يحيى وجدى يكتب عن معرض كايرو فوتو .. كاميرا الفتى الطائر

يحيى وجدى
يحيى وجدى

أسعدني زماني بأن عرفت فاروق إبراهيم، كنت من الجيل الذي لحق الفنان الكبير والمصور العبقري قبل وفاته عام 2011، وكان فاروق إبراهيم على كل ما يمتلكه من تاريخ طويل، في الصحافة وفن الفوتوغرافيا، يجوب طرقات مباني “أخبار اليوم”، ويتوقف عند شاب في مقتبل حياته الصحفية مثلي ليسأله “أنت بتعمل إيه هنا يا واد؟”، وبعد جملتين، يحكي باسما وكأنه يعرفك من زمن تاريخ ومواقف كبار الصحفيين ويتمنى لك الخير ويمضي لغيرك، يلاطف هذا ويضاحك ذاك، ويتذكر مع من هم أكبر سنا، من جيله أو من أجيال تالية له، سنوات العز والافتتان بالصحافة وأيام الجري في الشوارع.
هذه الأيام يقام ضمن فعاليات مهرجان “Cairo Photo Week”، معرضا خاص لفوتوغرافيا فاروق إبراهيم، يضم نحو 200 صورة من صوره النادرة، وبعضها يعرض لأول مرة، وهذا العدد ضئيل جدا مقارنة بما التقطته كاميرات الفنان الكبير، فقد بلغت صوره عشرات الآلاف بدون مبالغة، في تقديم المعرض عبارة تقول إنه “كان موجودا في المكان المناسب”، وفي الحقيقة فإن قيمة صور فاروق إبراهيم ليست كونه وجد في المكان المناسب فقط، لكن لأنه يعامل جميع من يصورهم كنجوم، يستوي في ذلك طفل فقير ضاحك في الشارع مع رئيس الجمهورية، وفنانة شابة (وقتها) مثل شيريهان مع كوكب الشرق أم كلثوم، والملمح الثاني أنه كان معتزا بنفسه وبمهنته وبقيمته ودوره، فكان يفرض رؤيته وعينه على من يصوره، فيخرج منه روحا مختلفة، ولذلك استطاع أن يصور الرئيس أنور السادات بملابسه الداخلية وهو يحلق ذقنه، وعلى سرير نومه وهو في عز سلطته، كان فاروق إبراهيم روحا طيبة وأمينة، وعينا و(كاميرا) صادقة، فمنحه عبد الحليم حافظ “كارت بلانش” لتصويره في أوضاع مرضه، وهو الذي حاول دائما أن يظهر بخير أمام جمهوره، وتركته أم كلثوم يلتقط لها الصور كيفما يشاء، وفي أي وضع وكل مكان، دون أن تخشى على صورتها أمام جمهورها، فصورتها بعين فاروق إبراهيم، ابن الشارع الذي يعرف مزاج الشارع وطلبه.
في أكثر من صورة في المعرض، نجد لقطات لعدد من الشخصيات يطيرون في الهواء، وضمن الصور أيضا صورة لفاروق إبراهيم نفسه وهو يطير في الهواء مثلهم، هذه الصور هي أفضل ما يعبر عن روح الفنان الكبير.. روح الفتى الطائر الذي كان يتمنى لو نبتت له جناحات (أو نبتت لكاميرته)، ليصور الدنيا بناسها جميعا طائرة بين السماء والأرض.