عاجل

فبراير شهر الحب

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

فى الرابع عشر من شهر فبراير يحتفل العالم كله بعيد الحب، فما هى قصة هذا العيد، وما هى سيرة الحب فى التاريخ الإنساني؟ تعال نبحر معاً فى هذا العالم الجميل، فى ظلال الحب.

القديس فالنتين

يعرف عيد الحب بأنه «الفالنتين»، وفالنتين هذا قديس مسيحى عاش فى الدولة الرومانية، وكانت هذه الدولة فى عصره ترفض المسيحية وتقاومها، لكنه لم يهتم بأوامر الدولة، كان يرعى العشاق المسيحيين، ويزوجهم رغم أنف الدولة التى لا تعترف بالمسيحية ولا بالزواج المسيحي. وهانحن نتخيل الفصل الأخير من قصته..

كان الظلام يلف المكان، والهدوء يخيم تماماً على كل شيء، والأب فالنتين يتثاءب ويستعد للنوم. نهض ليبدل ثيابه وإذا بالباب يدق. توقف عن تغيير ثيابه. سأل: من؟

جاءه صوت شاب يبدو هامساً خائفاً: افتح يا أبانا؟ أنا شاب يحتاج لمساعدتك.

فتح الأب فالنتين الباب، وجد شاباً وفتاة تمسك بذراعه وقد بدا عليهما الخوف. قال لهما: ادخلا.

دخلا. سألهما: كيف يمكننى أن أساعدكما؟

قال الشاب: نحن مسيحيان ونريد أن نتزوج طبقاً لديننا، وقد علمنا أنك لا تمانع فى تزويج المحبين المسيحيين رغم معارضة الدولة.

الدولة ترفض المسيحية، فلترفضها كما شاءت، لكنا لن نترك ديننا خوفاً منها، لأن الله سيحاسبنا لو تركنا الدين بسبب الخوف.

هل ستزوجنا؟

لم لا؟ لكن ينقصنا بعض الشهود.

موجودون بالخارج. لقد جئنا بهم.

وفتح الشاب الباب ونادى بعض الأفراد الواقفين بالخارج. دخلوا. وبدأ القس فالنتين فى المراسم. أمسك بالصليب الكبير فى يده، وقال للشابين: تعاليا هنا، أمامي.

وقفا أمامه ليتمم مراسم الزواج. فى هذه اللحظة دق الباب دقات عنيفة متلاحقة. سأل القس: من؟

جاءه صوت خشن: افتح .

فتح. فوجئ بالشرطة. دخلوا وفى عيونهم الشر. صاح كبيرهم: اقبضوا على جميع الحاضرين.

قبضوا عليهم كلهم. سأل القسيس فالنتين: لم تقبضون علينا؟

لأنك تخالف قوانين الدولة الرومانية، وتدين بالمسيحية، وتزوج الراغبين فى الزواج على الطريقة المسيحية.

ثم نظر كبير الشرطة لرجاله قائلاً: خذوهم إلى السجن حتى ننظر فى أمرهم.

حكمت المحكمة عليهم بالقتل. وقتل القديس فالنتين فى روما، عام 269 للميلاد، ودفن فى كنيسة «فيا فيلامينا».

هذه أشهر القصص حول القسيس فالنتين، لكن عدداً كبيراً من الباحثين يرى أن هذه القصة وكل القصص التى تروى حول هذا القس من نسج الخيال. وسواء أكانت من نسج الخيال، أم من حقائق التاريخ، فإن الناس تحتفل حتى اليوم بعيد الحب، ويسمون يوم الاحتفال باسم هذا القديس: فالنتين.

الوفاء النادر

الحب أقدم من القديس فالنتين. تاريخ الحب هو تاريخ الإنسانية. لدينا قصص حب ترجع لأقدم العصور.

ومن أشهر قصص الحب التى وصلت إلينا من العصر الفرعونى قصة إيزيس وأوزيريس. كانت إيزيس زوجة لأوزيريس.

