بعد مشاهد الدمار فى تركيا وسوريا .. مصر خارج «حـزام الرعب»

زالزل سوريا
زالزل سوريا

إيثار حمدى

رغم أن الزلازل وقعت فى تركيا وسوريا، إلا أن المصريين شعروا بآثارها المدمرة وهم يشاهدون القنوات الفضائية التى نقلت الأحداث المرعبة، إضافة إلى مقاطع الفيديو التى انتشرت على السوشيال ميديا تصور آلام الضحايا ومعاناتهم تحت الأنقاض.
وعلى هذه الخلفية انطلقت الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعى تحاول نشر الفزع فى قلوب المواطنين بأن مصر فى مرمى الزلازل، وأن ما حدث فى تركيا وسوريا قابل للتكرار فى بلاد أخرى، فضلا عن شائعات أخرى تشير إلى أن الزلازل لم تكن طبيعية ولكنها نتيجة لتجارب نووية.
آخرساعة» فى هذا التحقيق سألت الخبراء عن تفسير ما حدث فجأة فى كل من تركيا وسوريا، وهل صحيح أن الصورة يمكن تكرارها فى مصر قريبا؟.. ويكشفون سر زلازل تركيا وسوريا، ويجيبون على الأسئلة التى تشغل بال المصريين، ويردون على الشائعات بالحقائق العلمية، ويلقون الضوء على ما فعلته مصر تضامنا مع الضحايا فى كلتا الدولتين وهى ترسل لهم مساعدات عاجلة.

فى البداية أوضح الدكتور جاد عوض، رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، أن معظم الزلازل التى تكرر الشعور بها فى الفترة الأخيرة كانت خارج مصر باستثناء زلزالين حدثا منذ أسبوعين تقريبا فى منطقة خليج السويس، وما دون ذلك فهو خارج مصر فى تركيا وسوريا، بينما الزلازل التى حدثت قبل ذلك كانت فى اليونان وقبرص وكريت، ونظرا لقوتها تم الشعور بها فى بعض المدن المصرية، نافيا ما ردده الكثيرون بأن مصر دخلت حزام الزلازل.
وتابع: الحزام الهيلينى يمتد غرب تركيا إلى اليونان وهذه المنطقة هى التى يقع فيها هزات كبيرة نسبيا، إضافة إلى أماكن أخرى فى البحر المتوسط والبحر الميت فى الأردن يحدث فيها زلازل ولكن لا تكون مؤثرة بشكل ملحوظ على مصر.
وأشار إلى أن هناك دليلاً استرشادياً لمواجهة مخاطر الزلازل قام المعهد بإعداده بالتعاون مع مجلس الوزراء، يعرض الكثير من الإرشادات للعاملين فى مجال البناء والتنمية العمرانية والدفاع المدنى ويوضح أماكن الإيواء والإخلاء، ليتدرب المواطنون على معرفة هذه الأماكن لإتقان كيفية التحرك وقت حدوث الزلزال.

كذب المنجمون
وأكد أنه من الضرورى للغاية عمل توعية وتدريب لطلبة المدارس لتعليمهم كيفية التحرك والتعامل وقت حدوث الزلزال أثناء تواجدهم فى مبنى المدرسة، وتوعية المواطنين العاديين بكيفية التعامل مع الزلازل حتى لا يتكرر ما حدث فى زلزال 1992 من تدافع للناس على سلالم العمارات، ما أدى بدوره إلى وقوع الكثير من الإصابات التى وصلت للوفاة وكل ما عليه عمله هو محاولة الهدوء فى مكانه وأن يحمى جسده من احتمالية انهيار أى شيء يسقط عليه.

الإنذار المبكر
وعن إمكانية وجود توقعات لحدوث الزلازل قال جاد إن هناك فرقاً بين التوقعات والتنبؤات، ولا يوجد تنبؤ بالزلزال على مستوى العالم مطلقا، والبديل له هو ما نطلق عليه الإنذار المبكر، فمثلا عندما يكون هناك زلزال كبير نجد قبل حدوثه بعض الموجات القليلة المصاحبة له، يتم الاعتماد عليها فى أخذ بعض التدابير مثل غلق محطات الكهرباء العالية والطاقة النووية والقطارات فائقة السرعة، وعندما تصل الموجة القوية لا يحدث الكثير من المشكلات.
وسخر من المنجم الهولندى الذى توقع حدوث زلزال فى المنطقة لافتا أن النبى عليه الصلاة والسلام قال «كذب المنجمون ولو صدفوا»، فمن المستحيل أن يقول أحد أنه سيحدث زلزال فى هذه المنطقة بقوة معينة، ولكن علميا إذا كان هناك متخصص يتابع نشاطاً زلزالياً فى مكان ما فكل منطقة لها بصمتها ونشاطها الزلزالي، فزلزال تركيا يتكرر فى هذه المنطقة منذ أكثر من 30 عاماً، ومن يتابع المنطقة جيدا ويقوم بعمل بعض الإحصائيات يتوقع حدوث زلزال كبير فى خلال العام أو العامين المقبلين ولكن لا يمكن أن يتوقع أحد فى أى يوم ولا كم هى قوته، فالزلازل طاقة كامنة فى بطن الأرض لا يمكن لأحد أن يعرف متى ستخرج.

