فنان عمره ألف عام l من مصر إلى جاهين: صلاح عندى أحب وأجمل الأبناء

صلاح جاهين
صلاح جاهين

يحيى وجدى

لو أن مصر لم تنجب إلا صلاح جاهين لكفاها..
ذلك أن المصري محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي، المولود في شبرا عام 1930 والمعروف باسم صلاح جاهين، أنتج وقدم كل الفنون تقريبا، كتب الشعر العامي والأزجال والأغاني، وخط لنفسه شكلا جديدا في الشعر هو الرباعيات،  وكتب المسرح والسيناريو للسينما والتلفزيون، وترجم عن اللغة الإنجليزية، ورسم الكاريكاتير واللوحات التشكيلية وأغلفة المجلات، وعمل بكل المهن المرتبطة بالإبداع من الصحافة التي وصل إلى أعلى مراتبها وحتى التمثيل في السينما والتلفزيون، كان ينقصه فقط أن يكون راقص باليه كما قال وتمنى..

ومع كل هذا الإنتاج الغزير والمتنوع واللافت، لم يكن صلاح جاهين يشبه أحدا غير نفسه، واختط لذاته الفنية وإبداعه شكلا جاهينيا في كل شيء، فمن كان يجرؤ على استخدام عبارات عامية من قلب قلب الحارة مثل “دهده” في الكاريكاتير مثلا، أو التلاعب بالألفاظ الفرنسية المعربة مثلما فعل في سيناريو فيلم “أميرة حبي أنا”، أو أن يكتب قصيدة طويلة عن الله، بعنوان “ربنا”، يقول فيها:
“مين اللي كوّر الكرة الأرضية
مين اللي دوّرها كده بحنية
مين اللي في الفضا الكبير علّقها
ما تقعش منها أي نقطة ميه
مين اللي عمل البنى آدمين
مفكرين ومبدعين
مين اللي إدانا عقول وقلوب
وشفايف تسأل هو مين؟
مين اللى دايمًا صاحي واخد باله
وكلنا بنحبه جلّ جلاله
ربنا”
ومن الذي كان يجرؤ في عز هزيمة 67 أن يكتب فيلما مثل “خلي بالك من زوزو”، ويصر على إنتاجه ويتحمل النقد الجارف له، وهو الذي أحب مصر وعبر عن حبه لها كما لم يعبر غيره، وينجح الفيلم رغم أحزان المصريين، ويستمر عرضه في السينما أسابيع وأسابيع، ويتحول إلى أيقونة سينمائية خالدة، ويدخل الموسوعات الفنية كأهم وأعظم أفلام السينما المصرية.
كان صلاح جاهين مؤسسة متحركة، تقيم وتبني الصحف والمجلات من بابها، من الشكل وحتى المحتوى. مؤسسة ترعى الكتاب والصحفيين والرسامين والفنانين والفنانات، صلاح جاهين هو الأب الروحي لسعاد حسني، هو الذي تعهد موهبتها الفطرية المتفجرة وسقاها وراقبها تنمو وتكبر وانتظرها بصبر وأناة حتى طرحت ثمار جمالها، وهو الذي كتب لأكبر وأهم نجوم عصره في الغناء. كتب لأم كلثوم أغنية “ثوار” وأغنية”الله معك” وكتب لعبد الحليم حافظ أغنية “يا أهلا بالمعارك” و”بستان الاشتراكية” و”المسئولية”، وطبعا كتب لسعاد حسني أغنيتها الخالدة “يا واد تقيل” و”بانو بانو”.، هذا كله وهو يرسم يوميا ويكتب رباعياته يوميا ويدير مجلة “صباح الخير” كرئيس لتحريرها يوميا.

وصل عدد رباعيات صلاح جاهين إلى 160 رباعية، وبلغ عدد قصائده بالعامية إلى 110 قصيدة، أما الأغاني فبلغ عددها 55 أغنية غير المنوعات الغنائية الأخرى مثل عمله المعجز “الليلة الكبيرة” والفوازير وغيرها، وبلغ عدد المسرحيات التي كتبها 7 مسرحيات، وترجم كتابين هما “الإنسان الطيب” و”دائرة الطباشير القوقازية” بل أنه شارك كمنتج منفذ لعمل تلفزيوني باسم “هاشم وروحية” غير الأفلام مثل “أميرة حبي أنا” و”المتوحشة” و”خلي بالك من زوزو”، وبالطبع سيناريو الفيلم الملحمي “عودة الابن الضال”
ومثل صلاح جاهين بأدوار صغيرة في أفلام “جميلة بوحريد”، و”اللص والكلاب”، و”لا وقت للحب” و”موت أميرة” و”المماليك”.

 صاحب الرباعيات
عرف الشعر المربعات كقالب شعري نسب إلى الشاعر ابن عروس، وهي مربعات أصبحت من تراث العامية المصرية وتدخل ضمن فن الواو، وعرف الشعر العالمي رباعيات الخيام وهي مقطوعات شعرية اشتهر بها الشعر الفارسي، لكن صلاح جاهين ومن مربعات ابن عروس التي صارت وكأنها صوت الفقراء والمظلومين وأمثلتهم، ورباعيات الخيام على ما فيها من تصوف وروحانية وعشق صوفي، صنع رباعياته الخاصة التي مزجت بين اللسان العامي المصري الذي يذيق بسخريته اللاذعة كل من لا يعجبه أو يؤذيه، وبين التأمل الفلسفي الصوفي في أحوال الكون والخلق وقدرات الخالق. مثل رباعيته المدهشة:
خرج ابن آدم من العدم قلت: ياه
رجع ابن آدم للعدم قلت: ياه
تراب بيحيا.. وحي بيصير تراب
الأصل هو الموت ولا الحياة؟

عجبي
ومن بين أعمال صلاح جاهين الشعرية، تظل قصيدة “على اسم مصر” أشهر وأصدق قصيدة لكاتب في حب بلاده، أو كما قال: “على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء/ أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء/ بحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب/ وبحبها وهي مرمية جريحة حرب/ بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء/ واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء”.

أقرأ أيضأ : صلاح جاهين.. معركة «الواد التقيل»