راشد عيسى يكتب: مِثْلَما

راشد عيسى
راشد عيسى

مِثْلما زهرة نبتتْ فى ضلوعِ جدارْ دونما خطّةٍ أو قرارْ ولما تهدّمَ ظلتْ على عهدِها فى التّحدى، لتطلعَ ثانيةً من غبار الحطامْ ، مِثْلما خيمةٍ شلّت الريحُ أوتادَها فطارت إلى شُرفات السماءِ وعادت لنا نجمةً تنحنى تحت أنوارِها أمنياتُ الظلامْ.
مثلما دمعةٍ نزلت من أصابع
طفلٍ يفتش عن عظمةٍ فى القمامةْ
ثم لما رأى الجَرْوَ ينبحُ من جوعهِ،رمى العظمَ للجرْوِ، وعانقه باحترامْ.
مثلما يتحدى السجينُ الأصَمُّ مُرورَ
حبيبتهِ فوقَ جسرِ الخيالِ
فيقفزُ من حفرةِ الليل يتلو
بعينَيْهِ أعلى مزاميرهِ فى
الغرامْ.
مثلما يصبر العشْبُ بين أيادى
الصحارى،
وبين جفون الصخورِ، ولا
يرتجى مِنّةً من مطرْ
ولا يتطلع فى حَسَدٍ للشجرْ
فيقبل ما يتيسّرُ من قطرات
الندى
أو نوايا الرّهامْ.
مثلما يقتنعُ العاشقُ الفذُّ أنَّ
الزواجَ عبوديةٌ ناعمةْ.
وضرائبُ مدفوعةٌ لبنوك الضّجَرْ
فيغسل أخطاءه بمياه الرضا
ويختارُ عزْلتَهُ الحالمةْ
فى جبال الهيامْ.
مثلما تشتريكَ الأمانى بسعْرِ رخيصٍ
فتقبلْ
مثلما تشتريك الدموع بدَيْنٍ معجَّلْ
ثم يُؤَدْلجُكَ المُعْتِمون سماسرةُ الحبّ
والموتِ حتى تؤدى التحية للفكرة الظالمةْ
وتدخلَ طوْعًا وكرْهًا إلى غيْهبٍ في
سديم الكلامْ.
هكذا هُوَ قصدُ الحياةْ
متعةٌ فى الأنينِ ورقصٌ حزينٌ
على حدّ سيفِ الشتاتْ
فليس لك الحقُّ فى أن تُلاوِمَ
حوّاءَ أو آدمًا عندما اقترفا زلّةً
أو خطيئةْ،
فسِيّان إنْ تَكُ سيرورةُ البدءِ
مذنبةً أو بريئةْ،
فأرِحْ قلبك الطفلَ من شَهَقاتِ
الملامْ.
وليس بوسْعِكَ أن تردعَ الحاسدينَ
عن الحرْث فى أرضِ إبليسَ، أو تنزعَ
الليل من صرخات الخفافيش، أو تمنعَ
الصقر ألّا يُلاحقَ سرْبَ الحمامْ.
ومَنْ أنت حتى تدلَّ الطريقَ على قدميْكْ؟
أرأيتَ إليكْ؟ وما فى يديْكْ
فسلّمْ على وسلّمْ عليْكْ
فما عاد فى شجر العمْر غصنٌ تُصَلّى عليهِ
طيورُ الضحى،
وما ظلّ فى الرأسِ كأسٌ تصدّقُ كِذْبَ
المُدامْ.
تألّمْ كثيرًا... تبسَّمْ كثيرًا
ولا تسْتشرْ عقلَكَ المستبدَّ بأوهامِهِ
القاحلةْ،
ولا تشْتُمِ العطْرَ فى شوكةٍ ذابلةْ،
فماذا ستعنى الحياةُ لنا
إذا كلُّ شىء يسيرُ على ما يُرامْ؟!!
 

اقرأ أيضاً | وفاء جعبور تكتب : هَبْنى يدًا