هبة عمر تكتب: المسامح كريم

هبة عمر
هبة عمر

يجد البعض صعوبة كبيرة فى تقبل الآخر أو التسامح معه عند اختلاف الرأي، وتزداد صعوبة القدرة على التسامح عند التعرض للظلم أو التشهير أو إلحاق الأذى بأى صورة من الصور، وهو ما دفع أحد علماء النفس بجامعة فرجينيا لدراسة التسامح طيلة عشر سنوات وأثره على الحالة النفسية للانسان، قبل أن يتعرض هو نفسه لأزمة عنيفة وضعت قدرته على التسامح قيد الاختبار، حين تعرضت والدته للقتل فى حادث سطو على منزلها، وظل سنوات طويلة عاجزا عن التسامح مع الأمر أو تجاوز مشاعر الألم والمرارة والرغبة فى الانتقام.

ومنذ بدء الخليقة يتعرض البشر للأذى والظلم وما يسببانه من مشاعر سلبية تنعكس على الحياة وعلى الصحة الجسدية والنفسية والعقلية، وقد تؤدى الى الموت كمدا وقهرا كما حدث مع الطالبة (رودينا أسامة) التى تعرضت للتنمر من زميلاتها بالمدرسة واصيبت بهبوط فى الدورة الدموية ادى الى وفاتها، وللأسف يبقى ضحايا التنمر والإيذاء النفسى والبدنى هم وحدهم من يدفعون ثمن غياب التربية على التسامح فى أى مجتمع، سواء داخل البيت والأسرة أو فى مجتمع المدرسة والجامعة والحياة العملية، بل إن ما يحدث فى كثير من الأحيان هو تغذية الغضب والحقد وعدم التسامح حتى مع أقل الهفوات، ويبدو هذا جليا فى أساليب التربية والتعليم والتعاملات اليومية وحتى فى برامج الرياضة و«التوك شو»، وكأننا نسعى لخلق أجيال من العدوانيين والمتنمرين بزعم أن هذه هى القوة، رغم أن القوة الحقيقية كما تؤكدها دراسات الباحثين فى علم النفس هى القدرة على التغاضى عن مشاعر الغضب والتحرر من القيود التى تفرضها هذه المشاعر السلبية، وهذا لا يعنى التوقف عن طلب العدالة أو تبرير الأذى او التصالح مع من تسبب فيه، ولكنه كما يقول العالم «ورثينجتون» فى كتابه «التسامح والصحة» هو نوع من الحماية للقلب والعقل ووقاية من الإجهاد المستمر الذى يسببه القلق والتوتر والذى يؤدى الى نقص مناعة البشر فى مواجهة ضغوط الحياة التى لا تتوقف. بالتأكيد المسامح كريم وأكثر صحة أيضا.