أحبته بمنتهى الإخلاص. لكن «ست»، رمز الشر كان يكره أخاه أوزيريس رمز الخير.

وتحايل عليه حتى وضعه فى تابوت، وألقى التابوت فى النيل. أخذ التيار التابوت وسار به بلا توقف.

سارت إيزيس فى إثر التابوت على طول النيل، تسأل الناس: هل رأيتم تابوتاً يحمله التيار، فيقولون إنهم رأوه يمضى للشمال. وظلت تتابع التابوت حتى نهاية الدلتا، فعلمت أن التابوت خرج إلى البحر المتوسط، فتابعت التابوت، حتى وصلت إلى بلد تسمى «بيبلوس» فى لبنان.

وهناك عرفت أن الملك أعجب بالتابوت فأخذه وجعله عاموداً يستند عليه بيته. وأعجب بأوزيريس وقرر ألا يتركه، لكنها طلبت من الملك أن يترك لها زوجها لتعود به إلى مصر، وما زالت به حتى وافق، فعادت مع حبيب القلب.

بعد العودة تآمر ست على أوزيريس مرة أخرى قتله. مزق جسده. ألقاه فى النيل. فى كل بلد ألقى قطعة. ومرة أخرى قررت المرأة المحبة أن تجمع أجزاء الجسد الممزق. سارت مع النيل. جمعت الأجزاء، حتى اكتمل الجسد.

إنها قصة حب خالدة، استحقت إيزيس بسببها أن تكون إلهة معبودة فى مصر وحوض البحر المتوسط كله، ويقال إنها هى التى كان العرب يعبدونها قبل الإسلام باسم العُزى. لأن اسمها باللغة المصرية «إيزا» فحرفه العرب ونطقوه «عُزى».

المعشوقة الخالدة

ومن التاريخ المصرى فى العصر البطلمى نذكر قصة حب أنطونيو وكليوباترا.

كانت كليوباترا حاكمة مصر، فتاة ذكية. لكنها لم تكن بالغة الجمال، ويبدو من سيرتها أنها كانت تتمتع بجاذبية جبارة. المهم أن روما فى عصرها أرسلت القائد الكبير أنطونيو ليفتح مصر. كان أنطونيو زوج أخت القيصر.

ولم يخطر فى ذهن قيصر أن ينسى انطونيو بلده وزوجته ويحب كليوباترا، ويعيش معها فى مصر، ويحارب ضد روما، لكن هذا ما حدث.

ذهبت كليوباترا إلى أنطونيو قبل أن يصل إلى مصر. تحايلت حتى وصلت إليه.

جعلت أتباعها يلفونها فى سجادة ثمينة، ويقدمون السجادة لأنطونيو هدية، وأمام القائد الذى جاء ليفتح مصر خرجت له من قلب السجادة فى كامل زينتها، لتأسر قلبه منذ اللقاء الأول، وتغير وجه التاريخ بسبب الحب.

إله الحب

وكما كان للحب فى مصر مكانة عظيمة، كان له فى اليونان القديمة شأن عظيم. فاليونان تصوروا أن للحب إلهاً، اسمه «إيروس» وهو إله الحب والرغبة والجنس، وكانوا يصورونه بفتى جميل الصورة، عارى الجسم، له جناحان، يحمل سوطاً.

كما كانوا يعتقدون أن أفروديت أيضاً إلهة الحب والجمال، وصوروها شبه عارية، جسدها ملفوف بوشاح شفاف، تحمل فى يدها حمامة مقدسة.

والمعروف أن الحمامة فى الأساطير القديمة كانت رمزاً لعضو التذكير. وكانت لدى اليونان قصص حب رائعة، صوروها فى أساطيرهم، ولولا ضيق المساحة لذكرنا بعضها.

أما فى العصر الرومانى فقد تحول إيروس إلى «كيوبيد»، وأخذ صورة طفل جميل، عارى الجسد، يمسك فى إحدى يديه قوساً، وفى الأخرى سهماً، وهذا السهم له قوة سحرية، من يصاب به يقع فى العشق فوراً.

