«كاروناتيلاكا» يكتب : لم نتعلم من أخطاء الماضى بعد

شيهان كاروناتيلاكا
شيهان كاروناتيلاكا

يعد شيهان كاروناتيلاكا واحداً من أبرز الأدباء المعاصرين فى سريلانكا. ولد كاروناتيلاكا فى عام 1975 فى مدينة جالى، ونشأ فى كولومبو. ودرس فى نيوزلندا، ثم عمل فى لندن وأمستردام وسنغافورة. صدرت له رواية «الرجل الصيني: أسطورة براديب ماثيو» (2010)، التى فازت بجائزة الكومنولث فى عام (2012). كما حصدت روايته «أقمار مالى ألميدا السبعة» جائزة البوكر فى عام (2022). بالإضافة إلى ذلك، يعمل فى مجال الإعلانات، ويكتب الأغانى والسيناريوهات وقصص السفر. كما نشر كتباً للأطفال، ويعكف حالياً على مجموعة من القصص القصيرة. ومن بين الكتاب الذين تركوا أثراً كبيراً فى كتاباته كيرت فونيجت، وويليام جولدمان، وسلمان رشدى، ومايكل أونداتجى، وأجاثا كريستى، وستيفن كينج، ونيل جايمان. ويعتبر كاروناتيلاكا ثانى كاتب سريلانكى يفوز بالجائزة بعد مايكل أونداتجى عن روايته »المريض الانجليزى« فى عام (1992)..وهنا حوار معه.

س - ما نقطة انطلاق الرواية؟ هل كانت فكرة نضجت ببطء أم لحظة تجل؟ وما الذى دفعك لكتابتها الآن؟

ج - بدأت التفكير فيها فى عام (2009)، بعد نهاية الحرب الأهلية، حينما نشب جدل محتدم بشأن أعداد القتلى من المدنيين والمسئولين عن ذلك. كانت فكرة غريبة أن أكتب عن قصة أشباح يعبر الموتى فيها عن آرائهم، لكن لم تواتنى الشجاعة للكتابة عن الحاضر، لذلك عدت بذاكرتى إلى عشرين عاماً خلت، إلى الفترة المظلمة لعام (1989).

س - ما المغزى من اختيار عام (1989) زمناً للرواية؟ وهل ثمة تشابه بين سريلانكا حينذاك والآن؟

ج - كان عام (1989) أكثر السنوات قتامة فى ذاكرتي؛ إذ كانت هناك الحرب العراقية، وانتفاضة ماركسية، وقوات أجنبية، وفرق مكافحة الإرهاب التابعة للدولة. كان زمن الاغتيالات، وحالات الاختفاء، والقنابل، والجثث. لكن مع نهاية التسعينيات، طوى الموت معظم أطراف النزاع.

ولذا شعرت بالأمان للكتابة عن أشباح الماضي، عوضاً عن أشباح الحاضر. ولا يساورنى الشك فى أن العديد من الروايات ستُكتب عن الاحتجاجات السريلانكية، وطوابير الوقود، والرؤساء الهاربين. لكن برغم وجود حوادث عنف متفرقة، فإن المصاعب الاقتصادية الحالية لا سبيل إلى مقارنتها  برعب عام (1989) أو أهوال الحرب الأهلية لعام (1983).

س - كيف تكونت شخصية مالى ألميدا؟

ج - استوحيتها من الصحفى ريتشارد دى زويسا الذى قُتل فى عام (1990). كان ناشطاً من كولومبو، من عائلة متوسطة، ويتحدث اللغة الإنجليزية، ولغز مقتله لم يُحل بعد. لكن شخصية مالى تطورت إلى مصور حرب ومقامر. وكانت المثلية القاسم المشترك بينهما.

كما كان يعمل فى جميع الجهات. كان يلتقط صوراً لحركة نمور التاميل، والجيش السريلانكي، والماركسيين و لذا استطعت من خلاله التحدث عن الفصائل السياسية المختلفة الموجودة فى المشهد السريلانكى وقتذاك. كما ابتكرت لغز جريمة قتل، فكل طرف من تلك الأطراف كان يرغب فى قتله.

س - بطل الرواية، مالى ألميدا، أمامه سبع ليال لحل لغز وفاته. كيف توصلت إلى هذه الحبكة؟

ج - هناك الكثير من الأجزاء المتحركة فى الرواية، لكن فكرتها الرئيسية هي: ماذا لو استطاع موتى سريلانكا التحدث؟ ما القصص التى سيحكونها؟ لطالما كانت سريلانكا مترعة بالمذابح، بما فيها مذابح حدثت فى عامى (1971) و(1983).

س - إننا نتشارك جميعاً هذا الماضى فى جنوب آسيا. وكنت مفتوناً بالفصائل المختلفة. لو ظهرت جثة، لن تعرف أبداً من القاتل المحتمل: هل الحكومة أم الثوار؟

ج - أردت أن استكشف كيف ستكون تلك الشخصيات فى الحياة بعد الموت ، كل شبح مستوحى من شخصية واقعية. حينما كنت اقرأ السجلات، وجدت العديد من جرائم القتل والاغتيالات. وطرأت على ذهنى فكرة القصة بهذه الطريقة.

