«ملتوت وفايش وحلويات».. الحياة تعود للمقابر احتفالًا بـ«النصف من شعبان» في قنا

الحياة تعود للمقابر في النصف من شعبان بقنا
الحياة تعود للمقابر في النصف من شعبان بقنا

الاحتفالات بالنصف من شعبان في قنا، له طابع مختلف، فبالإضافة إلى تزامن الاحتفالات بالموالد في هذه الليلة، وعلى رأسها مولد سيدي عبدالرحيم القناوي، والاحتفالات بالصلاة والذكر والدعاء داخل المساجد، إلا أن القرى لها طابع خاص، فيحتفلون سنويا بهذه الليلة في المقابر لزيارة الأموات.

يشد أهالي القرى الرحال إلى المقابر، ومعهم أمتعتهم، الممتلئة بالمأكولات والمشروبات، ويمكثون بالساعات هناك، حتى الليل، أو ربما يبقون هناك حتى صباح اليوم التالي، ويحتفلون بذلك باسم "طلعة النص الكبير" ، ويطلق البعض على هذا اليوم بالعيد، الذي لا بد وأن يطهون فيه اللحوم أو الفراخ.

اقرأ أيضا | «مستقبل وطن» يكرم أوائل الطلبة فى قنا

 

ليلة النصف من شعبان

هنا في قرى قنا عادة قديمة، ولازالت يحتفى بها حتى الآن فى يوم النصف من شعبان من كل عام، ألا وهى زيارة المقابر، وعلى الرغم من أن هذه الزيارة لا يشترط فيها الإرتباط بيوم معين، إلا أن البعض جعلها عادة مقدسة من كل عام، ليس هذا فقط، وإنما جعل قدسية هذا اليوم تتمثل فى الاحتفال به يوم بأكمله.

لقد جرت العادة فى ذلك اليوم، أن يتوافد المواطنون من القرى منذ الصباح الباكر، إلى مقابر موتاهم محملين بكل "ما لذ وطاب" من الأطعمة والمخبوزات وأجود أنواع الفاكهة، لتوزيعها على الفقراء والمساكين فى المقابر، تحت مسمى "رحمة للميت"، وعلى الرغم أنها عادة عفا عليها الزمن، إلا أنها ما زالت باقية، وعتيقة، نظرًا لتمسك الأهالى وخاصة أهالى الصعيد بعاداتهم وتقاليدهم.

من أشهر أنواع المخبوزات التى يأخذها الأهالى فى ذلك اليوم، هى ما يطلق عليه البعض "قرص" والبعض الآخر يطلق عليه "ملتوت" و"الكعك" و"الفايش"، والذى تقوم السيدات بصناعته خصيصا لهذا اليوم، بالإضافة إلى أشهى أنواع المأكولات، والذى يخصص لأهل الموتى لقضاء اليوم من غذاء وعشاء وأحيانا المبيت، وإن كانت قد تلاشت هذه العادة مؤخرا.

تبدأ مراسم ذلك اليوم بإستئجار السيارات الخاصة لكل عائلة، بالاتفاق مسبقا مع السائقين، حتى يكاد موقف السيارات خالى تماما من المواصلات فى ذلك اليوم، وبعد سلامة الوصول إلى المقابر، غالبا تبدأ السيدات فى البكاء الشديد والصراخ وكلمات أخرى اعتادوا عليها مثل "سايبنى لمين ياغالى، وما كانش ليا غيرك فى الدنيا، وأنا اتبهدلت من بعدك"، وغير ذلك من الكلمات التى تعبر عن حزنهم الشديد على وفاة ذويهم، مع وضع التراب والرمال على رؤوسهم، ويستمر ذلك لثوان أو دقائق وأحيانا لساعات، وبعدها يتم توزيع الرحمة على الأطفال والفقراء.

النزهة في المقابر

المثير للدهشة، أن المقابر فى ذلك اليوم، تصبح أشبه بمكان للنـزهة والاحتفال والفضفضة، لدى الكثير من الشباب، الذين أصبحوا يصطحبون أصدقائهم من كل مكان للنزهة فى المقابر، وكأنه أشبه بيوم الاحتفال بشم النسيم، كما تقوم السيدات فى ذلك اليوم بإعداد وطهى أشهى المأكولات والحلويات لتقديمها لذويهم.

يستمـر الاحتفال فى هذا اليوم لساعات متأخرة من الليل، أما عن الأسوار التى تدور بالمقابر، فهى تشبه كورنيش النيل الصحراوى، حيث أن العادة تغيرت وتبدلت من الحزن والبكاء إلى السعادة والفرح، بعد وصول الأهالى إلى المقابر بدقائق قليلة، وأصبحت زيارة المقابر رحلة صحراوية، فبدلا من قراءة القرآن التى تستمر لدقائق قليلة فقط، فإن أصحاب السيارات والدراجات البخارية يقومون بتشغيل الأغانى المرتفعة الصوت.

عن ظاهرة تواجد "الفحار"، فقد تغيرت تمامًا، فمنذ قديم الأذل، نجد أن "الفحارين" من كبار السن، الذي تتراوح أعمارهم السنية بداية من 40 عامًا، ولكن فى الأيام الحالية/ نجد أن الأطفال صغار السن، الذى لا يتعدى عمرهم 15 عامًا، هم من يقومون بجمع "بركة الميت" من مخبوزات وفاكهة وفطير، ويصل الأمر إلى الحمام، وبعض اللحوم الأخرى.