كيف واجه الاقتصاد الروسي العقوبات الغربية؟

روسيا تكسب 800 مليون دولار يوميًا من صادرات الطاقة
روسيا تكسب 800 مليون دولار يوميًا من صادرات الطاقة

فرضت الولايات المتحدة وأربعون دولة أخرى عقوبات على روسيا ردًا على غزوها لأوكرانيا فى 24 فبراير 2022. وكانت العقوبات غير مسبوقة من حيث نطاقها وشدتها بالنسبة لاقتصاد بحجم روسيا. تضمنت العقوبات الأولية تجميد الأصول الروسية فى الخارج وفرض حظر على تصدير التقنيات الرئيسية إلى روسيا. على مدار عام 2022، تم تصعيد العقوبات بشكل كبير حيث بدأ الاتحاد الأوروبى فى نهاية المطاف فى خفض جذرى لشراء النفط والغاز الروسي. وبشكل منفصل، أغلقت أكثر من 1200 شركة غربية عملياتها فى روسيا. فهل أثرت تلك العقوبات على روسيا بعد عام من الحرب؟

قبل الغزو، كانت الدول الغربية تأمل فى أن يؤدى التهديد بفرض عقوبات إلى ردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا. ولكن بمجرد بدء الغزو، تحول الهدف إلى ردع الرئيس فلاديمير بوتين عن التصعيد وتشجيعه على الانسحاب - عن طريق الحد من قدرته على تمويل آلته الحربية.

وفى الأسبوع الأول من الحرب، تراجعت قيمة الروبل الروسى حيث أصيب الروس بالذعر عندما تم استبعاد معظم البنوك الروسية من نظام سويفت للمعاملات الدولية وتم تجميد الأصول الحكومية فى البنوك الأجنبية.

ومع ذلك، كان البنك المركزى الروسى قادرًا على تثبيت سعر الصرف بسرعة، مما أعاده لمستويات ما قبل الحرب. وبلغ التضخم ذروته عند 18٪ فى أبريل قبل أن يتراجع إلى 12٪ بحلول ديسمبر.

ورغم ذلك، استمر بعض المراقبين الغربيين فى الإصرار على أن العقوبات تعيق الاقتصاد الروسي . صحيح أن العقوبات دمرت قطاعات معينة، لا سيما قطاع الطيران وتصنيع السيارات، اللذان شهدا انخفاضًا بنسبة 80٪ فى الإنتاج بسبب نقص المكونات المستوردة.

ومع ذلك، أنهت روسيا بصفة عامة 2022 بانكماش بنسبة 3٪ فقط فى ناتجها المحلى الإجمالي. وانخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 9٪ خلال العام، حيث حلت العلامات التجارية المحلية - إلى جانب بعض الشركات الصينية والتركية - محل الشركات الغربية فى السوق المحلية.

وعلى الرغم من العقوبات والنكسات فى ساحة المعركة، لم يُظهر بوتين أى بوادر للتراجع . فى سبتمبر، حشد 300 ألف جندى احتياطى وبدأ حملة لشل نظام الكهرباء فى أوكرانيا من خلال الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار.

وهناك أربعة أسباب وراء عدم سقوط الاقتصاد الروسى بعد:

أولا: تعد الطاقة شريان الحياة لروسيا، ففى الوقت الذى تنفق فيه روسيا أكثر من 300 مليون دولار أمريكى يوميًا لخوض الحرب، يمكنها ان تكسب 800 مليون دولار يوميًا من صادرات الطاقة خلال معظم أيام العام، وكان تدفق الإيرادات هذا كافياً لمنع انهيار مستويات المعيشة وتجديد مخزون روسيا من الأسلحة والذخيرة.

تسببت الحرب، إلى جانب التخفيض الروسى فى شحنات الغاز إلى أوروبا فى ارتفاع أسعار النفط والغاز..

ثانيًا : تمثل الدول التسع والأربعون التى فرضت العقوبات على روسيا 60٪ فقط من اقتصاد العالم. وهذا يترك 40٪ على استعداد للقيام بأعمال تجارية مع موسكو. وقد رفضت معظم الدول غير الغربية الانضمام إلى العقوبات.. تشترى الهند والصين المزيد من النفط والغاز الروسى - على الرغم من أنهما أقنعتا روسيا بمنحهما خصمًا كبيرًا يتراوح بين 20 دولارًا و 30 دولارًا للبرميل. تركيا أيضًا شريك مهم: زادت تجارتها مع روسيا بنسبة 45٪ فى عام 2022.

وعلى الرغم من جهودهم لخفض المشتريات من روسيا، لا تزال الدول الأوروبية تشترى 125 مليار دولار من النفط والغاز الروسى منذ بدء الغزو، مقارنة ب 50 مليار دولار من الصين، و 20 مليار دولار من تركيا و 18 مليار دولار من الهند.

العامل الثالث: هو أن المراقبين الذين توقعوا كارثة فشلوا فى تقدير السمات الفريدة للاقتصاد الروسي. كانت الحكومة الروسية تستعد وتخطط لهذه الحرب منذ سنوات عديدة وتعلمت التعايش مع العقوبات التى فُرضت بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 والعمل على حلها.

وأخيرا، كانت النظرية أن خسارة القلة الخاضعة للعقوبات عشرات الملايين من الدولارات، قد يقنعون بوتين بتغيير مساره لإنقاذ ثرواتهم. بالفعل فقد الأوليجارشيون نصف صافى ثروتهم أو أكثر، لكن القليل منهم انتقد الحرب علنًا. كانوا يعلمون أن تحدى بوتين يعنى خسارة أعمالهم فى روسيا، على أقل تقدير.

من المهم ملاحظة أن الحكومة الروسية توقفت عن نشر معظم الإحصاءات الاقتصادية الإجمالية، لذلك يجب التعامل مع جميع البيانات بحذر - ومن المحتمل أن يكون الواقع أسوأ مما تشير إليه البيانات.

من المتوقع أن ينخفض إنتاج روسيا النفطى إلى النصف هذا العام ومن المتوقع أن تنخفض إيرادات الموازنة الروسية بنسبة 30٪.

على الرغم من أن الاقتصاد الروسى سوف يعانى، إلا أن بعض الاقتصاديين يقولون إن الانهيار الاقتصادى أمر غير مرجح. وانه من غير المحتمل حاليا أن يؤدى خفض صادرات الغاز إلى أوروبا والعقوبات النفطية إلى انهيار اقتصادى فى روسيا.

وأن العقوبات ليست «كارثة» على الاقتصاد الروسى ولن يكون هناك نقص فى العملة الأجنبية. وان الواردات الصينية ستحل محل الواردات الغربية، وستتحول روسيا تدريجياً إلى قمر صناعى اقتصادى للصين.

ولكن فى الوقت الحالى على الأقل، من الواضح أن العقوبات لم تضعف قبضة بوتين على السلطة، ولا تصميمه - وقدرته - على مواصلة الحرب على أوكرانيا.

اقرأ ايضاً | بوتين: هدف الغرب تقسيم روسيا إلى دويلات صغيرة

نقلا عن صحيفة الأخبار: 

2023-2-27