مناطق الحزام!
ويؤكد الدكتور أبو طالب زكي، أستاذ مساعد جيولوجيا المياه بالهيئة القومية للاستشعار عن بعد، والباحث فى جامعة جنوب كاليفورنيا، أن حزام الزلازل يكون مكانه دائما على الحواف القارية أى بين القارات وبعضها، وهذه هى المناطق النشطة زلزاليا، إضافة إلى مناطق أخرى داخل المحيطات نتيجة أن بعض الدول مثل إندونيسيا واليابان متواجدة على حواف القشرة الأرضية.
ويوضح أن الكرة الأرضية ليست أرضاً ثابتة ولكنها عبارة عن مجموعة من الألواح تسمى الألواح التكتونية، وهذه الألواح تتفاعل مع بعضها ومنها ألواح تتحرك أمام بعضها، فعلى سبيل المثال قد نجد لوحاً شبه صلب يتحرك فوق شيء آخر شبه سائل بشكل عشوائى رأسياً أو أفقياً، هذه الحركة هى ما تسبب حدوث زلازل.

ويضيف: مصر بعيدة عن حزام الزلازل، ولكنها قد تتأثر بشكل بسيط بالهزات الأرضية التى تحدث فى بعض البلاد التى تقع مصر فى محيط التوابع التى تحدث بعد الزلزال الأساسي، ولكنها لا تكون أبدا بنفس قوة الزلزال الأصلي، وتركيا وسوريا فى حزام الزلازل على حواف قارية على الحدود بين اللوح الأوروبى ولوح الجزيرة العربية فبالتالى تحرك اللوحين أمام بعضهم يحدث هزات أرضية وعدم استقرار للأرض لأن الألواح تتحرك مع بعضها، وأيضا ما يحدث فى قبرص واليونان لأنهما تقعان على حواف قارية وطبيعى أن نشعر به ولكن ليس بنفس القوة فى بؤرة الزلزال نفسها.

الكود الهندسي
وعن الاستعداد لمواجهة أزمات الزلازل يقول زكى إن مصر تمتلك برنامجا جيدا للغاية فى الاهتمام بالكود الهندسى للمباني، فأى مبنى له ترخيص يجب أن يتم معاينته من حيث كود وتصميم الأساسات بواسطة مهندس مدنى أو جيولوجى متخصص ومعرفة هل هو متوافق مع الكود الهندسى المصرى للزلازل أم لا، ويدرس أحمال المبنى ونوع التربة وهل هى فى منطقة كسر صخور أم تربة ناعمة، ودراسة كل نوع من أنواع الرواسب، وكل طبيعة جيولوجية لأى مكان لها خصائص طبيعية فى الكود لو تم اتباعها لن يكون هناك خطورة على المبانى التى يتم بناؤها، ولكن ما حدث عام 1992 أن المبانى التى انهارت بالكامل للأسف لم تكن تخضع لهذا الكود.

أنواع الزلازل
وقال: هناك 3 أنواع للزلازل الأول هو الطبيعى الناتج عن الحركة التكتونية وهذا النوع يكون قوياً يسبب دماراً شاملاً على الأرض مثلما حدث فى تركيا وسوريا، وإذا حدث فى البحر يسبب تسونامى مثلما حدث فى اليابان وإندونيسيا، وهناك نوع آخر مصاحب للبراكين، فقبل حدوث النشاط البركانى تتحرك القشرة الأرضية وتهتز مما يسبب مجموعة من الزلازل، والنوع الثالث يكون صناعياً أى أنه حدث له تفعيل بواسطة النشاط البشرى مثل حدوث تفجيرات فى الجبال بالديناميت لعمل طريق فى منطقة معينة، هذا الديناميت يعزز الشروخ المتواجدة فى هذه المناطق وبالتالى يؤدى إلى تحرك كتلة كبيرة من الأرض مما يسبب حدوث زلزال، أو عمل بحيرة صناعية كبيرة مثل بحيرة ناصر التى تسببت فى حدوث الكثير من الزلازل فى المنطقة المحيطة بها نظراً لأنها تحتوى على كمية ضخمة من المياه « 150 مليار متر مكعب» وهذه الكمية هى وزن كبير يضغط على الأرض فيؤدى لحدوث الزلزال.

ويؤكد أن أنواع الزالزل الناتجة عن الحركات التكتونية والنشاط الطبيعى للأرض لا يمكن لأحد أن يتنبأ بها، لأن ما يحدث يكون على عمق كبير من الأرض ولا يمكن لأحد أن يشاهده وبالتالى مستحيل توقعه أو التنبؤ به، ولكن يمكن توقع التوابع الخاصة به عن طريق الدراسات ولكن لا يمكن توقع الضربة الأولى إلا فى الزلازل التابعة للبراكين لأنها تحرك القشرة الأرضية نتيجة خروج الحمم والارتفاع الشديد فى درجة حرارة الأرض.

