من «الأفاوكاتو » إلى «البالطو» .. مطالب المنع .. زوبعة في فنجان الدراما !

 المسلسل الكوميدي “بالطو”
المسلسل الكوميدي “بالطو”

ريزان العرباوي

أصبحت المطالب المتكررة بوقف عرض أي عمل فني، أو منع تصويره، بمثابة مشهدا متكررا يصاحب بعض الأعمال التلفزيونية أو السينمائية, خاصة تلك التي قد تعكس قصور الواقع في قالب كوميدي ساخر, فعندما يكون محور الأحداث في نطاق قرية أو محافظة معينة، أو تجسيدا لمهنة ما، قد “تقوم الدنيا ولا تقعد”, فيرى من ينتمي لهذه المهن والقرى أنها بمثابة تنمر و إساءة لهم، فتنطلق المطالب والهجمات الغاضبة المطالبة بالمنع والوقف, في حين أعتبرها صناع الفن “زوبعة في فنجان” هجماتها ضعيفة الأثر، ولا تدوم طويلا، وسرعان ما تهدأ وتنطفي, فحجمها لا يتجاوز حجم الفنجان الذي شهد ميلادها وتأججها ثم تلاشيها.

مؤخرا أثارت الحلقات الأولى من المسلسل الكوميدي “بالطو”، الذي يعرض عبر منصة Watch It حالة جدل وغضب من أهالي مركز “مطوبس” التابع لمحافظة كفر الشيخ, واعتبروا أن العمل يسيء لهم ويسخر منهم, مما دفع أحد أعضاء البرلمان لتقديم بيان عاجل لرئيس مجلس النواب المستشار حفني جبالي، ووزير الصحة والسكان د. خالد عبد الغفار، ووزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني، مطالبا بالتحرك الفوري لوقف عرض المسلسل, الذي يراه يسيء لأهالي مركز “مطوبس”، والمنظومة الصحية بشكل عام.
المسلسل مأخوذ عن رواية بعنوان “بالطو وفانلة وتاب”، للكاتب الساخر أحمد عاطف، وبطولة عصام عمر، مريم الجندي، محمود حافظ، محمود البزاوي وعارفة عبد الرسول، وإخراج عمر المهندس، وتدور أحداثه في إطار كوميدي، عن تكليف طبيب شاب حديث التخرج بالعمل في وحدة صحية بإحدى القرى، ومن ثم يجد نفسه فجأة مديرا لتلك الوحدة الصحية ومسئولا عنها دون سابق خبرة.

نفس الهجوم طال أيضا مسلسل “تحت الوصاية” الذي يتم تنفيذه للعرض خلال شهر رمضان المقبل، وبطولة منى زكي, حيث تقدمت نائبة من أعضاء مجلس النواب عن محافظة دمياط، بطلب إحاطة لرئيس المجلس لوقف تصوير المسلسل، ويأتي ذلك, بعد تداول صورا لمنى زكي من كواليس التصوير، في منطقة “عزبة البرج” بمحافظة دمياط، حيث زعم الأهالي هناك بأن الشخصية التي تقدمها منى، تسيء لهم، والقصة بشكل عام لا تمثل عاداتهم من قريب أو بعيد.. المسلسل إخراج محمد شاكر خضير، وتأليف شيرين دياب وخالد دياب، ويشارك في البطولة نسرين أمين, مها نصار ومحمد عبد العظيم.

مزايدات رخيصة
وصف السيناريست مجدي صابر تلك المطالب بالمزايدات الرخيصة، فلا يجب التعامل مع الفن بهذا الأفق الضيق - على حد قوله - ويقول: “لابد من فهم أن الفن لا ينقل صورة فوتوغرافية للواقع, فالدراما ليست أفلام تسجيلية, وعندما يعرض ذلك من خلال فيلم تسجيلي ينقل الواقع كما هو، وقتها من حق الناس أن تعترض إن رأت في هذا المحتوى ما يسيء لهم, فالدراما ليست نقلا للواقع، إنما معالجات لقضايا مختلفة, والدراما يجوز لها انتقاد الواقع وما قد يشمله من قصور في شتى المجالات مع العلم إنه عند معالجة الواقع في قالب ساخر، فالكاتب هنا لا يتعمد الإساءة لمهنة ما أو قرية معينة، وحتى وإن قدم شخصيات سلبية، فهو أمر طبيعي, لأن الحياة بها الخير والشر، ونحن بشر ولسنا ملائكة, ومهنة التمريض مثل أي مهنة أخرى بها الفاسد والصالح, وليس من الطبيعي عند تناول أي مهنة أن يأتي البعض مطالبا بالوقف والمنع ويصادر أحكام, نفس الأمر حدث مع مسلسل (وش وضهر)، عندما قدمت ريهام عبد الغفور شخصية الممرضة والراقصة في نفس العمل, فالبعض أنتقد ذلك، وأعترض على انتماء تلك النماذج لأهالي مدينة طنطا التي دارت بها أحداث العمل”.

