عرفته مصر قبل 69 عامًا.. حل العقد النفسية للأطفال بـ«الرسم» | صور

العلاج بالرسم
العلاج بالرسم

يعتبر العلاج بالرسم أحد أنواع العلاجات النفسية الحديثة، التى بدأ الكثير من خبراء علم النفس التحدث عن أهميته فى السنوات القليلة الماضية، لكن يبدو أن مصر قد عرفت هذا النوع من العلاجات مبكرًا، حيث نشرت «آخرساعة» تقريرًا فى هذا الشأن قبل 69 عامًا، نضعه أمامكم فى السطور التالية: 


يقوم أخصائيو العلاج النفسى فى مصر بتجربة جديدة تدور حول النفوس المضطربة التى تظهر علامات اضطرابها حين تمسك بأقلام الرسم لتدور بها على الورق.

 


وبدأت التجربة حين طلب الأستاذ نظير عبدالجابر، مدرس الرسم بنادى السيدة زينب من تلاميذه أن يرسموا حديقة. ورسم واحد من التلاميذ الحديقة كلها باللون الأسود، وجعل النيران تخرج من رؤوس الأشجار، وعلى الطريق المجاور للحديقة رسم جنازة بها نعشان متجاوران وأحس المدرس بشيء غير عادى فى الرسم، وطلب من التلميذ أن يرسم حلمًا رآه فى نومه فرسم بيتًا يحترق، وجنازة، ونعشين أيضًا، وكرّر الرسم نفسه فى موضوع آخر، وأرسل التلميذ إلى الوحدة النفسية، واستطاع الأخصائيون أن يعرفوا أنه قام من نومه يومًا ليجد البيت الذى يعيش فيه مشتعلًا بالنيران التى قتلت شقيقيه، وأن نفسه قد امتلأت بهذا الحادث وانطلقت تعبِّر عنه حينما وجدت حرية التعبير بالرسم.

 


داخل القضبان
وتلميذ آخر استطاعت رسومه أن تفصح عن الحياة الاجتماعية الأليمة التى كان يحيا فيها. كان دائمًا يرسم وجهًا داخل قضبان من الحديد بلون أسود أو قاتم، وأخذ منه المدرس الألوان القاتمة فأعاد نفس الرسم بالألوان الأخرى، وفى العيادة النفسية شرح الطفل بعد أن اكتسب صداقة الطبيب وعطفه تلك الرسوم، وقال إن أباه متزوج من غير أمه، وأمه متزوجة من غير أبيه، وأنه هو يعيش فى دوامة هائلة من المنازعات المستمرة بين الجميع والمعارك والدسائس التى يصنعها أبوه لأمه وزوجها الذى كان يعطف عليه رغم هذا، ودس الأب السم لهم ليقتلهم جميعًا ودخل السجن، وتعلقت الصورة بنفس الطفل وأخذ يعبِّر عنها بالريشة التى تجرى على الورق.

 


قسوة الحياة
وعلماء النفس يقولون إن تلاميذ هذه المدارس والأندية يعيشون دائمًا فى بيئة فقيرة مضطربة، فيها كثير من العنف وقسوة الحياة، ويقوم فيها الجهل بالدور الأول فى كل ما يعترى هذه النفوس الصغيرة من آلام وأحزان.. الفقر يمسك بخناق الأب فلا يجد وسيلة يخرج بها نفسه من أحزانها، إلا أن يصب قسوته على زوجته وأولاده ويضيق بالحياة معهم ويسومهم العذاب، ثم يهرب من حياتهم ليتزوج من امرأة أخرى وتزداد مشكلته تعقيدًا، وزوجة الأب تعتقد أن واجبها الأول هو تعذيب هذه الأرواح البريئة التى لم تنجبها هي، وحتى الأم التى توزّع حنانها توزيعًا غير عادل بين أولادها، تساهم فى تعقيد النفوس الصغيرة التى لا تجد إلا طريقًا من اثنين لابد أن تسير فى واحد منهما، فإما أن تنزوى فى هدوء بعيدًا عن المجتمع لا تتفاعل معه ولا تعيش فيه أو تفيده، وتنطوى على نفسها، وتصبح عالة، وإما أن تتخذ كرهها للمجتمع ومقتها له طريق الإجرام والعنف والاعتداء على الأرواح والأموال.

 


علاج بالرسم
ويقولون كذلك إن الرسم نشاط تعبيري، والأيدى الصغيرة حين تمسك بأقلام الباستيل وتجرى بها على صفحات الكراسات، ترسم بنفسها طريق العلاج.. فإن أساس العلاج النفسى أن يتحدّث المريض عن كوامن نفسه بنوع من التعبير سواء بالكلام أو الرسم أو اللعب ويدرك الطبيب مدلول هذه التعبيرات ثم ينتهز الوقت المناسب لتوجيهه وعلاجه.. ولكن هناك شيء آخر فنحن فى حاجة إلى مدرسين الرسم والألعاب من نوع جديد، يستطيعون أن يدركوا بخبرتهم المعانى المختلفة للنشاط الحر الذى يقوم به هؤلاء الصغار فى رسمهم ولعبهم.


(«آخرساعة» 10 مارس 1954)