 ولقد جاءت أشباح الرواية من الصراعات التى قمنا بدفنها. كانت استعارة واضحة لماضينا الدفين. فكرت فى إماطة اللثام عن الفصول المظلمة للبلاد. والسؤال المهم الذى ينبغى على كُتّاب سريلانكا أن يطرحوه على أنفسهم: هل ننقب عن ماضينا أم نهيل عليه التراب؟

س - كيف تبدو عملية الكتابة لديك؟ هل ثمة مسودات عديدة، فترات توقف طويلة، أو دفقات مباغتة من النشاط؟ كم استغرقت من الوقت فى كتابة الرواية؟

ج - استغرقت وقتاً طويلاً. شرعت فى كتابتها فى عام (2014)، فى نسخ متباينة ، وربما استغرقت هذا الوقت الطويل كى تتطور. فى البداية أجريت بعض الأبحاث حول عام (1989)، ودرست الفلكلور السريلانكى، وجمعت قصص الأشباح، وسودت الكثير من الصفحات بالملاحظات.

ثم كتبت مخططا عاما، ووضعت نقاطا لكل فصل. بالطبع ظل المخطط يتغير، وكذلك النقاط والأفكار. لكن بمجرد ظهور صوت مالي، بدأت تتضح معالم القصة، وبعد خمس سنوات كانت جاهزة للقراءة.

س- كتبت روايتين عن الأحوال المضطربة للبلاد والعنف المتفشى فيها، هل بات لديك الآن مفهوم أفضل بشأن حاضر البلاد وماضيها وطريقة تحرك التاريخ فيها؟

ج - شخصياً أشعر بالاشمئزاز العميق من الأوضاع فى البلاد، وكنت كذلك لوقت طويل. لقد راودتنا الآمال بعد ترعرع جيلنا بين الحروب وحظر التجوال والقنابل. وبرغم أننا احتمينا بكولومبو، كانت اللازمة المتكررة دوماً أننا لو أنهينا هذه الحرب اللعينة، لن يقف شيئاً فى طريق تقدم البلاد. لكن ها قد مضت سنوات طوال، وما زلنا لم نتعلم شيئاً من الماضى.

التحريض ضد الأقلية، واختطاف الصحفيين، وكل ما حدث خلال فترة ماهيندا راجاباكسا خيب آمال الكثيرين منا. ثم سطعت لحظة أمل حينما صوتنا لعزل ماهيندا بصورة ديمقراطية. لكن تبين أن كل رئيس يواصل التخبط منذ ذلك الحين. حينما وقعت هجمات عيد الفصح، تلاشى كل حب للبلاد من قلبي. وأدركت اللعبة التى ستحدث بعد ذلك، ومن سينضم إليها، وما سيحل بسريلانكا.

ولو نظرت إلى الجانب المشرق، سيجد الروائيون منبعاً لا ينضب من القصص بسبب الأحوال السريلانكية المضطربة والعبثية. ولهذا السبب كانت كتابة تلك القصص مهرباً وملجأ، لأننى لا أشعر بتورطى فى البلاد. لا أصدق أننا تعلمنا من أخطائنا. الأمل الوحيد أن تكتب عن هذه الأمور، كى تقرؤها الأجيال القادمة.

س - تحدثت سابقاً عن إخضاع بعض قصصك للرقابة الذاتية، كيف أثر المناخ السياسى فى عملك وأعمال الكُتّاب الآخرين؟

ج - فى سريلانكا لابد من توخى الحذر دائماً. نمر الآن بلحظة من حرية التعبير؛ فالناس يهتفون فى الشوارع بما يعتمل فى صدورهم ضد الحزب الحاكم، ويسخرون منه بالنكات اللاذعة على الإنترنت. لكن الأمر ليس كذلك دائماً.

منذ عشر سنوات كان المناخ مختلفاً. فقد أُطلق الرصاص على لاسانثا ويكرماتونج، المحرر الأيقونى لجريدة (صنداى ليدر) وحدث ذلك فى وضح النهار. كانت هناك ثقافة: "لا تقل هذا، لا تكتب هذا، أو ستأتى إليك الشاحنة البيضاء وتعتقلك".

تعد ثانى كاتب سريلانكى يفوز بالبوكر . هل انتبه الجمهور الغربى أخيراً إلى الأدب السريلانكى أم أنه يعيش أزهى لحظاته الآن؟

 من الكُتّاب السريلانكيين الآخرين الذين ينبغى القراءة لهم؟

يزخر ماضى سريلانكا وحاضرها بالقصص المثيرة. حينما شرعت فى الكتابة كنت أضع نصب عينى كارل مولر، وروميش جونسيكرا، وشيام سيلفادورا، ومايكل أونداتجى. وكذلك آرثرس. كلارك الذى أعتبره كاتباً سريلانكياً.

اليوم لدينا أدباء يتميزون بأسلوب أدبى استثنائى مثل أنوك أرودبراجاسم وناعومى موناويرا، ورواة مثل يودانجاى ويجيرانتى وآماندا جاي، وكُتّاب كوميديين مثل أشوك فيرى وأندرو فيدال فيرناندو، وعشرات الكُتّاب الموهوبين مثل الشاعرة فيفيمارى فاندربورتن وكاتبة المقال إندى ساماراجيفا.

وجميعهم يكتبون باللغة الإنجليزية. أتمنى أن يقدم جيل جديد من المترجمين الأعمال السنهالية والتاميلية المعاصرة إلى شريحة أعرض من الجمهور.

اقرأ ايضاً | عِذاب الركابي يكتب: سُوناته سُومريّة 

نقلا عن مجلة الادب : 

2023-3-11