زلزال مُدمر وحرب لا تنتهي.. السوريون يرتجفون ألمًا وبردًا

أطفال نازحون سوريون يجلسون فى مركز إيواء أقيم لدعم المتضررين من الزلزال المدمر فى غازى عنتاب
أطفال نازحون سوريون يجلسون فى مركز إيواء أقيم لدعم المتضررين من الزلزال المدمر فى غازى عنتاب

دينا توفيق

معاناة إنسانية.. حالة من الفزع والرعب تزيد من أنين السوريين وتكبل أيديهم مجددًا وتحول أحلامهم البسيطة إلى كابوس بعد أن عانوا من ويلات الحرب الأهلية ونزحوا وتركوا منازلهم، والآن انهارت هى الأخرى عليهم وباتوا تحت الأنقاض إثر الزلزال الذى وقع مؤخرًا.. المشهد بائس بين ناجٍ بلا مأوى أو غذاء، وصغار فقدوا ذويهم، وآخرين هم تحت الأنقاض مع تضاؤل الأمل فى إنقاذهم أحياء.. الأوضاع تزداد سوءًا كل يوم، مع مواجهة البرد القارس، لا يعرفون مصيرهم، وصوتهم بات يملؤه الخوف من المجهول؛ الموت يحيط بهم من كل اتجاه، يفتقدون أساسيات الحياة، لا يعلمون ماذا يفعلون وإلى أين يذهبون، عليهم تحمل ظروف التجمد فى انتظار المساعدة والمأوى.

الوضع برمته يعجز الكلام عن وصفه، أكثر من عقد ولايزال السوريين يعانون من الحرب. ضربة قاسية للشعب السورى الذى نزح عدة مرات من منازلهم ويكافح من أجل التأقلم. يعيش فى شمال غرب سوريا 4٫2 مليون شخص يعيشون فى ملاجئ مؤقتة والخيام. ومع وقوع الزلازل، وجدت الآلاف من الأمهات وأطفالهن أنفسهم نازحين مرة أخرى دون أى شيء وسط درجات الحرارة المنخفضة، مع نقص فى الأساسيات من غذاء وماء وتدفئة ورعاية طبية، وفقًا لمنظمة «أطباء بلا حدود». ونظرًا لنقص الأموال للمساعدات الإنسانية وصعوبات الوصول إلى هذه المنطقة الحبيسة، كانت معظم المستشفيات السورية تواجه بالفعل العديد من الصعوبات والنقص حتى قبل كارثة الزلزال. كان نقل الإمدادات والأدوية من تركيا إلى سوريا يمثل تحديًا كبيرًا، حيث كان معبر منطقة «باب الهوى» نقطة العبور الوحيدة للقوافل الإنسانية إلى شمال غرب سوريا، وكان عرضة للتوترات السياسية قبل الكارثة. وبعد الزلازل، تم إغلاق هذا المعبر لمدة ثلاثة أيام وأعيد فتحه يوم 9 فبراير، مع حركة مرور قليلة للغاية حتى الآن. انخفض مخزون المنظمات الإنسانية العاملة داخل شمال غرب سوريا. يعيش مليونا شخص فى مخيمات للنازحين، غالبًا فى خيام معرضة للرياح.

وقبل أسبوع من الزلزال، ضربت عاصفة ثلجـــــيـــة المنطـــقـة. وتدهـــورت الظـــروف المعيشية بشكل كبير. ما دفع منظمة أطباء بلا حــدود بمــد المنطـقة بمعـدات التدفـئة والمراتب، وهى ضرورية فى هذه الظروف الجوية، حيث تنخفض درجات الحرارة عن الصفر فى الليل.