ويتابع: “الدراما تحتمل هذا التناول، خاصة إذا كانت في إطار كوميدي، ومعروف أن الكوميديا تقدم الدراما من خلال نوع من التجاوز ونقل صورة ليست بالضرورة أن تكون حقيقية 100%, لذلك يتوجب على بعض المنتقدين, أولا، أن يفهموا إن الدراما لا تقصد الاساءة, ثانيا، أن مهمة الدراما كشف السلبيات، فلا يوجد مجتمع ملائكي, ولو طالبت كل مهنة بعدم التعرض لها، ونفس الحال لكل قطاع أو قرية أو مدينة، فمن أين تستقي الدراما محتواها, ونحن بصدد الحديث والتناول الدرامي لبشر، وفي النهاية الناس يحتملون الخير والشر، وكذلك المهن”.

توظيف نفعى
وفي إطار موازي لفكرة الرفض لتلك المطالب، أكد المؤلف د. محمد سليمان عبد المالك، على أنها جهل لمفهوم الفن، وتوظيف نفعي وانتهازي للخلافات, ويقول: “مطالب فارغة وجنونية لا يجب أن توضع في الاعتبار، فلا يوجد ما يسمى بمهنة يسيء لها عمل درامي أو عمل أدبي هو نوع من أنواع عدم الفهم لطبيعة الفن والدراما، والأدب في العموم، وليس معنى تجسيد شخصية شريرة أو ذات سلوك منحرف، أن العمل يسيء للمهنة، أو لأن الأحداث الدرامية تدور في قرية أو منطقة معينة، إذا فأهالي تلك القرية فاسدون”.

ويتابع: “إذا تعمد رجال البرلمان توظيف تلك الحالة كنوع من الدعاية لأنفسهم في دوائرهم، فهو غير مقبول، لأنه من المفترض أن رجال البرلمان على قدر من التعليم والفهم, وقد يقع ذلك تحت مسمى (تجارة الجهل)، لأنه هنا يستغل الفن والأدب واحتقان قطاع من الجمهور لتحقيق أهداف شخصية ذلك في حالة صدور تلك المطالب منهم بالفعل، وأرى أنه يكفينا المطالب الرقابية، فلا ينقصنا رقابة من أي جهة أخرى, وفي النهاية نحن أمام أعمال تقدم من وجهة نظر مبدعيها، وعندما تفرض عليهم وصاية لكي تجبرهم على شكل معين، (طيب ما تعمله أنت أفضل)، فتلك المطالب تحول الفن ليصبح تحت الوصاية الفئوية, وأتمنى أن لا تؤثر على حرية الفن، فهو ليس في أفضل ظروف حريته نتيجة لعدة عوامل، أبرزها السوشيال ميديا التي باتت محفل للمعترضين والمنتقدين، ووسيلة لشن حملات ومطالب ضد الفن والفنانين، والفنان ليس من المفترض أن تمارس عليه سلطة رقابية، إلا ضميره”.

فقاعة صابون
الناقدة ماجدة خير الله تتسأل في بداية حديثها: “هل نجحت تلك المطالب في وقف عرض أي عمل فني؟”, وترد: “بالطبع لا, لأنها ليست سوى (مهاترات فاشية)، وكل مجموعة تتصور أن عليها حماية مهنتها ضد أي نقد وأي تصور أو إبداع, وهذا التصرف يصدر من البعض دون إدراك من المسئول عن الإجازة أو المنع, فيجب أن ندرك جيدا أن أي عمل تم تصويره وعرضه على الشاشات، هو بالضرورة قد حصل على التصريحات اللازمة، ومر على الرقابة، فلا يوجد أي قوة بعد ذلك لمنعه إلا الدولة نفسها إذا تغيرت السياسات، وهي مسألة كبيرة, وليس بإستطاعة أي مجموعة من الممرضين أو المحامين أو أي قطاع (يطلع في دماغه ويقول أنا هوقف العمل حتى قبل عرضه)”.

