حكايات| محمود درويش.. لاعب النرد عاشق الهوامش

الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش
الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش

«كان أبي يسحب الماء من بئره ويقول له لا تجف، أمشي على حافة البئر لي قمران واحد في العالم وآخر في البئر يسبح».. طفلا كان محمود درويش تفتقت عينيه على الخضر، والزيتون، وأشجار التوت، وبرية عشقها كانت في ما بعد أرضه المغتصبة التي ظلت حتى وفاته قضيته الأولى، منحته لقبه شاعر الأرض مدافعا عن القضية الفلسطينية.

«الكمنجات تبكى على زمن لا يعود.. الكمنجات تبكي على وطن ضائع قد يعود».. ولد محمود درويش في الثالث عشر من شهر مارس من عام 1941، واستشعر منذ طفولته أن غريب في وطنه، ست سنوات فقط  كانت كفيلة ليتلقى محمود درويش الصدمة الأولى، في عام 1948، على يد الاحتلال حين اضطر إلى مغادرة منزله برفقة عائلته.

«إلى أين تأخذني يا أبي.. إلى جهة الريح يا ولدي»..  خلسة شق والد محمود درويش طريقه إلى الجليل بعد عام من المنفى في لبنان، لم يكن منزله في مكانه،  لكنه ذهب إلى منطقة علوية اسمها دير الأسد، وهنا قضى درويش سنوات طفولته.

 

«ها هنا حاضر لا يلامسه إلا الأمس».. في قرية البروة، كانت ولادة شاعر الأرض محمود درويش، إلا أن جرافات الاحتلال الإسرائيلي أبادتها فلم تعد لها وجود، ولم يتبق منها إلا الذكريات.

«كيف أكتب فوق السحاب وصية أهلي».. في شبابه أصبحت عواصم البلدان العربية منازل لمحمود درويش، متجولا من فندق إلى آخر، مغيرًا بوصلته من منزلا إلى آخر، كأنه كتب عليه الترحال مع رحلة المقاومة، والحب، والشعر.

 

تفرد محمود درويش بقدرته على الإلقاء، فكانت أمسياته الشعرية فيما بعد، أشبه بحفلات السيدة أم الكلثوم، جمهور غفير، وهمسات وآهات وتصفيق من فرط الإعجاب، والحالة التي يصنعها.

ورغم شهرته الجارفة، يقول الشاعر الراحل، في أحد حواراته التلفزيونة، «لا أعرف لماذا أنا مقروء كل هذا الحد؟، وليس للشاعر أكثر سعادة حين يعتبر الناس بيوته الشعرية بيوتا حقيقة».

أخرج محمود درويش ديوانه الأول في عمر الثامنة عشر عامًا، «عصافير بلا أجنحة» و «أوراق الزيتون»، ليعلن عن نفسه شاعرًا موهوبًا استطاع أن يلفت الانتباه إليه.

 

«بيني وبين ريتا بندقية».. تعرض محمود درويش للسجن في مدينة عكا، بتهمة كتابة الشعر القومي، والتي ألهمته بعد ذلك بقصيدة سجل أنا عربي، ورغم ذلك كانت مشلكة درويش مع الاحتلال الإسرائيلي، لا اليهودية فكما يقول هو: «معلمتي التي علمتني الأدب كانت يهودية، وكذلك معلم اللغة الإنجليزية، ولا يخفى على أحد أن حبيبته الأولى التي أشار لها في قصائده باسم مستعار ريتا كانت يهودية».

 

«من أنا بعد عينين لوزتين يقول الغريب.. من أنا بعد عينين منفاك في تقول الغريبة».. اعتاد محمود درويش على العزل والعيش بمفرده رغم أن تزوج مرتين الأولى كانت السورية رنا قباني، والثانية المصرية حياة الهيني يقول: «أثمن ساعات لي ساعات الصباح، ولا اعتقد أنني سوف أضع حدا لليعش وحيدا، معترفًا بفشله كزوج، حتى أصبح مدمنا على العزلة».


انضم «درويش» إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي في فلسطين، وعمل محررا ومترجما في صحيفة الاتحاد ومجلة الجديد التابعتين للحزب، وأصبح فيما بعد مشرفا على تحرير المجلة كما اشترك في تحرير جريدة الفجر ولم يسلم من مضايقات الاحتلال، حيث اعتقل أكثر من مرة منذ العام 1961 بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسي، حتى عام 1972 حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجًا على اتفاق أوسلو. 

حصل «درويش» على عدة جوائز منها جائزة لوتس عام 1969، جائزة البحر المتوسط عام 1980، دروع الثورة الفلسطينية عام 1981، لوحة أوروبا للشعر عام 1981، جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفياتي عام 1982، جائزة لينين في الاتحاد السوفياتي عام 1983، جائزة الأمير كلاوس (هولندا) عام 2004، جائزة العويس الثقافية مناصفة مع الشاعر السوري أدونيس عام 2004.

توفي درويش في 9 أغسطس 2008 بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية جراحية للقلب بمركز تكساس الطبي في هيوستن، ودفن في 13 أغسطس بمدينة رام الله في قصر رام الله الثقافي.