وقد زاد عدد الأشخاص فى هذه المخيمات، بينما تم افتتاح مراكز استقبال لاستيعاب المزيد من النازحين. ويوجد 15 مركز استقبال فى محيط إدلب حاليًا، وقد أطلقت المنظمة عيادات متنقلة لتقديم الاستشارات الطبية فى خمسة منها.
وكانت سوريا قد شهدت خلال الفترة الماضية موجة من الطقس السيئ، حيث انخفضت درجات الحرارة بين عشية وضحاها إلى العشرينات بينما ترتفع درجة الحرارة فقط إلى الأربعينات خلال النهار. وبسبب الطقس البارد، تتزايد المخاوف من وفاة الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض نتيجة تعرضهم للعوامل الجوية. فيما ذكرت وكالة «أسوشيتيد برس» أن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين فقدوا منازلهم فى الزلزال قد لجأوا إلى أماكن مثل الخيام والملاعب، ومنهم من فر إلى المقابر للاحتماء بها، بينما كان الكثير منهم ينامون فى العراء ويتجمعون حول نيران المخيمات للتدفئة. كما أعاقت الثلوج والأمطار جهود الإنقاذ فى الساعات الأولى بعد الزلزال. وهذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية فى تصريحاتها أن الطقس البارد والثلجى سيترك الآلاف الذين فقدوا منازلهم فى الزلزال لمواجهة «ظروف متردية ومروعة». وفى جنيف، حذر مدير الاستجابة للحوادث فى منظمة الصحة العالمية، «روبرت هولدن»، من أن «الكثير من الناجين كانوا فى العراء، فى ظروف متدهورة ومروعة مع اضطرابات كبيرة فى الوصول إلى الوقود والمياه والكهرباء وإمدادات الاتصالات. ويزداد حجم التحدى من خلال حقيقة أن المناطق المتضررة فى سوريا تواجه درجات حرارة أكثر برودة من المعتاد. وعلى سبيل المثال، حيث وصلت فى مدينة حلب السورية إلى أدنى مستوياتها من -3 درجة مئوية إلى -2 درجة مئوية، وتكون فى أدنى مستوياتها خلال فبراير الجارى عند 2.5 درجة مئوية.

الناجون من الزلزال فى جنديرس السورية يتحدثون عن مأساتهم، مع مراسلة الإذاعة الوطنية العامة npr «روث شيرلوك» التى تقيم فى بيروت وتقدم تقارير عن سوريا ودول أخرى فى الشرق الأوسط، يقول «محمد جمعة» فى الليالى شديدة البرودة، ينام على كومة الأنقاض التى انهارت على عائلته وهو من ظل على قيد الحياة يواجهها بمفرده. كان الشاب البالغ من العمر 20 عامًا - وآخرون فى هذه البلدة - لا يزالون فى حالة ذهول وصدمة، يحرقون المتعلقات التى عُثر عليها فى الأنقاض من أجل التدفئة. لمدة خمسة أيام كانوا ينتظرون المساعدة، ولكن لم يأت شيء. وأضاف قائلًا «كنا نسمع صراخ الضحايا من تحت الأنقاض، لكن بدون الآلات والمعدات المناسبة، كانوا عاجزين عن إنقاذهم.. والآن، صمتت الأصوات.»

ولم تر مراسلة الإذاعة الوطنية العامة أى طواقم إنقاذ دولية؛ ولا توجد شاحنات محملة بالآلات أو المساعدات الطبية؛ ولا سيارات الإسعاف لإنقاذ الجرحى. كان المعبر الحدودى إلى سوريا فارغًا وصامتًا. قال محمد جمعة إن زوجته علياء وطفليه - على البالغ من العمر 20 شهرًا وحسين البالغ من العمر 6 أشهر - كانوا على قيد الحياة بعد أن انهار منزلهم فوقهم. حاول جمعة وجيرانه سحب الخرسانة المحطمة لساعات حتى نزفت أيديهم، لكن هذا الجهد كان بلا جدوى.

بعد سنوات من الحرب، لم يتبق لهم أى شيء. يعيش عشرات الآلاف الآن بدون أى إمكانية للحصول على الخدمات الأساسية فى خيام مؤقتة أقيمت فى بساتين الزيتون وتثقل أرجل الأطفال بالطين الذين يلعبون فى الخارج من الشتاء. وفقًا للأمم المتحدة، هناك ما يصل إلى 5٫3 مليون شخص بلا مأوى فى سوريا وحدها، ويحتاج ما لا يقل عن 870 ألف شخص فى كلٍ من تركيا وسوريا إلى وجبات ساخنة بشكل عاجل، ولكن قوافل الإغاثة المسموح بها فقط عبر نقطة حدودية واحدة؛ باب الهوى، والطرق بين مركز إمداد الأمم المتحدة فى تركيا وهذه النقطة الحدودية تضررت فى الزلزال، لذلك ظلت المعابر الحدودية الأخرى المفتوحة مع سوريا لعدة أيام غير مستخدمة ولم تصل أى مساعدات.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ ٢٢/٢/٢٠٢٣

 

أقرأ أيضأ :