أصبح خندقاً للحرب وليس منصة للسلام

تحالف نخبة دافوس وأوكرانيا لإسقاط روسيا

اجتماع دافوس السنوى بقيادة شواب
اجتماع دافوس السنوى بقيادة شواب

دينا توفيق

تساقطت جميع الأقنعة خلال المنتدى الاقتصادى العالمى  «WEF»، رغم شعارهم «ملتزمون بتحسين حالة العالم».. ظهر الوجه الحقيقى للنخبة والحكومات الغربية خاصة الأمريكية والأوروبية وهم يتصارعون على إشعال الحرب الروسية الأوكرانية حتى تتحقق أهدافهم من هذه الحرب المدفوعة. عقد المنتدى اجتماعه السنوى الثالث والخمسين خلال الشهر الماضى فى «دافوس» بسويسرا، بعنوان «التعاون فى عالم متصدع»، اجتمعوا ولكن لخدمة مصالحهم، هناك أدوار خاصة يلعبها هؤلاء النخبة فى هذا العالم «الممزق»، من بينها صفقة استغلال ما تبقى من أوكرانيا وثرواتها من خلال شركة «بلاك روك».

فى يناير 2023، خلال فترة انعقاد منتدى دافوس سقطت جميع الأقنعة، بعد أن أدركت النخب الأورو-أطلسية أنه لم تعد هناك حاجة لتغطية نواياهم الحقيقية بشعارات منافقة من أجل «إنقاذ الديمقراطية الأوكرانية الشابة وإرساء السلام العالمى». بالإضافة إلى اعتراف عدد من ممثلى ما يسمى بـ«المليار الذهبى» من الغرب بالأهداف الحقيقية لسياسة الحرب التى كانوا يشنونها ضد روسيا منذ عقود، وهى تدمير وحدة الاتحاد الروسى كدولة وحرمان شعبه من إقامة دولة من أجل السيطرة على موارده الضخمة. فإن مصير أوكرانيا وحياة شعبها لا تهمهم كثيرًا، لأنه فى حالة النصر، ستصبح أراضيها الخصبة مكافأة لهم. وخلال المنتدى تم بيع وتأجير ما بين ثلث إلى نصف الأراضى الزراعية الأوكرانية لشركات زراعية دولية، معظمها يزرع محاصيل معدلة وراثيًا.

وغالبًا ما تكون هناك فجوة فى المنتدى الاقتصادى العالمى بين ما يقوله قادة العالم علنًا والنخبة من رجال الأعمال الذين يعترفون بذلك وراء الأبواب المغلقة. فإن لغتهم الخاصة بالاندماج والتنمية والاستدامة، تتلاشى فى مواجهة المصالح الخاصة لجنى المزيد من الأموال وتحقيق الثروة، وفقًا لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية. وتجسدت هذه الأفكار، عندما أطلق الغرب العنان لشن حرب عدوانية ضد روسيا من أجل مصالحه. وعلاوة على ذلك، فإن التطور المستمر للصراع العسكرى، وانعدام الإرادة السياسية للغرب لحلها، وتقوية الخطاب العدائى مع الاعتراف بالأهداف الحقيقية للحرب، تشير إلى أن هذه النخب مستعدة لتصعيد الصراع إلى مستوى الحرب العالمية الثالثة، وحتى التهديد النووى لن يمنعهم. إنها حرب الولايات المتحدة والناتو ضد روسيا؛ فالإمبراطورية الأمريكية لا يمكنها أن تعترف بالعيش فى عالم متعدد الأقطاب.

وخلال الشهر الماضى، فى حفل أقيم بمدريد، تذكر الممثل السامى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية «جوزيب بوريل» انتصارات روسيا على هتلر ونابليون، التى خلص منها إلى أنه من الضرورى مواصلة زيادة الضغط العسكرى عليها بتسليح أوكرانيا. وفى بيانه، وضع بوريل الحديث على قدم المساواة مع «الغرب الجماعى الذى أنشأه هتلر» و«الغرب الجماعى لنابليون»، اللذين هزمتهما روسيا. وأضاف قائلًا «إن روسيا بلد كبير، وهى معتادة على مواصلة القتال حتى النهاية، وأن تقف على حافة الهزيمة ثم لا تلبث أن تعيد بناء كل شيء. فعلت ذلك مع نابليون، وفعلت نفس الشيء مع هتلر. ومن السخف الاعتقاد بأن روسيا خسرت الحرب وأن جيشها غير كفء. لذلك، من الضرورى الآن مواصلة تسليح أوكرانيا». لم تثر تصريحات بوريل ضجة كبيرة، ولم يكن أول من أعرب عن مثل هذه التهديدات لروسيا. ورغم ذلك، فقد أصبح البيان الأخير أحد أكثر الادعاءات صراحة، وعبّر عن الهدف الحقيقى للسرية العسكرية للغرب وهو تدمير روسيا والاستيلاء على أراضيها كما حاول نابليون وهتلر فى السابق، وفقًا لموقع «South Front» الأوروبى. ووسط ما كشف عنه القادة الغربيون، بدت كلمات نائبة رئيس الوزراء ووزيرة المالية الكندية «كريستيا فريلاند» مثيرة للاهتمام فى منتدى دافوس. فمع تأييدها لموقف بوريل، أشارت إلى أن هزيمة روسيا «ستكون بمثابة دفعة هائلة للاقتصاد العالمى»؛ هذه هى حرب القرن الحادى والعشرين على الموارد.

