسليم بأن مصدر هذا الأمر كله واحد، وهو النبى ()، وبما أن هذه الأمور لا توجد فى القرآن، فإن سلمنا بذلك فقد أقررنا بالسنة النبوية المطهرة لأنه لا يمكن فهم هذه الأمور التى أجملها القرآن إلا من خلال العودة لقول وفعل وإقرار النبي، وهو أصل السنة النبوية، فلا يعتقد أحد أن السنة تعنى أحاديث رسول الله فقط، بل تشمل فعله، وما أقر عليه أصحابه من أفعال رآها عليهم ولم ينكرها فعلم أنها لا تعارض أصل التشريع.

فإذا كنت مسلماً وتؤمن بالقرآن فهو يحيلك مباشرة إلى السنة النبوية، إذ يقول سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، فهنا الأمر بالصلاة لكن لا أية واحد تقول لنا كيف نؤدى الصلاة، فالأمر بإقامة العبادات حاضر فى الآية لكن كيفية الأداء لا نعلمها من القرآن، بل نجد شرحها فى السنة النبوية، فكل ما يتعلق بأداء الصلاة أو دفع أموال الزكاة ونسبتها موكول بالسنة النبوية المشرفة، وهو ما نجده يتكرر فى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: 183]، وقوله سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]. فهنا نجد أن أركان الإسلام الأساسية وهى الصلاة والزكاة والصيام والحج تسقط تماماً ولا يعرف أى مسلم كيفية القيام بها على الوجه الصحيح إلا من خلال الشرح الذى تقدمه لنا السنة النبوية، فالعلاقة بين القرآن والسنة علاقة اتصال لا انفصام فيها، فما جاء مجملاً فى القرآن وقع تفصيله فى السنة لحكمة أرادها الله.

فإذا كنت تريد أن تصل لله بالعبادات بعد الإيمان، فلن تجد إلا السنة النبوية الصحيحة التى تصل بك، وليستقر القلب على الصواب، جاءت الآيات القرآنية للتأكيد على أن أقوال رسول الله لها نفس الحجية، ويجب العمل بها، فنجد قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7]. وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، وقوله سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [المائدة: 92].

هذه الآيات القرآنية تبين للمسلمين طبيعة الدور الذى يضطلع به النبى ()، فهنا نحن أمام أمر إلهى بأن نأخذ ما يأتى به النبى وما ينهانا عنه، وقد يسارع البعض بالقول إن المقصود هو ما جاء فى القرآن، وهو أمر مستبعد لأن المخاطب فى آية سورة الحشر هم جماعة المؤمنين، الذين يؤمنون بالقرآن وكل ما جاء فيه، فلا أهمية هنا لإعادة التذكير بهذا الأمر الذى يؤمن به كل مسلم، ولكن الأمر الإلهى جاء فى أقوال النبى، وأن لها نفس المكانة والمرجعية فى الحكم، ولذا قرنت الآية بين ضرورة الانصياع لما يأتى به النبى وبين تقوى الله والعقاب الشديد فى إشارة إلى أن مخالفة النبى لها عواقب دينية ثقيلة. ونجد فى آيات آخر الأمر الإلهى بضرورة طاعة الرسول، ورد ما يتنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله، فلو كان الأمر مقتصراً على القرآن لقال تعالى برد الأمر له سبحانه فقط أى بالرجوع للقرآن، ولكن لأن رسول الله ينطق فى كل أمور الدين بالوحي، لذا فجاء الأمر الإلهى بالامتثال لقوله أيضا.

ثم نجد آيات قرآنية تزيد الأمر وضوحا فى قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]، وقوله سبحانه: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 151]. وقوله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وقوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، هنا نجد الآيات القرآنية ترسم الطريق أمام المسلمين، فالرسول سيبين للمسلمين، أى يشرح ويوضح، كما سيعلم المؤمنين ما فى الكتاب والحكمة وما لم يكونوا يعلمون، وكل هذا بأقوال لم ترد فى القرآن الكريم، وبأفعال مختصة به يفعلها أمام الصحابة والمسلمين فيأخذونها عنها، وبإقرار لأفعال الصحابة بما لا يخالف صحيح الدين، وكل هذا هو السنة النبوية، التى من غيرها لا نستطيع أن نفهم الدين بشكل كامل، وبهذا الفهم تنسج العلاقة الصحية بين القرآن والسنة، فإنكار السنة هو إنكار للقرآن نفسه الذى ينص صراحة على أن النبى يبين للناس ما جاء فى القرآن الكريم، وهو أمر لا يقول به مسلم مؤمن بأن القرآن كتاب الله لا كذب فيه ولا لغو.

الغريب أن العديد من المستشرقين رغم هجوم البعض منهم على الأحاديث النبوية، فإن البعض منهم رد هذه الاتهامات، لكنهم أجمعوا على محورية السنة النبوية، ولم يقل أحد من كبار المستشرقين بقول من يقول بنفى السنة كلها وعدم صحتها، بل نجد أمثال المستشرق الألمانى جوزيف هوروفتس يرد على عدد من المستشرقين أمثال المستشرق الإيطالى كايتانى الذين قالوا بعدم وجود السند فى رواية الأحاديث فى القرن الأول الهجري، إذ أثبت هوروفتس وجود السند، ورغم أن آراء المستشرقين فى هذا الصدد ليست محل ثقة فى العموم، إلا أن الأهمية هنا أنهم إزاء واقع تاريخ المسلمين، وحقيقة تكون الدين الإسلامي، لم ينكروا الأحاديث ولم ينكروا السنة إطلاقا، فهذا بالبعيد فكيف بالقريب؟ فدعوة إنكار السنة هى دعوة لهدم الإسلام وتعطيل أحكامه وهدم أركانه مهما حاول دعاتها ترويج أفكارهم بأى شكل كان.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 22/3/2023

أقرأ أيضأ :ما حكم إفطار رمضان بالنسبة للمرأة الحامل؟ «الإفتاء» تُجيب