مصر آمنة
كما يؤكد الدكتور يحيى القزاز، أستاذ الجيولوجيا التركيبية والتكتونية بجامعة حلوان، أن مصر تقع فى المنطقة الآمنة زلزاليا، لكن ليس معنى هذا أنه لا يمكن أن يحدث زلزال، فإن أبعد الأشياء عن الظن يكاد يكون أقربها إلى الوقوع، لأن مصر تعرضت للكثير من الزلازل، فالزلزال هو عبارة عن كسر فى الأرض وأحيانا يكون عبارة عن كمية من الطاقة تنتج على أعماق سحيقة فى باطن الأرض تؤدى إلى اهتزازات وكسور فى القشرة الأرضية وبالتالى تحدث الزلازل.

وأوضح أن مصر تحتوى على مناطق محددة خطرة زلزاليا، وهى صدع خليج العقبة ما تسبب فى زلزال 1992، وهذه هى المنطقة الوحيدة الخطرة فى مصر، وهناك منطقة أخرى معروف أنها منطقة زلازل وهى امتداد البحر الأحمر، فالبحر الأحمر معروف عنه أنه يفتح كل سنة بمقدار 1 إلى 2 سنتيمتر كل عام، وعمره حاليا 30 مليون سنة وسيظل يتسع حتى يصل إلى محيط وهى منطقة لا تسبب قلقاً أو خطورة شديدة، وأخيرا منطقة البحر المتوسط الذى يقل كل عام بمقدار معين حتى أنه قد يصل فى يوم ما إلى يابس نتيجة تصادم قارة إفريقيا مع جنوب أوروبا وهو ما يسبب زلازل خطرة مثلما حدث فى تركيا، ومناطق الفتح والغلق تكون أماكن زلازل، أما بقية المناطق فى مصر فهى آمنة تماما.

كما أكد أنه لا يجوز أن نهدأ ونترك الأمور للمصادفة بحجة أننا نقع فى منطقة آمنة، وعلى ضرورة المتابعة وأخذ الاحتياطات، وأماكن الزلازل علميا معروفة ولكن توقيت حدوثها مستحيل التنبؤ به مطلقا، ولا يمكن منعها أو التحكم فيها، وعلينا مراعاة الكود الزلزالى فى المباني، وألا نكتفى بوضع محطات قياس قوة الزلزال لأن ما يحدث حاليا هو قياس قوة الزلزال فقط وهذا يعتبر تعاملاً مع مرحلة ما بعد حدوث الخطر، فنحن نرغب فى التعامل مع أسباب الحدوث بحيث معرفة كيفية التعامل معها والتقليل من مخاطرها طالما أننا لا نستطيع التنبؤ بها مقدماً.
وطالب بتوفير ميزانية للبحث العلمى خاصة للجيولوجيا وتفرعاتها، لدراسة الخريطة الزلزالية فى مصر ومعرفة أسباب الزلازل وما الذى يؤدى لحدوثها.

خارج قدرات البشر
وردا على ما انتشر على صفحات التواصل الاجتماعى خلال الأيام الماضية حول أسباب حدوث زلزال تركيا وسوريا بأنها من صنع الإنسان نتيجة لتفجيرات نووية قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى القاعدة النووية الخاصة بها فى تركيا، يقول الدكتور على عبد النبى نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا إنه من المستحيل حدوث زلازل بهذه القوة من صنع الإنسان بسبب تفجيرات نووية، وأوضح أنه من الممكن صنع أمطار أو تسونامى فى البحر أو حتى هزات أرضية ولكن ضعيفة وليس بهذه الشدة التى حدثت فى تركيا وسوريا، وكل ما يقال على السوشيال ميديا لا أساس له من الصحة.

ويضيف: بشكل علمى بحت ممكن أن تسبب التفجيرات النووية حدوث زلازل ولكن ضعيفة لا تصل مطلقا لهذه الدرجة، لأن أكبر قنبلة فى العالم فجرتها روسيا واسمها «القيصر» لم تسبب زلزال بهذه القوة، فهى تسبب زلزالا فى المنطقة التى تقع فيها فقط أو المناطق المحيطة بها وقريبة منها، وإلا كانت الدنيا أصابها الدمار بعد أن قامت الولايات المتحدة بتجربة كل أنواع القنابل أثناء الحرب مع فيتنام، ولكن برغم ما فعلته وكل التجارب التى قامت بها لم تسبب زلزالا واحدا بهذه القوة.
 ويؤكد أن ما حدث فى تركيا وسوريا ليس إلا حركة طبيعية للوح الأناضول المواجه للوح قارة آسيا، إما أنهما تصادما أو أنهما ابتعدا عن بعض، وهذه الحركة أنتجت طاقة خرجت فى صورة هزات أرضية قوية.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ ١٥/٢/٢٠٢٣

أقرأ أيضأ : الطوارئ الروسية: انتهاء عمليات الإنقاذ بتركيا وسوريا وبدء إزالة الأنقاض