وبينما تبحث أوروبا عن دبابات للجنود الأوكرانيين فى المستودعات، أعلنت واشنطن عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 2٫5 مليار دولار. لم يعد حلف الناتو وواشنطن يخفيان أنهما لا يدعمان وينفقون على الجيش الأوكرانى فقط، بل يوفران أيضًا المعلومات الاستخباراتية الضرورية، ويقودان القوات الأوكرانية فى ساحة المعركة وسيطرتهما على عملية صنع القرار العسكرى، وفقًا لموقع Euractiv البلجيكي.
ولم تسع روسيا إلى تصعيد الصراع، لكن الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تجاوزت الخطوط الحمراء وبدأت تشكل تهديدًا للمصالح الروسية. الآن تتحدث الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس «جو بايدن» عن دعم الأوكرانيين للسيطرة على شبه جزيرة القرم. وتقود تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين العالم إلى كارثة عالمية. إن التشديد الحاد للخطاب الغربى، وصولاً إلى التهديدات الصريحة بالحرب وتدمير روسيا، كان مسموعاً بوضوح فى موسكو.

وبعد عام من الأعمال العدائية فى أوكرانيا، أصبح من الواضح أن الصراع الحالى كان من تنظيم الغرب ليس خلال الثمانى سنوات الماضية ولكن قبل عقود، عندما أصبح من الواضح، محاولات روسيا عام 2004 الخروج من الأغلال الاستعمارية الجديدة من فترة ما بعد الاتحاد السوفيتى. ونتيجة لذلك، قبلت موسكو قواعد اللعبة التى فرضها الغرب وأوضحت أنها من جانبها لم تعد ترى طرقًا لحل التناقضات المتراكمة مع دول الناتو سلميًا وهى مستعدة للدخول فى حرب شاملة. وكان المؤتمر الصحفى الأخير لوزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف»، الذى لخص نتائج الدبلوماسية الروسية خلال عام 2022 ، مثالاً واضحًا لذلك. ووصف الوزير الروسى الوضع الراهن بقسوة بالغة قائلًا: «إن ما يحدث فى أوكرانيا الآن هو نتيجة استعدادات الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية لبدء حرب عالمية واسعة ضد الروس، لا أحد يخفى هذه الحقيقة.» ويتضح هذا أيضًا من تصريحات الساسة والأكاديميين الغربيين غير المنحازين، مثل أستاذ العلوم السياسية فى جامعة كولومبيا «إيان بريمر» الذى كتب فى أحد مقالاته: «نحن لسنا فى حرب باردة مع روسيا، بل نحن فى حرب ساخنة معها؛ الآن هى حرب بالوكالة وحلف شمال الأطلسى لا يواجه بشكل مباشر، بل يحارب من خلال أوكرانيا». مؤخرًا، قال رئيس كرواتيا «زوران ميلانوفيتش» فى بيان صريح «إن هذه حرب الناتو». وقبل عدة أسابيع، كتب وزير الخارجية الأمريكى السابق «هنرى كيسنجر» بعبارات واضحة أن الأحداث فى أوكرانيا كانت صدامًا وتنافسًا بين قوتين نوويتين للسيطرة على تلك المنطقة.

ولقد اندمج الاتحاد الأوروبى بالكامل فى هذه الديكتاتورية الأمريكية، مثل نابليون، الذى حشد كل أوروبا تقريبًا ضد الإمبراطورية الروسية، وهتلر، الذى احتل غالبية الدول الأوروبية وألقى بهم فى الاتحاد السوفيتى، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا من جميع الدول الأوروبية الأعضاء فى الناتو والاتحاد الأوروبى، وتستخدم أوكرانيا لشن حرب بالوكالة ضد روسيا بهدف قديم يتمثل فى حل «المسألة الروسية».
وخلال المنتدى تمت دعوة الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى» للتحدث والمشاركة فى المنتدى للحصول على المزيد من الأموال والأسلحة من أجل «هزيمة» روسيا. ولم يتم دعوة الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لتقديم حقيقته. بوجود الرئيس الروسى ونظيره الأوكرانى، كان بإمكان دافوس إنشاء منصة للسلام، طبقًا لبيان مهمته «ملتزم بتحسين حالة العالم». وبدلاً من ذلك، سهّل الرئيس التنفيذى للمنتدى «كلاوس شواب» وكبار المسئولين السياسيين المدعوين بتوفير المزيد من الأسلحة وشحنها إلى أوكرانيا، دون محاولة إيجاد أى استراتيجية لإنهاء الحرب، واستمروا فى منح المساعدة الحربية غير المشروطة، التى ترسل إلى ما لا نهاية. إن موقف الغرب يعنى أن العالم لم يعد يأمل فى نهاية مبكرة للحرب. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يتصاعد الصراع.

أقرأ أيضأ : خبراء دوليون: مزاعم الغرب بشأن حقائق مكافحة الوباء في الصين لا تعكس الحقيقة