فى الصميم

نتنياهو وأمريكا.. والهدايا المسمومة!!

جلال عارف
جلال عارف

تتواصل الجهود لمنع انفجار الموقف فى الأراضى الفلسطينية.

مصر لم تتوقف عن بذل كل ما تستطيع لوقف العدوان الإسرائيلى المستمر على الشعب الفلسطينى الشقيق، مع الوعى الكامل بأنه لا طريق للأمن والاستقرار إلا مع أفق سياسى للحل يضمن حقوق شعب فلسطين فى دولته المستقلة على حدود  ٦٧، وإنهاء الوهم الصهيونى بأن السلام ممكن مع احتلال لا يمكن أن تكون نهايته إلا الزوال.

فى هذه الأزمة كانت الدبلوماسية الأمريكية حاضرة بكل طاقتها لأسباب عديدة منها تولى حكومة نتنياهو الأخيرة حكم إسرائيل بتحالف يمينى متطرف جمع قيادات التنظيمات العنصرية ودعاة الإرهاب ومن حرضوا على قتل كل العرب..

وهو ما كان موضع تحفظ أمريكى منذ البداية، خاصة مع إعطاء مسئولية الضفة والقدس وقيادة الشرطة وشئون الاستيطان لموضوعين على قوائم الإرهاب!!

السبب المهم الثانى للحضور الأمريكى اللافت هو تعثر الاتفاق مع إيران على ملفها النووي، واحتمال انفجار الموقف معها. ولهذا توافد على المنطقة تباعا.. مستشار الأمن القومى الأمريكى «سوليفان»، ثم مدير المخابرات المركزية «بيرنز»، وأخيرا وزير الخارجية الأمريكى بلينكن الذى جاء إلى المنطقة بعد تصاعد الأحداث إثر مذبحة جنين التى ارتكبتها القوات الإسرائيلية، ثم عمليات القدس التى قام بها شباب وأطفال فلسطينيون يسكنون القدس المحتلة ويواجهون إذلال الاحتلال يوميا.

ورغم كل الجهود، فقد عاد «بلينكن»، دون تحقيق اختراق حقيقى فى الموقف بسبب التعنت الإسرائيلى المتوقع عن حكومة «نتنياهو- بن غفير»، التى قامت بتوافق زعماء عصابات اليمين على برنامج استكمال تهويد القدس وابتلاع أراضى الضفة بالاستيطان، والقضاء على أى فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين فى أراضى ٤٨ إلى مواطنين من الدرجة الرابعة فى دولة فصل عنصرى تتحدى الشرعية الدولية وترى أنها دولة فوق القانون!!

لهذا كان طبيعيا أن يغادر «بلينكن»، المنطقة وإسرائيل تبدأ جولة جديدة من التصعيد..

تمضى فى هدم المنازل واقتحام مدن الضفة الغربية، ومحاولة توسيع العدوان بالغارات على قطاع غزة لدفع المنظمات الفلسطينية للرد، ولكى تنقل اهتمام العالم لوقف العدوان القادم على غزة بدلا من التركيز على جرائمها فى الضفة الغربية والقدس المحتلة وإجراءاتها العنصرية ضد الفلسطينيين الصامدين على أرضهم فى القدس وفى الداخل الإسرائيلي.

اليمين العنصرى الفاشى الذى يقود إسرائيل الآن لن يفرط  فى فرصته ولن يتخلى عن عدوانيته ويزيد من مخاطر حكمه أنه يواجه معارضة واسعة داخل إسرائيل لا تقتصر على الأحزاب الأخري، لكنها تضم قيادة الجيش والشرطة وجهاز القضاء التى تتعرض جميعا لمحاولة عصابات اليمين الحاكم للسيطرة عليها، ولضمان أن يفلت أركان الحكومة. «وفى مقدمتهم نتنياهو نفسه» من محاكمات قد تضعهم فى السجون وليس فى مقاعد الحكم!!

وقد يكون الدخول فى حرب جديدة أو عدوان آخر وسيلة للهروب من كل ذلك!!

يحدث ذلك كله قبل زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى الولايات المتحدة هذا الشهر لا يريد أن تكون «القضية الفلسطينية» عنوانا بارزا فيها، ويدرك مشاكل الإدارة الأمريكية الآن، ويعرف أن بايدن ليس فى وضع يتخذ فيه موقفا حازما مع نتنياهو كما فعل «أوباما». من قبل.

وهو يقدم لواشنطن بعض «الهدايا المسمومة»، قبل الزيارة بالإعلان عن امكانية ارسال بطاريات «باتريوت»، إلى أوكرانيا، وبتصدير الأزمة مع إيران كقضية وحيدة للحديث فى واشنطن. والأخطر أنه يريد إغلاق باب الحديث عن «حل الدولتين»، الذى حذره «بلينكن»، من أى إضرار به سيكون وبالا على إسرائيل بعد ذلك.

لم يرد نتنياهو على حديث «بلينكن»، عن حل الدولتين فى المؤتمر الصحفى المشترك معه، لكنه رد بعد ذلك رافضا موقف الإدارة الأمريكية ومدافعا عن توسيع الاستيطان، ومتباهيا بنجاحه فى  الالتفاف على الفلسطينيين وعقد اتفاقيات سلام تاريخية مع العرب. مشيرا إلى إمكانية منح شىء من «الحكم الذاتى» للفلسطينيين بعد أن يتحقق السلام الشامل مع الدول العربية بتوسيع «الاتفاقيات الإبراهيمية»!!

حكومة «نتنياهو- بن غفير»، تعرف واشطنون قبل غيرها أنها لا يمكن أن تكون حكومة سلام.. لكن العاجل هو أن يتم منعها من تفجير الموقف بحرب جديدة قد تنقذ هذه الحكومة من السقوط وتبعد شبح السجن عن معظم أعضائها، لكنها لن تنقذ إسرائيل من أزمتها التى لن تنتهى إلا باتفاق واحد مع فلسطين «الدولة والشعب»، وليس بحرب جديدة تضاعف الأزمة!