موسى حوامدة يكتب: تلهو القصيدةُ

موسى حوامدة
موسى حوامدة

هناكَ فى الشارعِ السابعِ للصراط  يخلو المكان من الزمان  والضحكاتُ تهزُّ الفضاء  والسرورُ يملأ كؤوس المنبوذين، كلُّ ما مضى حلمُ صيادين فاشلين فى تلك الرحلة على الأرض خسرنا كل شىء ولم نربحْ حتى أنفسنا الوهم بدّد كلَّ الآمال والخيرُ كان يمشى على عكازين انكسرا قبيل صراخ البوق والذكرياتُ تركت معناها على بَرزخ الماضى.. لا شىءَ يَحترقُ هنا فالنار توقفت عن السَّعير والزمهرير أصابه العطب حتى الضجيج فقد صوتَه فى الفراغ وصار العالم رحيمًا  والكلماتُ خرساء والمعانى شجرًا مثمرًا.


وفى الشارع السابع للصراط
فى الطريق المؤدى إلى حديقة الرحمة
فى ميدان النعيم الخالد
هناك فى القصر المُطرَّزِ بالحسنات
وفى بهو السراب بالتحديد
الواقع على يمين المطهر
يلهو الحكماء
يتندر الفلاسفة على طلاب المغفرة.
فى الشارع الموازى لشارع الصراط 
هناك فى مكان بعيد عن المنبعثين من الرماد 
تمشى الفضيلة وحيدة بلا رقباء
تأكل من كفِّ بنات الليل ما يأكلن
وتشرب من ماء الخلود 
ولا يحتاجها أحد 
فالنور يغطى الخيرين والشريرين
والمخلوقات لا تبحث عن فرائس بعين الصياد.
كل شىء يتنفس بحرية
والدمُ الذى كان يسيلً على الأرض لأى سبب 
يمتدُّ هنا فوق التراب جدولَ ماء 
لا جرائمَ ترتكب 
ولا شرطة تعيش على الفوضى
الحكمةُ ملكةٌ تلهو 
السماء عذراء
الأقلام لا تتكسر فى دفاتر القوانين؛
هدوء مخمور
راحة بال سَكْرى للغيوم 
الأعاصير ترنحت 
البراكين حولها الأفيون إلى حدائق غناء 
تذلّل العناء للورد فصار بساتين خضراء 
والحقد يضحك نادمًا 
والضغينة ترفع الرايات البيضاء  
حتى الحروب بدَّلت وجهها خجلاً 
وطأطأت رؤوسها من فلاسفة الأخلاق المنتشرين بكثرة
هدوء فى حركة الأفق والكواكب 
هناء سرمدى 
كسلٌ لا تنتهى
والقصيدة 
هذه القصيدة أعنى 
تلهو ضاحكة من كل شىء مضى 
ومن كلِّ شىءٍ آت 
من كلِّ يَقين وخديعة
من كلِّ شكٍ وحقيقة
تلهو فقط
كى لا تتحول الجنة إلى حصةٍ فى البلاغة   
لا يحضرها طلبة ولا مهتمون.

اقرأ ايضاً | جلال برجس يكتب: الثقافة المصرية.. الحاضنة الأكثر نزوعًا نحو الإنسانية