وتضيف: “على أي أساس يتم المطالبة بالمنع، وما الإساءة التي يقدمها العمل!.. أي مهنة بها الصالح والطالح، والمشكلة أن هناك ترصد وتصيد للفن، وهناك من يتصور أن بيده سيف يقطع به رؤوس المبدعين أو العمل الفني, وهذا وهم، ولن يحدث، بل مجرد رغبة في إثبات الذات، وأي مجموعة تقول أنا موجودة وأمتلك القدرة لوقف حال هذا العمل، في الواقع لا يحدث غير أنهم يصنعون حالة من الضجيج دون فائدة, والغريب أن تلك الهبات تأتي ضد أعمال بالغة الجودة، فعندما تنادي بوقفها ستجد ملايين الأشخاص ضدك، لأن الناس تكون مستمتعة بالعمل، وهو بالفعل لا يحمل أي إساءة لمهنة أو لبلد، بل هي مسألة تدل على إفتقار البعض لثقافة الفهم لماهية العمل الفني، وظاهرة متكررة منذ 30 سنة، وتشبه (فقاعة الصابون) التي لا تحدث أثر، أتذكر أن بعض المحامين والمستشارين طالبوا بسجن عادل إمام والمخرج رأفت الميهي بعد عرض فيلم (الأفوكاتو)، ووصل الأمر لمجلس الشعب، وعندما عرض الأمر على المجلس، قوبل بإستهجان من فكرة محاكمة أو معاقبة تخيل فني، فهل يمكن معاقبة رسام كاريكاتير لأنه رسم شخص بأنف كبير، هذه هي روح هذا الفن، كذلك الفن الكوميدي قد يكون به مبالغة أحيانا لتوضيح فكرة معينة, وينتهي الحكم على العمل بعد الحصول على تصريح رقابي، فهذه الرقابة تتبع وزارة الثقافة، أي الدولة، وليس من المنطقي أن يأتي بعد ذلك شخص أو جهة لتطالب بإعدام العمل الفني”.
واختتمت ماجدة حديثها قائلة: “الفن بالفعل تحت وصاية الرقابة، وليس وصاية أفراد وأهواء شخصية, والرقابة تجيز العمل وفقا لقوانين أقرتها الدولة إذا فهو لا ينم عن أي اساءة لأي جهة”.

معارك مفتعلة
أخيرا يرى الناقد عصام زكريا أن هذه المطالبات جزء منها جهل بالفرق بين الدراما والواقع, موضحا ذلك بالقول: “الدراما صراع وضحك وجدل، وحتى في الأعمال الأجنبية عندما يتم تحية أو تقديم شخصية مشهورة أو عامة، يتم تقديمها بشكل ساخر دون أن يغضب، بالعكس فهو يقدر ذلك التقديم دون أن يشكل له مصدر غضب، ولا ينظر له على أنه إساءة، بالعكس، يضحك ويشارك معهم أحيانا في تلك السخرية، ويتقبل الموضوع بصدر رحب, فلابد من توسيع مدركات الفهم لثقافة الفن وأنماطه المختلفة, فهناك جهل سائد أنه لو تم تقديم نموذج فاسد لطبيب - على سبيل المثال - فهو يسيء للمجال الطبي، مع العلم أن الدراما أصلها خيال الكاتب، ولا ترتبط بالواقع حتى ولو تلامست معه في بعض النواحي, والسينما الأمريكية قدمت الجانب الفاسد لدى المحامين، ومع ذلك لم تنقلب الدنيا، رغم أن السلطة القضائية تعتبر من أقوى المؤسسات في أمريكا”.

ويتابع: “يأتي بعد الجهل بالدراما، سبب آخر مرتبط بالمثل القائل (الفاضي يعمل قاضي)، فلا يوجد ما يشغل هولاء النواب سوى البحث عن معارك مفتعلة لإحداث (هيصة) و(شو إعلاني) لأنفسهم في دوائرهم، كدعاية للانتخابات المحلية، السبب الثالث أن الفن أصبح (الحيطة المايلة) للمتشددين دينيا، ممن يعتبروا الفن ثغرة لتحريم المجتمع وتكفيره، وتلك الثقافة انتشرت على مدار عقود، حتى أصبحت خلفية لعقول البعض، حتى ممن لا ينتمي لهم”.
ويتابع: “الفن أصبح (ملطشة)، وما يحدث الآن هو مطالب بمنع ما يتم مشاهدته في العلن، لكن ما يشاهد في السر لا تملك السيطرة عليه، وبالتالي كل ما تساهم فيه تلك الهجمات والدعوات، هو زيادة الانفصام والازدواجية المرضية المجتمعية، بأن نكون في العلن أشخاص نحمي الأخلاق، وفي السر نمارس أسوأ الانحرافات، لذلك أتمنى أن يكون هناك تقبل لبعض النقد والضحك والتهكم والسخرية، فإذا تم منع تلك المشاعر قد تتحول لمشاعر مريرة، مثل الكراهية, وهو ملموس على السوشيال ميديا، فكم الكراهية والعدوانية فيها شديد، وبعض الناس تجهل ثقافة تقبل الآخر والحوار والنقد, ويجب أن نتفق إن رأي الأغلبية ليس دائما صحيح، أو يجب أن فرضه على الأقلية التي لا تتقبله، فالديمقراطية تكفل للأقلية أن تقول رأيها”.

نقلا من عدد أخبار النجوم بتاريخ  2/3/2023

أقرأ أيضأ : عمر المهندس يكشف لـ«بوابة أخبار اليوم» فكرة مسلسل «بالطو» | فيديو