وكان لكيوبيد هذا قصة حب تستحق أن نقف عندها.
كما كان كيوبيد يصيب الناس فقد أصاب نفسه دون قصد، ووقع فى حب فتاة تسمى بسايكي.

لكنه كان يخشى معارضة أمه، وأمه هى أفروديت نفسها (كان الرومان يسمونها فينوس)، لذلك ذهب إلى والد الفتاة، وطلب منه طلباً محدداً:

أرجوك يا سيد الناس، خذ بسايكى واذهب بها لجزيرة بعيدة، بحيث لا تعرفها أمي، لأنى مصمم على الزواج بابنتك، وأخشى معارضة أمي.

كيف تعيش وحيدة فى إحدى الجزر؟ ألا تخشى عليها يا كيوبيد؟

بل أخشى عليها من النسمة إذا مرت بها، لكن للضرورة أحكام، فأمى رغم أنها إلهة للحب والجمال لكنها حين تعاملنى بأمومتها تصير شيئاً آخر.

حاضر يا ولدى. لك ما أمرت.

وذهب بها للجزيرة، وكان كيوبيد يزورها ليلاً بحيث لا تراه، لكنها ذات ليلة أشعلت سراجاً ورأته، فأحبته أكثر. حين علمت أمه أفروديت غضبت. قالت له:

لا بد أن تبتعد عن هذه البنت

أرجوك يا أمي. لا أستطيع.

بل لا بد أن تتركها.

كيف تريدين أن تفرقى بيننا وأنت إلهة الحب؟

هى كلمة واحدة، إذا كنت تريد منى ألا أغضب عليك.

طلبك قاسٍ، لكنى لا أملك إلا أن أكون ابناً مطيعاً.

وافترق الحبيبان، لكن بسايكى لم تقف ساكنة، بل فعلت كل شيء من أجل أن تصل لحبيبها، ويقال إن الأم

أصابتها بلعنه تجعلها تنام ولا تفيق الا بعد أن يقبلها كيوبيد. وعلم كيوبيد سر اللعنة، وقرر إنقاذ حبيبته.

وبذل الجهد الشاق حتى وصل إليها:

ها هى تنام كملاك. ما أجملها. ما أروع شعرها، وفمها. ما أجمل السكينة المرسومة على وجهها. ها قد جئت يا حبيبتي. وآن لك أن تعودى للحياة. ها أنذا أقبلك القبلة التى تزيل عنك اللعنة.

انحنى عليها. قبلها، فنهضت لتوها، وصرخ كيوبيد من السعادة: ما أسعدنى بك يا حياتي. اليوم عدت لي، ولن يكون بيننا فراق أبداً.
وعاد الحبيبان لبعضهما.

الحب عند العرب

عرف العرب قصص حب ملتهبة خلدها التاريخ، أشهرها قصص الحب العذرى، مثل : عنتر وعبلة، وقيس وليلي، وكثير وعزة، وغيرها، وقد ألف الكتاب العرب حول قصص الحب العذرى المؤلفات الجليلة، لكن كانت هناك قصص حب أقوى من كل قصص الحب العذرى، مثل قصة حب محمد بن القاسم فاتح الهند لبنت عدوه، ملك الهند، الذى ذهب لفتح بلاده، وقد اضطر محمد خلال الصراع إلى قتل والدها، ووقعت هى نفسها أسيرة بين يديه، لكنها رفضت أن تكون له.

طلبت منه أن يرسلها ضمن الأسرى إلى دمشق عاصمة الخلافة، وفى دمشق قررت أن تنتقم لأبيها، فقالت للخليفة إن محمداً بن القاسم اعتدى على شرفها، فأقام عليه حد الزنى وقتله، وبعد قتله أحست بالندم، واعترفت بالحقيقة لكن بعد فوات الأوان.

قصص الحب لا تنتهي، لهذا كان من الجميل أن يجعل الناس للحب عيداً فى شهر فبراير من كل عام.