على قديمو

بسهم كيوبيد.. الملك مينا يوحد القطرين

عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر

جميعنا نعرف أن الملك مينا موحد القطرين، ولكن قليلين من يعلمون كيف فعلها، وإذا كنت تتصور أن الملك الجنوبى خاض حربا شرسة مع الشماليين وانتصر، ليضع على رأسه التاجين «الأحمر والأبيض»،  فاسمح لى أن أخيب ظنك، وأخبرك أن الأمور لم تجر على هذا النحو التقليدى، فلم يكن هناك حرب ولا يحزنون!

لم يوحد مينا القطرين بالسيف، بل بسهم كيوبيد، ولم يستخدم عقله فى الوصول إلى هدفه، ولكنه اعتمد على قلبه، ولم يخض معركة فى ميدان القتال بل فى ساحة العشق، ولم يقتل ملك الشمال، ولكنه تزوج ابنته!

لو كنت ترغب فى رؤية ما حدث فيجب أن تعود معى إلى عام 3200 قبل الميلاد لتشاهد الشاب الجنوبى الأسمر «مينا» أمير الجنوب، يركع أمام والده الملك، قبل أن يطلب منه أن يتنازل له عن حكم مصر العليا لمدة أسبوع واحد فقط، ويعده أن ينهى خلال السبعة أيام الحرب الكارثية بين الشمال والجنوب والتى استمرت لسنوات أريقت خلالها دماء المصريين، وكادت أن تقضى عليهم.

ولأنه الابن الوحيد لوالده، فقد تنازل له عن العرش ونصبه ملكا، وبمجرد أن وضع التاج على رأسه، أرسل وفدا إلى ملك مصر السفلى برسالة قال فيها: «لقد طالت الحرب عشر سنوات ولم تنته، ولقد نادى بى والدى ملكاً، وأرغب فى الصلح معك..

إنّ لك ابنة واحدة وليس لأبى ولد سواى، فدعنى أتزوج ابنتك فتكون ملكة معى، ونجمع العرشين فى عرش واحد، وأبنى عاصمة جديدة تقع فى منتصف المسافة بين عاصمة ملكك وعاصمة ملك والدى». 

قرأ ملك الشمال الرسالة وأعجب بالفكرة، وعرض الأمر على ابنته «نيت حتب» فخفق قلبها للفارس الصعيدى الذى سمعت كثيرا عن شجاعته، وابتسمت فى خجل وهى تفوض والدها أن يتخذ ما يراه مناسبا، ليتم الزواج بعد ذلك ويبدأ «مينا» و»نيت حتب» فى تأسيس الأسرة الأولى.

أما العاصمة الجديدة التى جمعت بين الزوجين فهى «من-نفر» أو الميناء الجميل، والتى بنى لها «مينا» سورا أبيض، وأنشأ فيها قلعة حربية، وسماها العرب «منف» وأطلق عليها الإغريق اسم  «ممفيس».

أرجوك.. لا تظن أن الرجل الصعيدى أخلف وعده بعد الاقتران بـ«نيت حتب»، وحبسها فى الحرملك، لقد ظلت شريكته فى الحكم، لها أختامها التى تصدر الأوامر إلى رجال الدولة مثلما يفعل، بل وارتقى بها لتصبح معبودة للمصريين.

لابد أنك تريد أن تسأل الآن: هل كانت «نيت حتب» جميلة بالقدر الذى مكنها من احتلال قلب الملك؟.. لا أستطيع أن أؤكد أو أنفى جمالها، فلا توجد صورة واضحة أو تمثال للملكة يحسم المسألة، لكن مقبرتها فى مدينة «نقادة» بمحافظة قنا، احتوت على الكثير من أدوات الزينة لتكون بجوارها حين تبعث فى الحياة الأخرى.. ربما تكون «نيت» كانت تحافظ على جمالها بتلك الأدوات، وربما - أيضا - تكون فى حاجة ماسة إليها لتخفى عيوبها!